صديق الزيلعي: الحزب الشيوعي وضرورة دعم الحكومة القادمة
تهدف هذه المقالة لتحليل موقف الحزب الشيوعي من الاتفاقات التي تمت، وقراره بعدم المشاركة في كافة هياكل الحكومة القادمة، ودعوته لتصعيد النضال، وصولا للإضراب السياسي العام. وتستهدي في تحليلها بالواقع الراهن لانتفاضة ديسمبر المجيدة وبالتحديات التي تواجهها. وتجتهد لتقديم قراءة واقعية تتمحور حول الواقع الراهن ومستقبل الثورة السودانية. والدور المطلوب من الحزب الشيوعي خلال المرحلة الانتقالية، بكل التعقيدات التي تشوبه، والتحديات والصعاب التي تواجه قضية تفكيك الدولة العميقة ووضع الأسس الصلدة للتحول الديمقراطي.
يواجه الحزب الشيوعي تحديا كبيرا، أدعو ان يتصدى له الحزب بجدية. هو تحدي يحتاج لمواجهة واضحة مع العضوية وجماهير الحزب والقوى المتحالفة معه. ويتمثل التحدي في ضرورة دعم الحزب القوي للحكومة القادمة، والدفاع عنها، والمبادرة بالمشاركة في تقديم البرامج والسياسات المتعلقة بتنفيذ مهام المرحلة الانتقالية. وان يشارك في المجلس التشريعي، ليساهم بإيجابية في الرقابة عليها، وانتقاد مظاهر القصور في عملها. ووضع اللبنات الاولي لاستعادة الدولة السودانية، بتفكيك دولة الإنقاذ، ووضع الأسس للتحول الديمقراطي، الذي سيواجه عقبات كثيرة، ومحاولات حثيثة لفرملته، أو تغيير مساره. باختصار امامنا تحديات جسام تحتاج لخبرة الحزب الشيوعي، ووضوح رؤيته لقضايا التحول الديمقراطي، ولإخلاص وهمة كوادره في العمل العام. ونرى لتحقيق ذلك ان نفتح حوارا علنيا مع قيادة الحزب يشارك فيه أعضاء وأصدقاء الحزب والقوى المتحالفة معه حول المواثيق التي وقعتها قوي الحرية والتغيير، وأيضا بمشاركة القوى الواسعة من الشباب والنساء التي شكلت القلب النابض لانتفاضة ديسمبر. وان يكون حوارا علنيا وامينا يستهدف الوصول لطرق عملية لدعم الحكومة القادمة، التي ستواجه بتآمر ضخم ومتواصل من قوى الدولة الكيزانية العميقة.
أبدأ بما هو معروف عن الحزب الشيوعي، باعتباره حزبا سودانيا أصيلا، قدم الكثير للوطن، وننتظر ان يقدم الأكثر في السنوات القادمة. فقد ساهم الحزب بفعالية في تأسيس نقابات العمال واتحادات المزارعين والطلاب ومنظمات الشباب والنساء وحركة السلام. كما ساهمت عضويته في كل المعارك الوطنية، منذ أيام الدولة الاستعمارية وحتى اليوم. وعندما واجه قادته حبل المقصلة لم يتراجعوا ولم يهادنوا. كما صمدت كوادره، خلال حكم الاسلامويين الأسود، داخل المعتقلات وبيوت الاشباح وامام هوجة ما سمي بالصالح العام. وحزب كهذا يجب ان يكون في قلب عملية فكفكة الدولة العميقة وإرساء أسس التحول الديمقراطي المستديم. وما يعطي وجود الحزب أهمية خاصة، في قلب العملية السياسية الراهنة، موقفه المبدئي من انقلاب الاسلامويين منذ يومه الأول، ودوره في صياغة مواثيق التجمع الوطني الديمقراطي، ومشاركته الفاعلة في كل معارك شعبنا ضد الدكتاتورية، وانتهاء بدوره في انتفاضة ديسمبر المجيدة.
قدم الحزب نقدا واضحا وامينا لنواقص العملية التفاوضية، ولما نتج عنها من اتفاق سياسي وإعلان دستوري ملئ بالثقوب والنواقص. ولكن الحزب طرح معالجة لذلك القصور بالنأي بنفسه عما سيتمخض من مؤسسات، بل واوقف مشاركته في عملية التفاوض. وهو موقف جانبه الصواب للأسباب الآتية:
• ما تم التوصل له من إعلانات سياسية واتفاقات دستورية هو نتاج لنضال شعبنا، الذي تواصل لستة أشهر كاملة، ولصموده التام وعدم تراجعه امام آلة الإنقاذ القمعية، حتى أسقط رئيسها.
• صمود الانتفاضة الشعبية وتصاعدها ومحاصرتها التامة للنظام، ادي باللجنة الأمنية للمخلوع لتدبر انقلابها لقطع الطريق امام استكمال الانتفاضة لمهامها. وقامت اللجنة الأمنية/ المجلس العسكري بإزاحة البشير تنفيذا لسناريو معد منذ فترة للهبوط الناعم بتغيير البشير والإبقاء على كافة هياكل النظام ومؤسساته وكوادره. وتم نقاشه مرارا مع البشير، الذي تعند ولم يلتزم بوعوده.
