مواكب العدالة بساحة الحُرية…. استعادة المنصة

قبيل أن تُشير عقارب الساعة لتمام الواحدة – بتوقيت الثورة – تحركت بعض المُواكب صوب ساحة الحُرية – الساحة الخضراء سابقاً – .
طُلاب جامعة النيلين، أطلقوا صافرة البداية، كأول مواكب ختام اسبوع “العدالة أولاً” الذي نادت له قوى الحرية والتغيير.
ساحة الحرية
قبل أنّ تصل أُولى المواكب، إلى ساحة الحُرية، شُوهدت القوات الأمنية، والتي أتخذت من ذات المكان “ثُكنة عسكرية” لأسابيع عديدة تخلي المكان .
(تاتشرات) اصطفت خارج الساحة، والتي ظلت تستقبل لسنوات عديدة حُشود النظام البائد، الثُوار ظلوا يُرددون إنهم اليوم سيقتحمون أكبر أوكار ” الكيزان”، وسيرقصون فرحاً في ذات المكان الذي “رقص” عليه البشير لسنوات عديدة غير أبهاً بآللآم الشعب وجراحه .
بمبان وتفريغ للمتظاهرين
تعرضت المواكب التي التحمت في موقف جاكسون والسوق العربي لمُحاولة تفريغ مفاجئة مِن قبل القوات الأمنية والتي كانت مُنتشرة بأعداد كبيرة – وقال خالد فتحي فيّ حديثه مع (الجريدة) إن اطلاق الغاز المسيل للدموع تم بطريقة عشوائية وبكثافة، لافتاً إلى أنه لم يكن يتوقع أن تُواجه المُواكب بأيّ وسيلة قمع سيما بعد ما تم من اتفاق بالأمس، كما أنّ المواكب السلمية بغرض تأبين الشهداء، وهذا معلوم للجميع .
من جانبه أصدر تجمع المهنيين بيان فوري يُدين فيه ماحدث، مُحملاً المجلس العسكري مسؤولية سلامة الثوار، ومُوجهاً نداء لجميع الثوار بتسيير المواكب والتوجه إلى ساحة الحرية، مؤكدا أن التظاهر وتسيير المواكب حق مشروع .
موكب الحاج يوسف
من أمام صينية مستشفى شرق النيل، كانت نُقطة التقاء مواكب الحاج يوسف، المُتجهة عبوراً لكبري المنشية، لتلتحم بثوار بري على مقربة من مستشفى (رويال كير) ومن ثمة التوجه لساحة الحرية .
لفت أنتباه الجميع، تسيد النساء والفتيات للموكب، مُشكلين غالبيته العظمى، وجاء رد الطالبة الجامعية نورهان عبدالله لـ(الجريدة) إن هذا الموكب إضافة لأنه خرج للمطالبة بالقصاص لشُهداء الثورة كافة، ولكنه أيضاً وبإسم كافة النساء فيّ السودان، يُطالبن بالقصاص لضحايا مجزرة القيادة العامة، الفتيات اللائي تم الاعتداء عليهن هُناك .
مُضيفة خرجن اليوم لنقول لهن :
ما بنرمي عليك اللوم
و ما بتتلامي في وطنك
طلعتي عشان حقوق أجيال
و كان هم البلد همك
وتعالت أصوات هُتاف (ماتقولي إنتِ براك، كنداكة نحن معاك)
طلاب المدارس
شكل طُلاب المدارس الثانوية حضورا قويا، بالرغم من محاولة العديدين زجرهم ومُطالبات الأمهات المُتواجدات بضرورة عودتهم لمنازلهم (يا أولاد إنتو بكرة ماعندكم مدرسة)؟ فجاءها الجواب سريعاً (بكرة الجمعة يا أمي).
أرفع يدك فوق والتفتيش بالذوق
في كافة المداخل المُؤدية لقلب الساحة، اصطف شباب تعلو وجوههم الابتسامة وإشارات فرح بدأت وكأنها نتاج استرجاع ذكرى غائبة -أيام القيادة-، عملية التفتيش التيّ تطوع للقيام بها بعض الثُوار، كان التعليل لها بأنها مُحاولة لحفظ الأمن، سيما وأن الأعداد المُتوافدة غفيرة .
(أرفع يدك فووووق والتفتيش بالذوق) خاطبهم رجل طاعن فيّ السن ” قائلاً: (يا سلام رجعتونا للأيام الحلوة) .
