السلع والخدمات .. ضرورة مُلحّة
خبير اقتصادي: الوضع بالبلاد غير مُطمئِن والدولة تأكل من سنامها
سوار الدهب: مليارا دولار كفيلة بمعالجة الاقتصاد
حسين جبريل: الأمن ضمان للاستقرار الاقتصادي
خبير أكاديمي: لابد من تطبيق بعض السياسات لحماية المستهلك
يعيش المواطن السوداني منذ فترة طويلة، ويُواجَه يومياً بمشكلات اقتصادية تمثلت في عدم توفير أبسط سبل العيش المتمثلة في توفير السلع الاستهلاكية بجانب الأدوية وغيرها.
ومن المعلوم أن المواطن زادت معاناته خلال فترة الثلاثين عاماً الماضية نتيجة حزمة الإجراءات الاقتصادية المتعسفة، وإهمال القطاعات الإنتاجية رغم امتلاك البلاد مقومات تؤهلها لتوفير الاحتياجات كافة. وبعد الإطاحة بالنظام السابق، استبشر المواطنون خيراً بأن يسهم النظام الجديد في معالجة مشاكل البلاد، ولكن من الملاحظ أن بعض السلع تعاني نقصاً خاصة ما يتعلق بالمواد البترولية، بحانب وجود مشكلة في السيولة، فما زالت الصرافات تزدحم بالصفوف الطويلة من المواطنين في انتظار الحصول على مبالغ مالية محدودة لفترات طويلة، كما نجد أن سلعة الدقيق شهدت شحاً خلال الأيام الماضية، خاصة فترة العيد، تمثلت في انعدام الخبز في العديد من مناطق ولاية الخرطوم، كما عانت بعض الولايات ذات المشكلة, أضف لذلك انقطاع التيار الكهربائي خلال أيام الأسبوع، ما أدى لتذمر المواطنين، ولكن المجلس العسكري بعث بتطمينات، حيث أكد رئيس اللجنة الاقتصادية بالمجلس العسكري الانتقالي، اللواء ركن إبراهيم جابر إبراهيم اهتمام المجلس بمعالجة الأوضاع الاقتصادية بالبلاد، وكشف عن وضع خطة إسعافية لحل مشكلة السيولة، وتوفير الدقيق والوقود والأدوية والكهرباء والمياه، ووجه جابر الولاة بضرورة إجراء محاكمات عاجلة لكل من ثبت تورطه بالتلاعب في استخدام الدقيق والوقود والسيولة ووعد بإيجاد الحلول الناجعة للمشكلات التي تواجه الولايات في مجالات توفير المزيد من السلع بجانب المياه والصحة والتعليم والكهرباء.
ولكن يبقى السؤال، هل يستطيع المجلس توفير مطلوبات الحياة؟ خاصة أن المواطن سئم من تكرار الوعود بتوفير أبسط سبل العيش الكريم، في ظل الظروف التي تعيشها البلاد.
وأكد مراقبون أن الرؤية الاقتصادية في السودان غير واضحة حالياً عقب الانقلاب العسكري، خاصة فيما يتعلق بسعر صرف العملة الوطنية وحركة النشاط التجاري. وأشاروا إلى أن تصحيح المسار الاقتصادي يتوقف على مدى قبول الحكومة العسكرية الانتقالية داخلياً وخارجياً، ما يساعدها على استقطاب قروض ومنح تعينها على توفير التمويل اللازم لتسيير الاقتصاد، واتخاذ قرارات لاستقطاب تحويلات المغتربين، ودعم استقرار سعر الصرف والاستفادة من عائدات التعدين خاصة الذهب، وسد منافذ تهريبه وتخزينه، وإزالة العقبات أمام الصادرات غير البترولية.
ارتفاع غير مبرر
ومن خلال المتابعات، فإن أسعار السلع تشهد ارتفاعاً ملحوظاً. وكشفت جولة الصحيفة في أسواق السلع الاستهلاكية بولاية الخرطوم عن ارتفاع كبير في الأسعار مع ركود عام في حركة البيع والشراء. وشهدت أسعار السكر ارتفاعاً حيث وصل جوال السكر المستورد زنة 50 كيلو 1800 جنيه، بدلاً عن 1570 جنيهاً، أما زنة 10 كيلو 375 جنيهاً بدلاً عن 330 جنيهاً، أما زنة 5 كيلو بـ 190 جنيهاً بدلاً عن 170 جنيهاً بواقع 39 جنيهاً للكيلو، لافتاً إلى ارتفاع أسعار الزيوت، حيث ارتفع سعر جركانة زيت الفول زنة 36 رطلاً إلى 1500 جنيه، بدلاً عن 1200 جنيه الشهر الماضي.