• هزم شعبنا كافة مخططات المجلس العسكري لوراثة كامل النظام الانقاذي، وصمد أمام قمعه ومجاذره، حتى غل يده وأرغمه على التراجع عن مخططاته، والقبول بشراكة قوى التغيير. ولكن في نفس الوقت لم ينجح الحراك الشعبي في اسقاطه تماما. مما خلق واقعا جديدا وتوازن قوى لا يرجح كفة طرف، في ظل واقع معقد وهش.
• هذه الإعلانات والاتفاقات مليئة بالمخاطر والنواقص ومظاهر الضعف، ومنها استمرار القرارات التي أصدرها المجلس العسكري، وحول تبعية الجيش والمليشيات للعسكريين، وحول كيفية تحقيق استقلال القضاء، ووضع المفصولين، وهلامية وضع المجلس التشريعي، ومخاطر عدة حول دور العسكريين في ظل سيطرتهم على الأجهزة الأمنية، وعدة قضايا اخرى. ولكن وفي نفس الوقت، هذه الاتفاقات رغم قصورها، تمثل خطوة أساسية في تفكيك دولة الإنقاذ، والبدء في إجراءات تنفيذ المهام العاجلة للمرحلة الانتقالية، ووضع بعض أسس التحول الديمقراطي. وعلينا ان نفهم ان الاتفاقات وحدها لن تحقق ما نربو اليه وانما يقظة الجماهير واستعدادها الدائم للتحرك، مثلما حدث في الأسابيع الماضية
• وجود المجلس العسكري كشريك في قيادة المرحلة الانتقالية لم يكن هدفا لثورتنا، وهو نتاج لتطور الاحداث، ولقبولنا بخدعة ان اللجنة الأمنية انحازت للثورة. ولكننا، للحقيقة والتاريخ، هزمنا محاولة انفراده بالسلطة، وحطمنا كافة مخططاته بوراثة دولة الإنقاذ كاملة غير منقوصة.
• هناك إيجابيات كثيرة فيما تم الاتفاق عليه. أهمها قيام حكومة مدنية ذات سلطات عديدة، وتدير أغلب مؤسسات الوطن. حكومة تحقق حكم القانون، وتنجز السلام وتحقق العدالة الانتقالية، وتسعى لمواجهة جذور التهميش، وتعالج قضايا المعيشة والاقتصاد، وتصحح مسار الخدمة المدنية، وتعيد للقضاء استقلاله، وتنتهج سياسة خارجية متوازنة. والأهم انها مكونة من كفاءات وطنية لا تنتمي لتيارات الإسلام السياسي ولم ترتبط بدولته أو تتعاون معها.
• هذه خطوة أولى أساسية وهامة. علينا استكمال نواقصها بدراستها والتعلم من دروس الأشهر الثمانية الماضية، بنجاحاتها واخفاقاتها. وأهم تلك الدروس العمل في جبهة واحدة متوحدة، تحت شعار الوحدة في التنوع. جبهة لها برنامج حد أدني ملزم لكل أطرافها، مع كامل الحق لمكوناتها في طرح رؤاها وتصوراتها الخاصة من منابرها الخاصة.
• الشارع السوداني هو الفيصل وهو العامل الحاسم في المرحلة القادمة. والوعي الذي أبرزه شبابنا (من الجنسين)، خلال الشهور الماضية، لن تنجح أي قوى داخلية أو دولية على خداعه أو تدمير ما بدأ في تأسيسه من دولة مدنية، ودولة المؤسسات وحكم القانون. لذلك يجب الثقة في الحركة الجماهيرية.
لماذا ندعو قيادة الحزب لإعادة قراءة الواقع السياسي الجديد ونحن على مشارف استلام الحكومة المدنية لمهامها؟
• لا نريد للحزب ان يكرر تجربة رفضه لاتفاقية الحكم الذاتي (1953)، التي رحب بها معظم ابناء شعبنا بصدق وتطلع للاستقلال. رفض الحزب ادي لانقسام الحركة الوطنية وفتح الباب لصراعات مضرة بين أطرافها. وكان من ضمن آثارها سقوط القوى الديمقراطية في انتخابات نقابة عمال السكة الحديد التي جرت بعد الاتفاقية، وتعرض اتحاد العمال لهزة عنيفة كادت ان تؤدي لتحطيمه.
• شارك الحزب في المجلس الوطني بعد اتفاقية السلام الشامل. تم ذلك رغم رفض قطاع مؤثر من أعضاء وأصدقاء الحزب للمشاركة. وكان من ضمن الأسباب المبررة للمشاركة اننا سنشكل رقابة برلمانية مؤثرة. وشتان ما بين المجلس الوطني الانقاذي وبين المجلس التشريعي الذي ستكونه قوى الحرية والتغيير. لذلك لا مبرر لانسحاب الحزب منه، خاصة وان كل الأحزاب موافقة على عدم المشاركة في الحكومة المدنية.