لحظات تاريخية
الأصوات الرافضة لخروج المواكب في هذا اليوم كانت عالية، تخوفات من أنّ تسفك دماء جديدة، تعرقل سير ما يدور في قاعات المفاوضات، العم عباس جادين، لم ينكر فيّ حديثه معنا رفضه القاطع لها، بيد أنّه الآن يشعر بما أسماها نشوة الانتصار، سألته لماذا؟ فأجاب أنظري لأعلى المنصة وأشار بيده، هُناك كانت صور ” البشير ” تُغطي كافة الاتجاهات، شاهدتُ الثوار يمزقونها قبل قليل، وأضاف (الثورة دي لو ما عملت حاجة غير حق الليلة ده راضي عنها) .
سلام للوطن
المتراصين على الأرض تعباً، نهضوا جميعاً ، لتأدية “السلام الوطني”، رفرفت الأعلام عالياً، وتعالت الأصوات بعدها ( مدنياووو ) …
الشعب يُريد قصاص الشهيد
طوال ساعات النهار لم ينخفض صوت الهُتاف، كُلما يسكت صوت ينهض آخر ليحل مكانه، صور الشُهداء في كل الاتجاهات، تحملها الأيدي والقلوب، أصدقاء الشهيد (محجوب) يجلسون على مقربة من أُسرة الشهيد (عبد السلام كشة)، وعلى مبعدة منهم صغيرة تحمل صورة شهيد المتاريس (محمد عيسى)، والهُتاف ذاته (ماراجع أنا راكب راس، ماراجع أنا ليّ قصاص) .
العدالة أولاً
آيات من القران الكريم تلاها الباشمهندس رماح عزالدين، استهلت بها برامج التأبين، ليتلوا بعده راعي الكنسية الإنجيلية بالخرطوم بحري كلمات من الإنجيل)، امتناناً لوقوفهم مع الثورة، ولأن الشعب السوداني شعب موحد لا مجال فيه للاختلاف . ليصدح الجميع بعدها بالنشيد الوطني.
اسماعيل التاج، القيادي بقوى الحرية والتغيير أكد إنه مالم تتحقق العدالة فإن الثورة قد اخفقت فيّ تنفيذ أهدافها، ونحن حريصين على أن نوليها اهتمامنا .
وشدد “التاج” على ضرورة تطهير المؤسسات العدلية والقضائية وكنس كافة رموز النظام البائد.
مُشيراً إلى أنه لن يفلت أيّ مجرم من العقاب، ولن تكون هُناك أيّ حصانة لأيّ شخص، الحصانة المُطلقة ممنوعة تماماً، وأضاف “لن يتمتع أيّ عضو بأيّ نوع من الحصانة المطلقة” . نُريد بناء دولة المؤسسات والقانون يتساوى فيها الجميع .
لافتاً إلى أن الوثيقة الدستورية مالم تذكر بأن الحصانة ستكون اجرائية، سنخرج مجدداً للشوارع .
من جانبها قالت عضو قوى الحرية والتغيير ميرفت حمد النيل، إنّ الضجة التيّ شهدها الشارع السُوداني فيما يتعلق بقضية الحصانة دليل واضح بأن الشعب السوداني لن يُفرط فيّ دماء أبنائه، وأن حق الشهداء لا تفريط فيه .
مضيفة أن استعادة الساحة الخضراء وتحريرها أولى الخطى نحو الحرية الكاملة .
امتنان وشكر
بجانب العلم السوداني، رأيت علمي (اثيوبيا، والجزائر ) كانا خافقين، شكرا وامتنانا لشعوب ظلت وعلى مدى مسيرة الثورة السودانية تشد من أزرها، فاطمة محمد، كانت تحمل علم ” الجزئر ” قالت في حديثها مع ( الجريدة ): أنه وبعد يومين من فض الاعتصام، والشعب فيّ حالة حِداد شاهدت مسيرة لبعض الجزائريين بثتها قناة الجزيرة وهُم يرددون (سُوداني الله يعينه) – وأضافت سألت صديقة لي ماذا يقصدون ؟!، فأخبرتني إنها عبارة مواساة وتعاطف تُقال عندهم في الأمر الجلل .
تقول “فاطمة ” لن أنسا وقفتهم معنا فيّ تلك الفاجعة، شعب يستحق الإحترام والشكر .
مشاهدات : سلمى عبدالعزيز
صحيفة الجريدة