أما نفس العبوة من زهرة الشمس، فقد وصلت إلى 1500 جنيه بدلاً عن 1250 جنيه، أما الـ 36 رطلاً 1050 جنيهاً، اما كرتونة زيت صباح مقاس 12 لتراً زنة 1 لتر بـ 1570 جنيهاً بدلاً 1050 جنيهاً، أما كرتونة لبن البدرة من شركة الوادي زنة 200 جرام وصلت إلى 840 جنيهاً بدلاً عن 700 جنيه، أما 300 جرام 1670 جنيهاً بدلاً عن 1450 جنيهاً، أما زنة 2 وربع 1670 جنيهاُ بدلاً عن 1450 جنيهاً.
أما البكت من دقيق سيقا وصل إلى 420 جنيهاً بواقع 42 جنيهاً للبكت بدلاً عن 400 جنيه، أما كرتونة المكرونة وصلت إلى 425 جنيهاً بدلاً عن 400 جنيه والشعيرية بـ 425 جنيهاً. ومن المتوقع أن تتواصل أسعار السلع مع وجود ضعف في الخدمات المقدمة.
وضع غير مطمئن
فيما يرى رئيس اللجنة الاقتصادية لحماية المستهلك والخبير الاقتصادي د-. حسين جبريل، أنه من الجيد أن يسعى المجلس العسكري لتوفير السلع الاستهلاكية مع خفض وتثبيت الأسعار، مضيفاً أن واقع الحال يقول غير ذلك، خاصة وأن الاقتصاد السوداني يسير بتباطؤ ملحوظ نتيجة الأحداث الأخيرة مما ساهم في التاثير سلباً على عمل البنوك، بجانب خفض الإنتاج الزراعي نتيجة لشح وانعدام الوقود خاصة وأنها تعتبر من الالتزامات المستقبلية.
وقال خلال حديثه لـ(الصيحة): لابد أن تتجه الدولة لتوفير المطلوبات المستقبلية دون الاعتماد على الغير وفي مقدمتها الأمن باعتباره أساس التنمية، مما يساهم في إيجاد أرضية صالحة وبيئة استثمارية جاذبة للاستثمار، مع ضرورة دراسة مشاكل المستثمرين ومعالجتها، وأكد أن الواقع الحالي يقول إن الوضع الاقتصادي غير مطمئن داعياً لتشكيل حكومة قومية ثم ولائية للقيام بدورها، وأضاف: (البلد الآن تأكل من سنامها) لعدم توفر الخدمات، ولفت لضرورة معالجة الوضع، خاصة وأن ذلك سيؤدي إلى تراكم المشاكل، وسيكون الوضع أكثر تعقيداً، وعندها ستكون المشكلة أكبر، وأضاف: نهيب بالحكومة أن تراعي مصلحة المواطن أولاً وأخيرًا في ظل عدم وجود إدارة تنسيقية تقوم بعملية التخطيط والتنفيذ، خاصة والبلاد مقبلة على موسم زراعي.
ضعف النشاط الاقتصادي
وأكد جبريل أن الأسعار لفترة غير قصيرة شهدت ارتفاعاً ملحوظاً، وذلك لأن حركة الصادر والوارد ضعيفة، وبالتالي أصبحت البلاد تستهلك السلع التي في طريقها للسودان والموجودة داخل المخازن، مما أدى إلى خلق أزمة اقتصادية نتيجة لخفض العرض من التجار، ما لعب دوراً في زيادة الأسعار، وخلق أزمات في العديد من السلع، في ظل غياب الرقابة الحكومية، أعقبه إحجام المواطنين عن الشراء وانفلات السوق بشكل عام، مع ضعف في النشاط الاقتصادي، وهذا يتطلب أن تسرع الحكومة في تطبيق بعض السياسات لحماية المستهلك على رأسها تنظيم الأسواق وتطبيق قانون حماية المستهلك القومي ليشمل كل ولايات السودان والعاصمة القومية مع قيام حملة إعلامية مكثفة لتبصير المواطنين مع ضرورة محاربة المحتكرين والسماسرة والتلاعب بالأوزان والأسعار، ونوه لضرورة دعم الجمعية السودانية لحماية المستهلك لدورها الكبير في ذلك.
