انقلاب أبو الدقيق
نعلم أن كل شباب اليوم وأطفاله تواقون للحكم المدني عبر هتافهم المحبب (مدنياااااو)، وبالطبع هم ضد (عسكرياااااو) أي حكم العسكر الذي يأتي عبر الانقلابات، وجسدوا هذا الهدف عبر هتاف آخر مؤداه (عسكرية لا لا لا..مدنية واي واي واي)، و(واي) بلهجة أهلنا المسيرية تعني نعم، أما لا فهي عندهم (كو)، ولكن لا نجزم بمعرفة هؤلاء الشباب بماهية (أبو الدقيق)، ولهذا نقول تعريفا به، هو حشرة أو قل فراشة زاهية الألوان المزركشة تعشق الأضواء وتحب التحلق حول النيران، ولأن من الحب ما يقتل فكثيرا ما كان أبو الدقيق يحوم حول حمى النار حتى يهوي الى أتونها ويحترق، ويعتبر الناس فعل أبو الدقيق هذا نوعا من الخراقة ودرجة متقدمة من الحماقة، ولهذا درجوا على وصم كل من يأتي فعلا أخرقا ويتسم بالحماقة و (الطقاشة) وسؤ التصرف وتقدير الأمور بأنه (أحمق من أبو الدقيق)، ومن أخبار حمقى العرب أن قوما من قريش خرجوا إلى أرضهم وخرج معهم رجل من بني غفار فأصابهم ريح عاصف يئسوا معها من الحياة ثم سلموا فأعتق كل رجل منهم مملوكاً، فقال ذلك الأعرابي: اللهم لا مملوك لي أعتقه ولكن امرأتي طالق لوجهك ثلاثاً..أما حمقى أهل السودان فتمثلهم خير تمثيل حكاية الجعلي الذي قرر الطبيب بتر رجله المعطوبة، وأجرى الطبيب العملية بلا بنج أو أي مخدر، ورغم شدة الألم أثناء العملية الا أن الجعلي كان ثابتا وراسخا كالجبل الأشم الى أن تمت العملية بنجاح، فأعجبت احدى النساء ممن حضرن العملية بهذه الشجاعة والبسالة فأطلقت زغرودة تحية للجعلي، فما كان من صاحبنا بعد أن (شالته الهاشمية والحنفشة) الا أن مد رجله الأخرى السليمة وقال للطبيب (هاك دي برضو أقطعها)..
نهاية الأسبوع الماضي حدث (شيء ما)، البعض أسماه محاولة انقلابية، وبعض آخر عده مجرد مسرحية، أما العبدلله بعد أن استفتى قلبه عملا بمقتضى الحديث الشريف (استفتي قلبك وان أفتاك الناس وأفتوك) صار ميالا لتصديق صحة المحاولة، نعم صدقت أن هناك محاولة انقلاب جرى الاعداد والترتيب لها، ولكن رغم ذلك تظل عندي كأن لم تكن ولهذا أسميتها (انقلاب أبو الدقيق) لحماقة وخراقة مدبريها، فأحمق وأخرق من يفكر مجرد تفكير بعد اليوم في استلام السلطة عبر انقلاب، فالمزاج الشعبي والمد الثوري والوعي المفاهيمي الذي ما يزال مشتعلا ومتفاعلا بات رافضاً بل وباغضا تماما لأي انقلاب عسكري، كما أن الموقف الدولي بحكوماته ومنظماته كافة وقبل ذلك الاتحاد الإفريقي طبقاً لميثاقه الرافض لمبدأ الانقلابات، والذي بسببه جمّد عضوية السودان، بعد أن اعتبر وجود المجلس العسكري الحالي في حد ذاته انقلاباً وليس انحيازاً للشعب، علاوة على أن الأحوال والظروف الحالية غير ولا في المستقبل مواتية لتنفيذ أي محاولة انقلابية، فالقوات النظامية بجميع مسمياتها وتشكيلاتها ظلت في حالة استعداد كامل وانتشار واسع منذ سقوط النظام البائد، وبالتالي فان أيما محاولة أو حتى مناورة لتدبير انقلاب تبدو عصية بل ومستحيلة ومحكوم عليها بالفشل مقدما، اللهم الا أن يكون هؤلاء الانقلابيون من فصيلة أبو الدقيق..
بشفافية – حيدر المكاشفي
صحيفة الجريدة