تخطي المتاريس ..!!
:: صدقاً هي ثورة وعي، بدليل أن فاجعة بالأبيض أبكت وأغضبت كل السودان، وهذا ما لم يكن يحدث في بلادنا قبل الثورة.. فالنظام المخلوع كان يُراهن على نجاح سياسة (فرق تسد)، ومتكئاً على وسادة هذه السياسة الرعناء ظل النظام يرتكب المجازر شرقا وغربا وشمالا وجنوبا.. ورغم فظاعة المجازر التي كانت ترتكب في الولايات وقبائلها، لم تكن ولايات وقبائل البلد تتداعى بالسهر والحمى حين تُصاب ولاية أو قبيلة بالآم مجزرة.. كل ولاية – أو قبيلة – كانت تتألم وتبكي وحدها.
:: ولكن من ثمار ثورة الوعي، أصبح (كل البلد دارفور).. وعلى سبيل المثال، فمنذ صباح الأمس، حيث حصد رصاص الغدر بعض صغارنا بالأبيض، أصبح (كل البلد الأبيض).. رب ضارة نافعة.. لقد وعى الشعب، وتعلم – من دماء ودموع نصف القرن – بأن القوة الموحدة هي العظمى، ولذلك لن يتألم أي أقليم أو قبيلة أو مواطن أو يداوي الجُرح (منفردا)، كما كان يحدث في عهد النظام المخلوع.
:: وكما تعلمون، فإن أصدق الكلمات هي الصادرة عن قلوب الحزانى، وإن شعر الرثاء هو أصدق الشعر، وإن لصلاح أحمد إبراهيم رائعة في وصف الحزن ومخاطب الموت: (يا منايا حوِّمي حول الحمى واستعرضينا واصطفي)، ثم يستدرك صلاح بأن المنايا دائماً تصطفي أعز الناس إليه وإلى الناس أيضا، ويؤمن على ذلك ويؤمن به قدرا لا مفر منه، فيملأ قلبه متحديا: (كلما اشتقت لميمون المحيا ذي البشائر.. شرفي/ تجدينا مثلا في الناس سائر/ نقهر الموت، حياة ومصائر)!!
:: وقهر الموت هو الصبر عليه، وهذا الصبر لا يلقاه إلا ذو حظ عظيم، ونسأل الله أن يكون كل مواطن مكلوم بالأبيض من ذوي الحظ العظيم.. فالقدر قاد صغارهم إلى حيث رصاص الغادر.. وكأن مجزرة ساحة الاعتصام بالخرطوم لا تكفي حُزناً، ارتكبوا مجزرة الأبيض، ضحاياها لم يتذوقوا طعم الحياة بعد.. صعدوا إلى علياء الشهادة برصاص قناص غادر.. لم يفعلوا ما يستدعي زجرهم، ناهيكم عن رميهم بالرصاص.. لقد اصطلوا بنار الغلاء، وافتقدوا المياه والكهرباء والكتاب، فتظاهروا!!
:: ويبقى السؤال: من المستفيد من حصد أرواح طلاب الأبيض – وإشعال الغضب بكل السودان – في هذا التوقيت؟.. فالكل يترقب اتفاقاً – بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير – يساهم في الاستقرار السياسي.. فمن المستفيد حين تشتعل نار الفتنة في الأبيض ثم تقضي على غايات الثورة (السلام والحرية والعدالة)؟.. وفي الخاطر، قبل مجزرة فض الاعتصام أيضاً، كان طرفا الحوار على موعد مع الاحتفال بالاتفاق ..وهنا يبقى التحدي أمام السادة بقوى الحرية والتغيير هو تخطي (متاريس الفتن)، وليس تشييدها، كما يشتهي أعداء الثورة والتغيير .. !!
:: وفي الخاطر حديث الصادق سمل، والد الشهيد عبد الرحمن: (لو خيروني فإنه لا ضير عندي أن أذهب إلى القاتل – في تمام حزني و وجعي – لأضمن أن يتوقف القتل في هذه البلاد، وأخلاقيا لزاماً على الحركة السياسية أن تقبل أي مبادرة تعمل على توقف قتل إنسان هذه البلاد أولاً، ومن ثم تعمل على بناء المؤسسات العدلية التي تضمن للناس حقهم في الحياة).. وعليه، فالنصر صبر ساعة.. وكما صبر الشباب في الشوارع وانتصروا، فليصبر الساسة في قاعات التفاوض!!
إليكم .. الطاهر ساتي
صحيفة السوداني