وأشار إلى أن مشكلة معالجة الغلاء تتمثل في دعوة المواطنين لاتباع سياسة الغالي متروك باعتبارها سياسة اقتصادية فعالة لإجبار التجار الجشعين على توفير السلع المقبولة بأسعار معقولة.
تدهور الخدمات
وأوضح جبريل تأثر الخدمات سلباً وأصبحت هنالك مشكلة في إمدادها وتوصيلها للمستهلك، بالرغم من دفع قيمتها مقدماً ومازال المواطن يعاني من نقص الإمداد المائي والكهربائي، بالرغم من اهميتهما مما كان لهما الأثر على أعمال المواطنين، مشيراً لعدم وجود معالجة لتلك المشكلة في القريب، والعودة لعهدها السابق والاستمرار بالقدر المطلوب، ولفت لتأثر الكثير من الأنشطة المنزلية والاقتصادية والصحية، نتيجة لعدم توفر تلك الخدمات خاصة وأنها مسؤولية المحليات والتي تقوم عليها الآن قيادات تنفيذية يتوقع معها تدهور الخدمات بشكل عام.
وقال إن تلك الخدمات ضرورية، لابد من توفيرها لكل اسرة في أقرب وقت ممكن حتى لا يتضرر المواطن والاقتصاد بصورة عامة.
وضع خاص
أما في مجال الصحة والتعليم، فقال إن الفترة الماضية تأثرت فيها المستشفيات العامة والخاصة، وعانى المواطنون كثيراً خاصة وأن الأدوية شهدت نقصاً حاداً لفترة من الزمن.
أما بالنسبة للتعليم، فقال: من المعلوم أن المدارس توقفت منذ بداية التحولات السياسية في البلاد، مما يؤثر في التقويم التعليمي يتطلب الأمر وضعاً خاصاً بوضع الأمور في نصابها.
خطوة في الاتجاه الصحيح
فيما قال الخبير الاقتصادي، بروفيسور عثمان سوار الدهب، إن توفير السلع والخدمات للمواطنين يعتبر ضرورة، رغم شح الإمكانيات، وعلى الرغم من ذلك، أن المشكلة ما زالت قائمة منذ أربعة أشهر، حيث شهدت أزمات في الخبز والوقود، وقال إن خطوة المجلس لتوفير السلع خلال المرحلة القادمة خطوة في الاتجاه الصحيح عبر توفير العملات الصعبة من خلال عائدات الصادر وتحويلات المغتربين باعتبارهم الضامن لتوفير السيولة ومعالجة مشكلتها.
وقال إن المرحلة السابقة، شهدت تحركاً ضعيفاً في هذا الجانب، ولفت لضرورو توفير موارد حقيقية لمعالجة مشكلة توفير السلع والخدمات، منوهاً لأهمية توفير الرقابة المشددة في ظل وجود تهريب لعائدات الذهب خاصة وأن معناة الناس ستؤثر سلباً على الأمن الاقتصادي، في ظل وجود ضائقة اقتصادية. وأضاف أن المنح والودائع لم يكن لها أثر على معالجة المشكلة، مردفاً أن الأموال التي تساهم في توفير السلع والخدمات لا تتعدى الـ2 مليار دولار. وقال سوار الدهب أن وضع خطة إسعافية تعتبر جيدة، ولكن لابد من وضع خطة على المدى الطويل عبر قيام المشروعات يكون لها إسهام إيجابي للوضع في البلاد، وأشار لضرورة التركيز على الاستقرار السياسي والوصول لتوافق بين كافة الأطراف عبر الحوار، حتى يكون هنالك دعم اقتصادي، ودعا اللجنة الاقتصادية للاهتمام الجاد لإصلاح الاقتصاد، لإحداث تغيير حقيقي، ونوه لخطورة التباطؤ لما له من أثر سالب على استقرار البلاد.
قرارات خاطئة
ويرى عدد من المحللين الاقتصاديين، أن تحقيق نهضة اقتصادية مهمة ليست بالعسيرة، تحتاج فقط إلى قرارات صحيحة، مشيرين إلى أن السودان لديه من الإمكانات “ما يكفي لقارة كاملة، “وكل المشكلات التي عانى منها الاقتصاد السوداني طوال الفترة السابقة ناجمة عن قرارات خاطئة، مؤكدين أن معالجة الحكومة الجديدة لهذه الاختلالات يعتبر مدخلاً مناسباً لمعالجة مشكلات الاقتصاد السوداني..
الخرطوم: إنصاف أحمد
صحيفة الصيحة