بعد أن أعلن الجيش عنه انقلاب الكبار .. أربع محاولات انقلابية
أعلن رئيس الأركان المشتركة المكلف محمد عثمان الحسين قبل الثامنة مساء أمس عن إحباط محاولة انقلاب اعتقل فيها ضباط كبار أبرزهم رئيس الأركان المشتركة هاشم عبد المطلب وعدد من ضباط القوات المسلحة وجهاز الأمن والمخابرات الوطني برتب رفيعة بجانب قيادات من الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني البائد وتم التحفظ عليهم ويجري التحقيق معهم لمحاكمتهم. محاولة الأربعاء تحمل الرقم أربعة منذ عزل عمر البشير في شهر أبريل الماضي. ووفقا لتسريبات إعلامية سبقت الإعلان الرسمي بساعات.
بيان القوات المسلحة أشار إلى أن هدف المحاولة الانقلابية “هو إجهاض الثورة وعودة نظام المؤتمر الوطني البائد للحكم وقطع الطريق أمام الحل السياسي المرتقب الذي يرمي إلى تأسيس الدولة المدنية التي يحلم بها الشعب السوداني”.
انقلاب غير
تفاصيل المحاولة الانقلابية هذه المرة باتت مختلفة لعدة اعتبارات، أولها أنها ضمت ضباطا كبارا في الخدمة بجانب تسمية قيادات بارزة في النظام السابق متورطة في المحاولة. وبحسب التسريبات الصحفية، تم اعتقال قائد الأركان الفريق أول هاشم عبد المطلب، والفريق آدم هارون رئيس هيئة العمليات المشتركة، واللواء بحر أحمد بحر مدير إدارة التدريب، وكان نائباً لمدير الاستخبارات، وكذلك اللواء محيي الدين أحمد الهادي قائد المنطقة المركزية، اللواء عبد العظيم علي الأمين قائد الدفاع الشعبي، اللواء نصر الدين قائد المدرعات، اللواء محمد حسان قائد قوة المهام الخاصة، العميد الطالب يوسف قائد القوات الخاصة، العميد عبد الباقي بكراوي قائد ثاني مدرعات. أما على المستوى السياسي، فتم اعتقال علي كرتي وكمال عبد اللطيف والزبير أحمد الحسن وآخرين. وأشارت المصادر إلى أنه تم اعتقال المذكورين بتهمة محاولة انقلاب على المجلس العسكري، وأن عملية الاعتقال جرت في وقت متأخر من مساء أمس الأول.
الخبير العسكري عبد الرحمن أرباب أكد في حديثه لـ(السوداني) أن الإسلاميين لن يستسلموا وأرادوا الحكم مرة أخرى عبر الانقلاب العسكري كما فعلوا في 1989م، واصفا الأمر بالفوضى والبلبلة لصرف الناس عن ترتيب الفترة الانتقالية التي تحقق مطالب ثورة ديسمبر المجيدة.
أرباب قال إن الانقلاب حقيقي وليس (كذبة)، مستدلا بذكر رموز الإسلاميين أمثال الزبير أحمد الحسن وعلي كرتي، وأضاف: لجأوا للمحاولة الانقلابية لاعتقادهم بأنهم يملكون حلا للمشاكل التي تمر بها البلاد أو تولد لديهم إحساسا بالظلم وأرادوا أن يصلوا للحكم بهذه الطريقة السريعة رغم أنها مرفوضة بالعالم، وقال: “يوجد أسلوبان في التعامل مع المحاولة الانقلابية، وهي إما انتظار تنفيذ المحاولة وقد تنجح في استلام السلطة، كما هو الحال في انقلاب هاشم العطا، أو أن يتم إلقاء القبض على المدبرين للعملية”، لافتا إلى أن الأسلوب الثاني لا يصدقه المواطن بل يصبح مناسبة للاستهتار والسخرية.
أما الصحفي والمحلل ماهر أبو الجوخ فيقول إنه من الجيد أن المجلس العسكري اقتنع بأن عناصر النظام البائد مصرة على الانقلاب فقام باعتقال بعض قادة الجناح العسكري من المدنيين، لكن عليهم استكمال الأمر حتى نهاياته باستكمال اعتقال بقية المجموعة التي تدير العمل العسكري الخاص الموجودة مطلقة السراح حتى الآن من بعض الدستوريين والحزبيين السابقين واستكمال تفكيك كل أركان تلك الشبكة وعناصر إسنادها الإعلامي والمالي، التي عاودت للظهور مجددا، مضيفا: “دون ذلك فإن محاولات انقلابية أخرى قادمة في الطريق، وإن قدر لها أن تنجح ولكنها ستفشل، لأن الشعب السوداني لن يقبل على الإطلاق أن يُحكَم بالقوة مرة أخرى”.
