الطاهر ساتي

موسم الهم ..!!


:: حفظ الله صغارنا، فرغم مخاطر الوضع السياسي الراهن، بدأ العام الدراسي ببعض ولايات بلادنا.. وموعد البداية بالخرطوم يوم الأحد القادم.. ولا تأجيل، رغم أن الوصف الدولي والإقليمي لما يحدث في بلادنا حالياً (أزمة سياسية)، وليس (استقرار سياسي).. ولحين انتقال هذا الوضع من (أزمة) إلى (استقرار)، كان يجب تأجيل موعد بداية العام الدراسي بكل ولايات السودان.. فالمغامرة بأرواح الكبار من طبيعة السلطات في بلادنا، ولكن هذه أرواح الصغار، وعليه (بلاش مغامرات)!!

:: ثم عندما يقرع السادة أجراس بداية العام الدراسي بالمدارس، فإنهم يقرعون أيضاً جرس المتاعب والهموم على رؤوس أولياء أمور التلاميذ.. أي كما تعلمون، وعلى عكس الدول التي شعوبها تحتفي بها، فإن بداية العام الدراسي في بلادنا موسم هم وغم للسواد الأعظم من شعب السودان.. وعلى سبيل المثال، منذ الأسبوع الفائت وحتى القادم، وكما يحدث في أسواق الملابس والأحذية في مواسم الأعياد، فالزحام في سوق الكتب المدرسية يعكس بؤس حال المدارس العامة!!

:: وكذلك يعكس الزحام حول الكتب بأن المسماة بمجانية التعليم في بلادنا من (الخزعبلات).. فالتعليم كان مجاناً عندما كان من يقرعون جرس الهموم والمتاعب على رؤوس أولياء أمور التلاميذ (طلاباً).. ومنذ أن تعلموا مجاناً، وتولوا أمر هذا الجرس، لم يعد التعليم في بلادنا مجانا.. فالمجانية محض شعار في وسائل الإعلام.. فالكتاب المدرسي الذي كان يوزع مجاناً لكل التلاميذ لحد الاكتفاء، صار يباع حاليا للآباء والأمهات في السواق كما الأحذية والملابس!!

:: وما لم يشترِ التلميذ كتبه من السوق، فإنه يشترك مع زميله في كتب الحكومة المشتراة من بقايا ميزانية الأمن والدفاع.. نعم، يشترك – في المدارس المحظوظة – كل تلميذين في كتاب، وبمدارس أخرى كل ثلاثة تلاميذ، وربما هناك مدارس بعيدة عن عيون الصحف وقلوب الوزراء بحيث يُحدّق فيها كل الفصل في ( كتاب الأستاذ).. هكذا الحال العام.. ولذلك تخصم الأسر من ميزانية قوتها لتوفر الكتب المدرسية والكراسات والطباشير و..و..و..!!

:: فالحكومة لم تعد تملك في المدرسة غير المعلم.. ومهما زادت التكاليف وتضاعفت عاماً تلو الآخر، فلا يلوح في الأمر نهجاً تربوياً وتعليمياً يرحم حال الفقراء، أي لم تسقط بعد.. والأزمنة الخضراء في ذاكرة من يقرعون جرس المتاعب على رؤوس الآباء والأمهات، حيث كانت هناك هيئة التربية للطباعة والنشر هي التي تطبع كتب المدارس.. ولذلك كانت الكتب المدرسية غزيرة وذات جودة، وكان لكل طالب كتاب غير مدفوع القيمة!!

:: ولكن فجأة، وكما العهد به دائما في الهروب من مسؤولياتها، شعر النظام المخلوع بأن طباعة الكتاب المدرسي ترهق ميزانيته، فقرر أن يرهق كاهل المواطن، وذلك بالتخلص من مطابع الهيئة بالتصفية.. ثم ترك أمر الطباعة للولايات وعطاءات تجارها وسماسرتها، لتقع الأسر فريسة في أنيابهم في مثل هذه الأيام من كل عام!!

 

 

إليكم …. الطاهر ساتي

صحيفة الجريدة