زهير السراج

كواليس العسكري والوساطة ؟!

* تشير الدلائل الى نشوء علاقة (ما) بين المجلس العسكري ولجنة الوساطة المشتركة، شبيهة بالتي كانت قائمة بين النظام البائد والوسيط الأفريقي (ثابو مبيكى) الذى كان يتولى مهمة تسهيل الحوار بين الحكومة السودانية وبعض فصائل المعارضة بتكليف من الاتحاد الأفريقي، ولطالما اشتكت المعارضة من انحيازه الى جانب الحكومة ومثابرته على فرض أفكار الحكومة عليها، وألمح البعض الى نشوء علاقة (ما) بينه وبين الحكومة السودانية، كما طالته انتقادات حادة من دول الترويكا (امريكا، بريطانيا، النرويج) المعنية بالملف السوداني، لبطء تحركاته !!

* ثابو مبيكى الذى كان ثاني رئيس لجنوب أفريقيا (بعد نيلسون مانديلا) عقب سقوط النظام العنصري، ظل طيلة عشرة سنوات كاملة يقود عمليات الوساطة في الشأن السوداني، منذ فبراير 2009 وحتى اليوم، ولم ينجح في أية مهمة كُلف بها، ابتداءً بأزمة دارفور، مرورا بقضية ترسيم الحدود والنزاع على منطقة أبيي التي احتوت عليها اتفاقية السلام الشامل لعام (2005 ) بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان، بالإضافة الى الصراع في منطقتَي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وانتهاءً بتسهيل الحوار بين المعارضة والحكومة حتى سقوط النظام في ابريل 2019، الأمر الذى جعل الاتحاد الأفريقي يفكر بصوت مسموع منذ العام الماضي في إمكانية تغييره بشخص آخر، إلا أن الفكرة لم تتطور الى واقع !!

* قبل يوم واحد من استئناف التفاوض بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري في أمسية الأربعاء (الثالث من يوليو، 2019)، عقدت لجنة الوساطة المشتركة مؤتمراً صحفياً أعلنت فيه عن دعوة الطرفين لاستئناف التفاوض في ظرف 24 ساعة، استنادا على مذكرة (مؤرخة 27 يونيو، 2019 ) حوت على الاتفاق السابق بين الطرفين، مع تأجيل تكوين المجلس التشريعي الى وقت يتفق عليه الطرفان خلال المفاوضات، وكانت تلك هي المرة الأولى التي تظهر فيها فكرة تأجيل قيام المجلس التشريعي، كما شاب الجانب المتعلق بسلطاته التشريعية شيء من الغموض أو (التعميم المربك) !!

* المعروف أن بعض الاجتماعات التحضيرية السرية (في برلين والخرطوم) شاركت فيها قوى إقليمية ودولية بالإضافة الى طرفي التفاوض، سبقت كتابة وتسليم المذكرة الى الطرفين، ولكن أول ما يطرأ في ذهن قارئها أنها منحازة بشكل أو بآخر الى المجلس العسكري، من خلال بعض النقاط التي حملتها مثل تأجيل تكوين المجلس التشريعي الذى يثير مخاوف المجلس العسكري بإمكانية لجوئه الى سن تشريعات تمس قوانين ومؤسسات ومعاهدات لا يرغب المجلس في تغير اوضاعها خلال الفترة الانتقالية.. ولعلكم لاحظتم السرعة الكبيرة التي وافق بها المجلس العسكري على المذكرة، وقبوله الدعوة للتفاوض فور الاعلان عنها، بينما رحبت قوى الحرية والتغيير بالعودة للتفاوض ولكن بشروط من بينها لجنة التحقيق المستقلة في جريمة فض الاعتصام تحت إشراف المفوضية الأفريقية، وعدم المساس بجوهر الاتفاق السابق بينها وبين المجلس العسكري ..إلخ !!

* اجتمع الطرفان في الموعد المحدد وتوصلا بعد عدة جلسات الى اتفاق أُحيل الى لجنة مشتركة للصياغة القانونية، وبعد ثلاثة أيام خرج الوسيط الأفريقي ليعلن عن اكتمال الصياغة وان الاتفاق جاهز للتوقيع ولكن بعد الاتفاق على الوثيقة الدستورية، وفجأة سمع الناس عن دمج الاتفاق مع الوثيقة الدستورية مع إضافة او تعديل بعض النقاط ــ مثل الحصانة القانونية ــ ليس من حق لجنة الصياغة أن تضيفها أو تجرى تعديلا عليها، الأمر الذى اعترضت عليه قوى الحرية والتغيير وأعادنا الى المربع الأول !!

* السؤال الذى يطرح نفسه .. ماذا جرى خلال الفترة ما بين التوصل الى الاتفاق وبين صياغته ودمجه مع الوثيقة الدستورية، أو بعبارة أكثر وضوحا: (ماذا جرى بين المجلس العسكري ولجنة الوساطة المشتركة)؟!

مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة