تحقيقات وتقارير

استغلال بوكو حرام للتدهور البيئي .. كارثة تتمدد في 3 دول أفريقية


تُبدي جاناني فيفاكاناندا، كبيرة الباحثين في مشروع المخاطر بمركز أدلفيا الاستشاري الألماني، تشاؤمها من مشروع “ترانسكوا” القاري، والذي يهدف للحد من التدهور البيئي لبحيرة تشاد، في ظل تزايد نشاط تنظيم “بوكو حرام”، والذي توسع من مجموعة صغيرة من المتطرفين في شمال شرقي نيجيريا، إلى منظمة إرهابية دولية كبرى تقوم بعمليات في دول حوض بحيرة تشاد نجحت في إذكاء الصراع في الدول المطلة على البحيرة (النيجر والكاميرون وتشاد) وهو ما أدى إلى تضاعف معاناة السكان وعدم قدرتهم على التكيف مع آثار التدهور البيئي، كما تقول لـ”العربي الجديد”.

ما ذهبت إليه الباحثة فيفاكاناندا يؤكده تقرير لمنظمة الفاو، بعنوان “استراتيجية الاستجابة لأزمة حوض بحيرة تشاد (2017/2019)” صدر في مارس/آذار 2017، وحذر من أن أعمال العنف التي ارتكبتها بوكو حرام في نيجيريا انتقلت إلى مناطق من بلدان الساحل المجاورة في حوض بحيرة تشاد، وتحديداً الكاميرون وتشاد والنيجر، ما تسبب بآثار مدمرة على الأمن الغذائي وسبل العيش.

ويؤدي التدهور البيئي وتغير المناخ إلى تفاقم المخاطر والتوترات القائمة، فضلا عن تأثيره السلبي على استقرار الدول والمجتمعات المطلة على البحيرة، نتيجة الوضع الأمني الذي أثر على مرونة الناس بشكل كبير وفق ما جاء في الموقع الرسمي لمركز التعاون والتنمية الألماني المختص بقضايا التنمية عبر العالم في أغسطس/آب 2018، والذي لفت إلى أن الإرهاب وفقدان سبل العيش أديا إلى تحفيز النزوح والتهجير داخل تلك البلدان وعبر الحدود، وهو ما يتطابق ما جاء في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2349، الصادر في مارس/آذار 2017 الذي يدين جميع الهجمات الإرهابية وانتهاكات القانون الإنساني الدولي وانتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها التنظيم الذي ظهر في عام 2002، في منطقة مايدوغوري النيجيرية، قبل أن يعلن، في 7 مارس/آذار من عام 2015 مبايعة داعش.

تضاعف معاناة السكان

تقع بحيرة تشاد على بعد 200 كيلومتر شمال العاصمة التشادية نجامينا، وتدعم ما يقرب من 30 مليون شخص يعيشون على شواطئها في تشاد والكاميرون ونيجيريا والنيجر، لكن البحيرة فقدت 90 في المائة من مساحتها الأصلية منذ أوائل السبعينات من القرن الماضي، بعد تقلص حوضها من 25 ألف كيلومتر مربع إلى ألفي كيلومتر مربع بسبب الإدارة غير المستدامة للمياه وموجات الجفاف وتغير المناخ وفق دراسة منشورة على الموقع الرسمي لبرنامج الأمم المتحدة الانمائي (UNDP) في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2017.

وتلفت فيفاكاناندا إلى انخفاض قدرة السكان على التكيف مع آثار تغير المناخ بدرجة كبيرة، نتيجة للصراع في منطقة بحيرة تشاد، مؤكدة في ورقة عمل أعدتها في فبراير/شباط 2018 بعنوان “التغيير المناخي والعنف والأزمة في بحيرة تشاد”، إلى أن العنف ذو الصلة بـ”بوكو حرام” في شمال شرق نيجيريا امتد إلى مناطق من دول الساحل المجاورة في حوض بحيرة تشاد وهي الكاميرون، تشاد والنيجر، متسبباً بآثار مدمرة للأمن الغذائي وسبل العيش.

