جعفر عباس

مِهن ومِحن (26)


[JUSTIFY]
مِهن ومِحن (26)

وصلت الى الحلقة الـ26 مستعرضا العديد من المهن وما يعتورها من محن، وقد يقول البعض إن باب النجار مخلع، ويقصد بذلك أنني لم أتكلم عن محن الصحافة والصحفيين، والمحن التي يسببونها للناس (بالمناسبة ما الضير في أن يكون باب النجار مخلوعاً؟ هل يعاير أحد الطبيب لأنه يمرض؟ أو الشرطي بأن بيته يتعرض للسرقة؟ هذا سؤال مشروع ولعل من يقرأ لي بصورة ولو شبه منتظمة، يعرف أنني أعاني من حساسية تجاه تقديس الأمثال الشعبية، وخاصة تلك التي من فصيلة «من جاور الحداد اكتوى بناره»!! طيب إذا جاورت مليونيرا هل أكتوي ببعض الدولارات؟).
ولكنني اتفق إلى حد كبير مع من يقولون عن الصحفيين إن «بابهم مخلَّع»، فمن أكثر العلل تفشيا بين الصحفيين إحساس بعضهم بأنهم أوصياء على الرأي العام/ القراء، و«أفضالنا عليهم كثيرة»، ويتم تعزيز ذلك الإحساس بترديد المقولة السخيفة بأن الصحافة هي «مهنة المتاعب»، بينما الصحافة قد تكون مصدر متاعب لمن يقرأون الصحف أو من تتعرض الصحف لأقوالهم وأفعالهم، وما من شيء يبط كبدي ويفقع رئتي مثل ترديد بعض الصحفيين لمقولة إن الصحافة «مهنة المتاعب»، فقد تكون الصحافة كذلك في البلدان التي تعتبر فيها «السلطة الرابعة» باعتبار أن السلطات الثلاث الأوائل هي التشريعية والقضائية والتنفيذية، وفي بعض الدول العالم العربي تخضع الصحافة للسلطة وبالتالي فهي «سلطة/ سلاطة»: خس وخيار وكوسا وجرجير، وبهاراته «المبيدات»، وليس الملح والليمون والخل والفلفل، والصحفي الوحيد الذي يكون عرضة للمتاعب في منطقتنا هو «رئيس التحرير» إذا رفض أن يكون أراجوزا في السيرك الحكومي أو أطرش في الزفة، ففي هذه الحالة يتعرض للشرشحة وربما السجن أو الغرامة، ولكن حكومات بعض دولنا صارت من الذكاء في ظل احتمال «انكشاف الحال» بسهولة في عصر الإنترنت والواتساب، ولم تعد تسجن الصحفيين أو تعرضهم لعقوبات مُعلنة، بل تكتفي في غالب الأحوال بإغلاق الحنفية التي تنقط النقود التي تعتمد عليها كل صحيفة لتواصل الصدور والتطوير، وهي حنفية الإعلانات الرسمية، فإذا رفضت صحيفة ما السير على العجين، من دون ترك أثر عليه، فإنها تحرم نفسها من الإعلانات الحكومية، بل قد يصل الأمر إلى أن توعز الحكومة الى كبار المعلنين في القطاع الخاص بعدم الإعلان في صحيفة ما لأنها «خارجة عن المِلّة»، وأي جهة في القطاع الخاص مخها تقيل وزِنِخ، ولا تفهم بالإشارة، وتواصل نشر إعلاناتها في تلك الصحيفة الـ«ما»، تعاني على الفور من إغلاق حنفية المناقصات والعطاءات، ولهذا فإن هوامير القطاع الخاص في معظمهم من فئة «شعب كل حكومة» و«اللي يتجوز أمي أقول له يا عمي».
ولهذا فإن قراء الصحف في كل بلد عربي يكتفون بصحيفة واحدة، لأنهم يعرفون أن ما بها من أخبار وتقارير هو نفس ما تحمله بقية الصحف، وصار تفضيل صحيفة على أخرى لا يقوم على كون هذه أو تلك تتميز بـ«الانفرادات والخبطات»، بل ربما لأن بها كاتب مقال أو أكثر قد يتسم بالجرأة في الطرح أو لديه القدرة على شد القارئ، وأخلص من كل ذلك إلى أن الصحافة في بعض بلدان العالم العربي ليست مهنة متاعب، بل يجعل منها البعض مهنة مكاسب، بممارسة النفاق ولعق الأحذية، وهناك دائما من هو على استعداد ليدفع حتى لو فبركت مناسبة لنشر صورته.. وعنصر «التعب» الشديد في الصحافة عندنا هو هزال وضعف الرواتب وبؤس شروط خدمة الصحفيين.
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]