أبو الجوخ يشير إلى أن 13 مايو (8 رمضان) شهد محاولة انقلابية غير معلنة، بالاشتباك الذي حدث بشارع النيل ومهاجمة المتظاهرين، ويشير إلى أن القادة العسكريين الذين ظهروا فجر ذلك اليوم كانوا هم قادة الانقلاب الفاشل ممن تم اعتقالهم أمس.
ويقول أبوالجوخ إن عبارات الفريق أول هاشم عبد المطلب واللواء بحر في ذلك المؤتمر ونتائج التحريات الأمنية التي أعادت إنتاج سيناريوهات جهاز الأمن ومحاولة اقتحام كوبر لإطلاق سراح البشير ومن معه، مضيفا: “كان كل شيء يشير إلى أن قادة الانقلاب طلقاء يعيثون في البلاد الخراب، وامضوا لأبعد من هذا وأكملوا اللوحة لتعرفوا ماذا حدث وكيف كانت في الثالث من يونيو جريمة فض الاعتصام. حيث كان قادة الانقلاب موجودون (هنا) أما قلوبهم وعقولهم فكانت (هناك) مع قادة حزبهم فولائهم للحزب أكبر من الوطن”.
وبحسب بعض التحليلات، فإنه وعلى الرغم من التماسك الظاهري داخل الجيش السوداني، إلا أن فرضية حدوث انقلاب عسكري أمر قائم عند الكثيرين، خصوصاً مع توالي الاضطرابات السياسية في البلاد. ويعزز تلك الفرضية وجود مؤشرات لها، منها إعلان المجلس العسكري عن إحباط عدة محاولات واعتقال ضباط ومدنيين.
كما يرى بعض المراقبين أن الانتشار الأمني الكثيف لقوات الدعم السريع، حتى داخل وحدات تابعة للجيش، قد يثير تذمراً وسط عناصر الجيش على مستويات القيادة والقاعدة، إضافة إلى أن بعض الضباط قد يسعون للعب دور سياسي. عامل آخر يعزز فرضية الانقلاب العسكري، يتعلق بمضمون الاتفاقيات التي يمكن التوصل إليها مع الحركات المتمردة، لا سيما إذا جاء فيها أي مساس بوضع الجيش.
استبعاد الانقلاب
في المقابل، يستبعد مراقبون آخرون حدوث انقلاب عسكري في البلاد لسببين، أولهما المزاج الشعبي الثوري الذي بات رافضاً تماماً لوجود العسكر في المشهد السياسي، والثاني الموقف الدولي وقبله موقف الاتحاد الإفريقي طبقاً لميثاقه الحالي الرافض لمبدأ الانقلابات، والذي بسببه جمّد عضوية السودان قبل أسابيع، بعد أن اعتبر وجود المجلس العسكري في حد ذاته انقلاباً وليس انحيازاً للشعب.
الكاتب الصحفي عبد الماجد عبد الحميد ذهب في حديثه لـ(السوداني) إلى أن الإسلاميين لا يمكن أن يقوموا بمحاولة انقلابية في الوقت الراهن، لأن الظروف ليست في صالحهم، وقال: “الإسلاميون بريئون من هذا الانقلاب، وليست لديهم الرغبة أو التنظير في هذا الأمر”.
عبد الحميد أكد أن الإسلاميين أذكى من أن يقوموا بمحاولة انقلابية، وقال: “هذا تقدير خاطئ لا يمكن أن يقوم الإسلاميون بهذا الأمر لأنه مرفوض في العالم”، قاطعا بأن ليس لديهم يد في التغيير الذي حدث بالبلاد.
في السياق، أكد الكاتب الصحفي أسامة عبد الماجد لـ(السوداني) أن الأحوال والظروف الآن غير مواتية لتنفيذ أي محاولة انقلابية، مشيرا إلى أن القوات النظامية بجميع مسمياتها في حالة استعداد منذ سقوط النظام البائد بالتالي محاولة المناورة والانقلاب على المجلس العسكري تبدو عصية إن لم تكن مستحيلة لأسباب كثيرة، وأضاف: قوات الدعم السريع موجودة بأعداد كبيرة بالقيادة العامة، وتُحكم السيطرة والتأمين على مباني الإذاعة والتلفزيون، كما أن المجلس العسكري مسيطر على سلاح المدرعات بالتالي تكون إذاعة بيان الانقلاب أمرا صعبا.