وأضعفت هجمات بوكو حرام اقتصاد المنطقة، كون عناصرها يدمرون المحاصيل الزراعية والبنية التحتية ويقطعون الطرق ما صعب على التجار نقل بضائعهم وفق موقع مركز التعاون والتنمية الألماني، والذي لفت إلى أن لهذه الإجراءات آثاراً كارثية على الأمن الغذائي في منطقة يعتمد ما بين 80% إلى 90٪ من القاطنين فيها على الزراعة وصيد الأسماك وتربية الحيوانات.

ويوجد ترابط قوي بين الهجرة الجماعية والنزوح الداخلي الناجم عن تقلص البحيرة وتزايد التهديدات الأمنية والمجتمعية بحسب أطروحة “اختفاء بحيرة تشاد كارثة طبيعية وانسانية. معالجة أمننة القضايا البيئية 2018” للباحث الهولندي، ديرك فان دي ويتيرنغ، الصادرة عن جامعة رادبود نايميخن الهولندية.

8 ملايين متضرر

يعيش 8 ملايين من سكان تشاد النيجر ونيجيريا والكاميرون، على موارد البحيرة بشكل مباشر وفقا للباحث ويتيرنغ، ويعاني 6.9 ملايين شخص في تلك المنطقة من النقص الحاد في الغذاء، ويواجه 515 ألف طفل خطر سوء التغذية الحاد، كما يتواجد نحو 2.5 مليون نازح، ضمن ثاني أكبر أزمة نزوح في العالم، إذ يعتمد 75.7% من النازحين في معيشتهم على المجتمعات المضيفة، فضلا عن مليون شخص عائد إلى المناطق التي غادروها في أوقات الصراع وفقا لتقرير “استراتيجية الاستجابة لأزمة حوض بحيرة تشاد”.

وتعاني منطقة بحيرة تشاد من إحدى أكبر حالات الطوارئ الإنسانية في العالم منذ صعود بوكو حرام، إذ أدى تغيير أنماط المناخ المصحوب بالنزاع العنيف إلى تقييد الوصول إلى الموارد الطبيعية مثل الأرض والمياه التي تعتبر حيوية لدعم سبل العيش، وتقليل التماسك الاجتماعي وتوتر العلاقات بين المجتمعات والحكومة بحسب منصة “إنترناشونال ريليشنس” البريطانية الإلكترونية، وتفقد المجتمعات المحلية، التي تمنعها بوكو حرام وقوات المنطقة العسكرية الأولى للقوة الأفريقية المشتركة، التابعة لجيوش نيجيريا وتشاد والنيجر والكاميرون والتي تخوض حربا ضد مسلحي الجماعة، من الوصول إلى أجزاء من البحيرة، خيارات كبيرة لتنويع مصادر الرزق، مثل صيد الأسماك والزراعة، الأمر الذي انعكس سلبا على حياة أفرادها وفقا لتقرير “إقليم بحيرة تشاد. تقييم المخاطر الأمنية المتعلقة بالمناخ” الصادر في يوليو/تموز2018 عن فريق عمل الخبراء المعني بالمخاطر الأمنية المرتبطة بالمناخ، والذي يشير إلى أن الأهالي باتوا غير قادرين على صيد الأسماك، أو الزراعة بسبب عدم الوصول إلى البحيرة لأسباب أمنية، وتوقع حدوث هجمات.

هل تحل قناة ترانسكوا الأزمة؟

جرى التوقيع في العاصمة النيجيرية أبوجا على اتفاق بين مفوضية بحيرة تشاد (كيان إقليمي يضم دول المنطقة تأسس في العام 1964)، وشركة باور شاينا (أكبر الشركات المملوكة للدولة في الصين، التي تعمل في البنية التحتية لمشروعات الطاقة) في ديسمبر/كانون الأول 2016، للبدء في تنفيذ مشروع ترانسكوا، على أن تمول الصين دراسات المشروع بنحو 1.8 مليون دولار والذي ستصل تكلفته إلى 14 مليار دولار، بحسب جاناني فيفاكاناندا.

