منوعات

هل نصفق خوفاً أم فرحاً؟

لا يوجد أي أحد بيننا لم يصفق، سواء في حفل موسيقي أو في مناسبة اجتماعيّة، وحيداً أو بين الجموع، وكأن التصفيق فعل نتشارك فيه جميعاً. فضرب اليد باليد أسلوب نتعلمه منذ الصغر، الأغنيات الأولى التي نرددها تتضمن إيقاعا للأغنية، ودعوة إلى من حولنا لإصدار “صوت” والمشارك. وهذا ما تحوّل لاحقاً إلى جزء من أي أداء فنّي علنيّ، إذ نصفق في النهاية أو في المنتصف. لكن يبق السؤال، لم مثلاً لا نضرب بأرجلنا على الأرض؟ لم لا نضرب صدورنا؟ لم التصفيق هو ردّ الفعل الأول؟

تختلف تفسيرات التصفيق بحسب السياق، ولا نتحدث هنا عن التصفيق الفردي، بل ذاك الجماعيّ، كذلك الذي يحدث في المسرح مثلاً. ففي الخشبات الرومانيّة واليونانيّة، كان الممثل يطلب من الجمهور في نهاية العرض أن يكونوا بخير وأن يصفقوا إن أعجبهم العرض. لكن، ومع تطور أشكال العرض المسرحيّ، أصبح التصفيق يتخلل العروض، ويفسر البعض ذلك أن المسرح أصبح يسعى نحو خلق الإيهام الكامل والتصديق، ليأتي التصفيق، خصوصاً حين يكون الجمهور في الظلام وسيلة لكسر هذا الإيهام، أشبه برد فعل لا واعي، نمارسه كي نتحرر من الحلم الذي نعيشه، كوننا في الظلام والخشبة مضاءة. وهذا ما يحدث في المشاهد شديدة التأثير، حيث يصفق الناس فجأة، ليس فقط إعجاباً بالإداء، بل أيضاً للتحرر من سطوة ما يرونه، وكأن التصفيق دعوة إلى الاستيقاظ، والتأكيد أن ما يحصل على الخشبة ليس حقيقيا.

هذا التفسير يمتد مع تطور أشكال الأداء المسرحيّ، ليبدو التصفيق وسيلة للتأكيد على أن ما يقوم به الممثلون مجرد لعبة متقنة، علينا أن لا نصدقها لأن التصديق هنا سياسيّ، وقد يقود إلى التطهير الذي يبدو أنه يحول المسرحيّة إلى درس لابد للجمهور من تعلمه وتفادي الوقوع فيه. وهذا ما دفع أشكال المسرح لاحقاً إلى إنارة مساحة جلوس الجمهور، والتأكيد على هوية الممثلين الحقيقيّة، للتحرر من سطوة الإيهام والرعب الذي يسببه بقاء الجمهور في الظلام كأسلوب للهيمنة السياسيّة التي لا يمكن الفكاك منها. ليأتي التصفيق كوسيلة لإيقاف “اللعب”، أو الاعتراف بأن الجمهور يعرف أن ما يحصل لعبة، كما يحصل مثلاً في المسرحيات المصريّة حين يدخل ممثل مشهور ويصفق له الجمهور، ما يعطل الزمن الدرامي، ليحيي الممثل الجمهور اعترافاً منه بوجودهم. ذات الشيء نراه في المسلسلات أحياناً، خصوصاً السيتكوم، حيث يصفق جمهور لا نراه حين يدخل نجم إلى مساحة التصوير.

يحرك تصفيق الجمهور في الأداء الغنائيّ، ويصبح جزء الإيقاع كما نسمع في الأغنية الشهيرة “سنهزّ عالمك-we will rock you” لفرقة كوين، حيث يشارك الجمهور عبر إيقاع التصفيق بخلق الأغنيّة، ليكون جزء منها لا تتم بدونه، وليصبح الأمر أشبه بطقس جماعيّ يضبط الجميع فيه الأصوات التي يصدرونها ضمن “لحن” يحول القطعة الفنيّة إلى نتاج مشترك بين “اللاعب” و”المتفرجين”. على النقيض، في الموسيقى الرومانسيّة، الكثير من المؤلفين كمندلسون لا يفضلوا تصفيق الجمهور حتى لو تأثروا بالموسيقى، وذلك كي لا يقطع ذلك تسلسل اللعب وترتيب الألحان، بل إن هذا الشكل من التصفيق وُصف بالهمجي الذي لا يرتقي إلى الذوق الفنيّ العالي والمشاعر المرهفة التي تخاطبها الموسيقى الرومانسيّة، إذ كتب شومان 1835: “لسنوات وأنا أحلم بتنظيم حفل للصمّ والبكم، بهذه الطريقة بإمكاننا أن نتعلم منهم كيف نتصرف بأدب أثناء الحفل، خصوصاً حين تكون الموسيقى جميلة”.

تحوي المملكة الحيوانيّة أشكالا مختلفة من التصفيق، ولا يتطابق دوماً مع السياقات الاجتماعيّة والاحتفالية التي يظهر فيها لدى البشر، إذ تصفق الغوريلات الكبرى من أجل التواصل مع أفراد عائلتها عبر المسافات البعيدة، للحفاظ على انضباط أفراد الأسرة وجذب انتباه الأفراد نحو خطر ما، كما لاحظ الباحثون أيضاً أن أنثى الغوريلا تصفق لتداري رضيعها وتساعده على النوم بسلام.

العربي الجديد