عبد الماجد قال إن ورود اسم الأمين العام للحركة الإسلامية والوزير الأسبق علي كرتي فيه إشارة إلى إمكانية أن تكون هناك محاولة بثورة تفكير أو تخلُّق لم تصل إلى درجة إحكام التنسيق ومن ثم التنفيذ وذلك لأن الزبير وكرتي من الشخصيات المقربة للدوائر العسكرية والأمنية.
انسجام القوات
تبدو العلاقة بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع حتى الآن في توافق نسبي، خصوصاً على المستوى القيادي، وذلك على الرغم من التمدّد الرأسي والأفقي لقوات الدعم السريع، التي يقودها نائب رئيس المجلس العسكري، الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي).
لكن التحذيرات من توترات قد تحدث بين الطرفين تكررت من أكثر من جهة، مثل رئيس حزب “الأمة” القومي، الصادق المهدي، الذي طالب قبل أيام بتجنّب التوترات بين الدعم السريع والجيش بأي ثمن، محذراً من حسمها عبر القتال، وهو ما سيكون في غاية السوء للسودان، وفق ما جاء على لسان المهدي. وقد راجت خلال الأيام الماضية تسريبات غير مؤكدة عن مواجهة لفظية بين قائد سلاح المدرعات ونائب رئيس المجلس العسكري قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو.
الخبير الأمني حنفي عبد الله يقول إن من يفكر بالقيام بانقلاب في مثل هذه الأوضاع فهو مغامر حيث تكون أجهزة الاستخبارات في أهبة الاستعداد. ويلفت عبد الله إلى أن خطورة المحاولة الأخيرة التي أُعلن عنها تنطوي على قدر كبير من الخطورة لأنها تضمنت قيادات عسكرية كبيرة مثل رئيس الأركان وقائد الأركان والمدرعات والدفاع الشعبي بجانب قيادات سياسية إسلامية مثل كرتي والزبير أحمد الحسن.
ويقول الخبير الأمني إن من خطط للانقلاب سعى لاستغلال الأزمة السياسية والاقتصادية ومحاولة استثمار حالة السخط الشعبي وتململ رتب وسيطة في الجيش كما حدث في لقاء حميدتي وقائد المدرعات. ويلفت عبد الله أن التداعيات الأخيرة ستزيد من التوتر الأمني والتحديات الأمنية والعسكرية في البلاد لن تكون نهاية المطاف في حال الفراغ الدستوري والصراع السياسي.
السودان.. انقلابات متكررة
في الرابع عشر من يونيو الماضي أعلن المجلس العسكري عن إحباطه محاولة انقلابية والتحفظ على المجموعات التي خططت لذلك؛ مُنذ ذلك الوقت والتصريحات تتوالى عن المحاولات الانقلابية حتى وصلت إلى أربع. أصابع الاتهام حتى اللحظة لم تستقر على أسماء بعينها، بل ظلت رهينةً لنتائج لجان التحقيق التي لم تظهر حتى الآن، ورغم الحديث عن يقظة القوات الأمنية وسيطرة المجلس العسكري عليها لكن المخاوف ما تزال متجددة خشية أن تؤتي إحدى هذه المحاولات ثمارها وتُسجل في التاريخ كانقلاب آخر ضد التغيير ومحاولة تحقيق الديمقراطية في السودان.
رئيس المجلس العسكري الانتقالي عبد الفتاح البرهان قال إن هناك مجموعات تُخطط للاستيلاء على الحكم وقلب الطاولة على العسكري وقوى الحرية والتغيير، موضحًا أن انتماءاتها مختلفة وأن هدفها هو السيطرة على البلاد والتخطيط لذلك يجري الآن.
رئيس أركان القوات المسلحة هاشم عبد المطلب، قال سابقًا في بيانٍ عن إفشال مخطط انقلاب عسكري في مهده قبل تحوله إلى محاولة انقلابية، مضيفا: “بمراجعة تاريخ الانقلابات العسكرية في السودان كان وراءها قوى سياسية حاولت جر القوات المسلحة إلى معسكراتها، سواء كان ذلك محسوباً لليسار أو اليمين”.