• عدم مشاركة الحزب في المجلس التشريعي سيحرم مؤسسات الفترة الانتقالية من خبرة طويلة وميراث ضخم من خبرات العمل العام. ونقول، للأمانة والتاريخ، ان الحزب الشيوعي هو أكثر حزب سوداني اعد دراسات تشمل كافة جوانب الحياة في السودان. وقد نشر عشرات الدراسات التي حللت كافة جوانب الاقتصاد والتعليم والصحة والنظام الإداري وقضايا السياسة والثقافة الخ.
• شارك الحزب الشيوعي في انتخابات المجلس المركزي لنظام عبود العسكري. جاء في بيان الحزب بتاريخ 9 مارس 1963 ما يلي:
” ان الحزب الشيوعي حين يخوض اليوم معركة الانتخابات للمجالس المحلية يعلم حق العلم انه يخوضها في ظل نظام رجعي دموي، ولا يمكن التعاون معه بأي حال من الأحوال، بل هو يخوضها بهدف تحويل المعركة الانتخابية والعمل من داخل هذه المجالس من اجل مصالح الجماهير اليومية، والى تجميع قوى العمال والشعب في مؤسسات الجبهة الوطنية الديمقراطية وتعبئة الجماهير حول برنامج وطني ديمقراطي”.
• أصدر مكتب النقابات المركزي للحزب الشيوعي بيانا، قبل أيام، يدعو للتحضير لمعركة انتخابات اتحادات المهنيين. كيف يستقيم عقلا ان من رفض المشاركة في مؤسسات مستحقة انتزعتها الثورة الشعبية، يدعو للمشاركة في انتخابات اتحادات مبنية على قانون انقاذي مرفوض. ونعلم جيدا ان قيام تجمع المهنيين وقيادته للانتفاضة هو تخطي تام لنقابات المنشأة. وان من اهداف الثورة الغاء كافة القوانين المقيدة للحريات ومن ضمنها قانون النقابات الحالي، واستبداله بقانون ديمقراطي.
تحدي حقيقي امام خط الحزب:
دعا الحزب الشيوعي للتصعيد والمقاومة وصولا للإضراب السياسي العام. وكما نعلم فسيتم حل المجلس العسكري الانتقالي بمجرد تشكيل مجلس السيادة ومجلس الوزراء. هل يدعو للحزب للتصعيد ضد الحكومة المدنية الجديدة والدعوة لإضراب سياسي في مواجهتها؟
هل يقبل الحزب الشيوعي، بكل مواقفه النضالية المشهودة ضد حكم الإنقاذ، ان يقف في خندق واحد مع قوي الدولة العميقة، التي لن تستلم، ولن تعدم الحيل والاحابيل لتعطيل التجربة، بل ونسفها من جذورها، وستنشط كافة الوسائل السلمية والقانونية والاعلامية وحتى العنيفة، لإسقاط الحكومة المدنية. كما ستوجه ما راكمته من أموال شعبنا في تدمير تطور الانتفاضة وبناء دولة المؤسسات وحكم القانون.
ما العمل:
لا يحق لاي جهة ان تتدخل في عمل الحزب الشيوعي الداخلي، أو ان تحاول فرض رؤى عليه. ولكن من واقع مناقشاتي ومناقشات العديد من الشيوعيين وأصدقاء الحزب وجماهيره ومن يؤمنون بدوره الوطني، ومن العديد من المداخلات الامينة والصادقة في مجموعات السوسيال ميديا، نعتقد ان المسألة تحتاج للمزيد من الحوار بهدف تحقيق معالجات، حتى لا يتحول الموقف لازمة تهدد ما انجزناه.
وللحزب الشيوعي تجارب ثرة في عقد اجتماعات موسعة للجنته المركزية لمناقشة بعض القضايا العامة، أو اجتماعات موسعة لكوادره الأساسية، وحتى فتح مناقشة عامة للحوار داخل مؤسساته حول التحديات الراهنة التي تواجهه وتواجه ثورة شعبنا.
وأرى ان تقوم القوي الحليفة للحزب الشيوعي (قوى الحرية والتغيير) بإجراء حوارات جادة وموضوعية مع قيادة الحزب بهدف ارجاعه لموقعه الشاغر. وان تناقش تلك الحوارات نجاحات واخفاقات الشهور الماضية في أسلوب التفاوض، وفي شكل العمل الجبهوي، وحول تكريب التخالف ومعالجة نواقصه، وحول ضرورة الشفافية مع جماهير التحالف واشراكها في تحديد مسارات الثورة.
خاتمة:
قيام الحكومة المدنية لن ينهي الصراع السياسي في بلادنا. وستتعرض المرحلة الانتقالية للكثير من الأزمات والمواجهات. والخط الصحيح هو خوض المعارك من داخل خندق التغيير والحرية. والعمل بجد لإعادة بناء الحركة الجماهيرية لأنها صمام الأمان امام أي قصور في المواثيق أو تآمر من العسكريين أو هجمات من قوى الظلام.
صديق الزيلعي