ضياء الدين بلال

( كل شئ وارد)


[JUSTIFY]
( كل شئ وارد)

لو سألني أحدهم نهار أمس، عن مسار التفاوض بين الحكومة وقطاع الشمال، لقلت إنها على وشك الانهيار. المواقف كانت متباعدة، والنفوس عكرة، وسوء الظن المتبادل يفسد حتى الأماني الصغيرة والخواطر العابرة، وكل طرف يشتبه بأقوال ومواقف الآخر .
تطوران مهمان حدثا أمس، أولهما اللقاء المغلق الذي تم بين الوفدين في غياب الوسطاء. البداية كانت ساخنة وخشنة، ولكن سرعان ما هدأت النفوس، وغلب التفكير العقلاني على الانفعالات والمواقف المتشنجة. صحيح لم تتغير المواقف، ولكن تحسنت الأجواء .
أمبيكي جاء صباحاً إلى فندق ريدسون مقر التفاوض، وألقى التحية وغادر. غياب الوسطاء جعل كل طرف يعبر عن مواقفه دون مزايدات تعبيرية. وجود الوسيط يجعل الأطراف تتبارى في محاولة استمالته، لا في إقناع الخصم.
التطور الثاني الذي جاء مترتباً على الأول: اتفاق الطرفيْن على عدم الإدلاء بتصريحات إعلامية. وهذا مؤشر على وجود عزم مشترك على عدم استخدام التصريحات كجزء من تكتيكات العملية التفاوضية .
في الفترات السابقة، كان ياسر عرمان رئيس وفد الحركة، يستخدم أسلوبيْن لإضعاف الموقف الحكومي: الأول إصدار البيانات المفخخة، وإطلاق التصريحات الصحفية المثيرة للغبار والأتربة وذات النزوع الاستفزازي، بغرض التأثير على الأجندة واستدراج الطرف الحكومي لاتخاذ مواقف انفعالية، تضطره للخروج من أجواء التفاوض.
لم يعد هذا التكتيك مجدياً. في هذه المرة بروف غندور امتلك عنصر المبادرة الإعلامية، وتعامل ببرود مع ما كان يستفز الآخرين. الاتفاق على إخراج المؤثرات الإعلامية، سيجعل الطرفين يركزان على مواضيع الحوار، لا على الظلال المتحركة.
ما حدث تطور إيجابي قابل للاهتزاز، ولكن مما لا شك فيه أن الطرفين حريصان على عدم إفشال هذه الجولة، خاصة أن أمبيكي أعلن بوضوح أنها ستكون الأخيرة. إلى لحظة كتابة هذا العمود لم يلوّح أي طرف بكرت مغادرة طاولة التفاوض.
جلسنا وصديقي عادل الباز لفترة طويلة مع غندور وعرمان كل واحد منهما على حدة، وكان من الواضح بالنسبة لي أن المساحة الفاصلة بين مواقف الرجليْن ليست بعيدة، لدرجة تفضي إلى اليأس. كل موقف قابل لإجراء تعديلات عليه تجعله مقبولاً للآخر .
أكبر نقطة خلاف حول إيقاف إطلاق النار، هل سيكون شاملاً أم إنسانياً؟ من الممكن الوصول فيها لتوافق يحمل صفة الإنساني وجوهر الشامل: السماح للإغاثة وفق شروط تتضمن تقييد التحركات العدائية، وعلى إثر ذلك يتم الحديث على الجانب السياسي، وبإنجازه يتطور إيقاف إطلاق النار إلى شامل، وفق ترتيبات أمنية صارمة.
أما في موضوع إدخال القضايا ذات الطبيعة القومية في التفاوض، فمن الممكن الاتفاق على الانتهاء من ملف المنطقتين في مساراته الثلاثة: الأمني والسياسي والإنساني، ثم الانتقال بالاتفاق لمؤتمر الحوار الجامع الذي دعا له الرئيس عمر البشير، مع تحويل دور الاتحاد الإفريقي -المقترح من قبل الحركة الشعبية- من راعٍ إلى مراقب.
حينما سأل أحدهم عرمان عن مسار المفاوضات، قال إن المواقف لا تزال متباعدة، وختم حديثه بقوله تعالى: (لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) سورة يوسف، آية (87).
الأمر لا يدعو للتفاؤل ولا للتشاؤم، ولكن بصيصاً من الأمل يضيء الطريق.
[/JUSTIFY]

العين الثالثة – ضياء الدين بلال
صحيفة السوداني