ويرمي المشروع (الذي ترجع فكرته إلى العام 1982 عندما اقترحت الشركة الايطالية “بونيفا” تنفيذه لنفس الغرض) إلى وقف تراجع مساحة البحيرة التي تواجه جفافا متصاعدا منذ ستينيات القرن الماضي، نتيجة للتغيرات المناخية، ما فاقم من معاناة السكان إضافة إلى نشاط حركة بوكو حرام وعملياتها الإرهابية، وفق ما قال نائب رئيس اللجنة العملية لحوض بحيرة تشاد، لورانس فريمان لـ”العربي الجديد”، والذي يخالف ما ذهبت إليه جاناني فيفاكاناندا مبديا تفاؤله بالمشروع الرامي إلى نقل كميات كبيرة من المياه من نهر الكونغو إلى التيار الرئيس لنهر شاري الذي يصب في بحيرة تشاد.

ويعتقد فريمان أن قناة ترانسكوا ستساعد في إنشاء طريق تجاري جديد بين الحوضين (حوض الكونغو وبحيرة تشاد)، الأمر الذي قد يؤثر إيجابا على 12 دولة هي تشاد، والنيجر والكاميرون ونيجيريا، والسودان وليبيا وأفريقيا الوسطي، والكونغو الديمقراطية، وليبيا والجزائر كما يقول، مضيفا أن هدفهم هو القضاء على الفقر، كونه السبب الكامن وراء عدم الاستقرار ونمو الجماعات المتطرفة وأزمات النزوح المؤثرة على تلك الدول.

وتقوم فكرة مشروع ترانسكوا على بناء قناة بطول 2400 كيلومتر من الناحية الجنوبية الشرقية من جمهورية الكونغو الديمقراطية مع سلسلة من السدود الصغيرة على الجانب الجنوبي الشرقي لنهر الكونغو، وتصل القناة إلى جمهورية أفريقيا الوسطى، ثم إلى نهر “شاري” الذي يصب في بحيرة تشاد بحسب فريمان. لكن فيفاكاناندا، تقول إنه “من غير المرجح أن يساعد المشروع في حل الأزمة الإنسانية في بحيرة تشاد التي تعد واحدة من أكبر الأزمات في العالم”، مضيفة أن مخطط ترانسكوا هو الحل الخاطئ للمشكلة الخاطئة.

تدمير النظام البيئي

تتفق آنغي أسانزي، منسقة الحملات الأفريقية لدى منظمة الأنهار الدولية (مؤسسة دولية مكرّسة للدفاع عن حقوق من يتأثرون بإنشاء السدود) مع فيفاكاناندا قائلة لـ”العربي الجديد” إن “تعطيل تدفق نهر الكونغو من شأنه التأثير سلبًا على النظام البيئي هناك؛ فنهر أوبانغي الرافد الرئيسي للكونغو يقع فوق خط الاستواء”، مضيفة أن “هذا يعني تدمير مصادر الرزق لملايين الناس في الكونغو وجمهورية أفريقيا الوسطى، وخلق مشاكل بيئية خطيرة. إنه عمل انتحاري للحوض وللناس الذين يعتمدون عليه”.

وتؤكد أسانزي أن مشروعا عابرا للحدود كهذا يتطلب موافقة البلدان المتأثرة، لأنه سيكون في منطقة نزاع ممزقة (جمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى)، ناهيك عن تهجير العديد من الناس لإفساح المجال لطول القناة، وهو ما يؤيده أستاذ السياسات العامة في الجامعة الأميركية بالقاهرة، البروفيسور حامد التيجاني علي، والذي أكد لـ”العربي الجديد” أن المشروع يحتاج إلى إجماع دول الحوض ومنها الكونغو، مشيرا إلى أن الاستقرار السياسي سيكون المدخل لتوحيد رؤية القادة والمؤسسات المحلية والدولية لتنفيذ المشروع، علما أن التدهور المتزايد لموارد المياه والنظم الإيكولوجية يتفاقم بسبب التحدي الأمني ​​الحالي والهجرة اللاحقة للناس، بحثًا عن حياة أفضل.

العربي الجديد