وقال المجلس العسكري إنه تم إحباط مخططين للانقلاب عليه، تم على أثرها التحفظ على مجموعتين إحداهما توالي نظام الرئيس المعزول عمر البشير، بينما تنتمي الثانية لقوى معارضة. الأولى تتكون من خمسة أشخاص (إسلاميين) والأخرى تضم 18 (محسوبين على قوى الحرية والتغيير). بحسب تصريحات المجلس العسكري، وتم وضعهم قيد الإيقاف وإخضاعهم للتحقيق، وفيما لم تظهر تصريحات رسمية عن مصير التحقيقات إلا أن تسريبات أشارت إلى الإفراج عن عدد منهم.
المتحدث باسم المجلس شمس الدين الكباشي قال إن المناخ السياسي وحالة “الوهن الأمني” التي تعيشها البلاد حفزت كثيرا من السياسيين والعسكريين لتنفيذ مخطط انقلابي على المجلس العسكري.
بدوره قال رئيس أركان القوات المسلحة هاشم عبد المطلب، إنه تم إحباط مخطط للانقلاب على المجلس والتحفظ على قادته. وأضاف: “التحرك لم يصل مرحلة المحاولة الانقلابية، وتم إحباطه في مهده”، وتابع: “هناك إجراءات قانونية وفق النظم واللوائح العسكرية والتحقيقات جارية حوله”.
وأكد أنه “في ظل التعقيدات الداخلية في المشهد السياسي وانعكاساته الإقليمية والدولية، تجعل حدوث مثل هذه المحاولات أمرا متوقعا نتحسب له، ولا يعدو كونه مغامرات معزولة”.
وقال رئيس الأركان إن “عهد الانقلابات العسكرية ولى، وما حدث مؤخرا حول ذلك هو تحرك لم يرتقِ أو يصل إلى كونه محاولة انقلابية، والمجموعة التي تم التحفظ عليها محدودة جدا وليس كما ورد في الإعلام”. وتابع: “هناك حالة استقطاب حادة تحاول أن تتجاذب هذه المؤسسة لتوظيفها في خدمة أجندة معينة، ولن تستطيع، وكذلك تعرضت القوات المسلحة لحرب إعلامية موجهة حاولت أن تفت من عضدها، وكذلك لم تحقق أهدافها”.
أما في الـ12 من يونيو أعلن المجلس العسكري عن وقوع محاولة جديدة وأنهُ تم اعتقال 12 ضابطاً وأربعة جنود خططوا لمحاولة انقلاب، وسيتم تقديمهم إلى المحاكمة العادلة.
ويفترض بعض المراقبين أن المحاولات الانقلابية الفاشلة هي حالة مفترضة، الغرض منها بعث رسالة من العسكر إلى القوى المدنية تقول لا تتمادوا كثيرا، وإلا يقف العسكر لكم بالمرصاد. هذه الفرضية تأتي بعد عودة الحياة إلى الشبكة العنكبوتية في السودان، حيث ظهرت عشرات الفيديوهات التي تكشف بشاعة فض الاعتصام مطلع يونيو الماضي ومطالبة بتقديم المسؤولين عنها إلى المحاكم. والمسؤولون عن فض الاعتصام يجلسون مع قوى الحرية والتغيير على طاولة المفاوضات لترتيب البيت السوداني الجديد.
بالإضافة إلى ما تقدم، فإن تساؤلات أخرى تفرض نفسها على بساط البحث: منها ما يتعلق بمراكز القوى داخل المؤسسة العسكرية، ومنها ما يتعلق بالصراع الفكري والأيديولوجي داخل الجيش والذي جاء جراء المنافسة الحادة بين المخلوع البشير، وحلفائه السابقين من القوى الإسلامية الذين أطاح بهم خلال فترة العقدين الأخيرين من حكمه.
يستبعد الخبير الألماني في الشؤون السودانية توبياس زيمون في مقال صحفي الاحتمال الأخير في شأن صراع الإسلاميين مع قوى أخرى معارضة لها داخل الجيش. ويعتقد زيمون أن الصراع داخل الجيش السوداني يتركز وبشكل أساسي على السلطة، والسلطة وحدها لا أكثر ولا أقل، حسب تعبيره.
الخرطوم: محمد عبد العزيز-وجدان طلحة
صحيفة السوداني