علوم و تكنلوجيا

الحمم البركانية تسجل انعكاس المجال المغناطيسي

يبدو المجال المغناطيسي للأرض ثابتا ودقيقا، ويمكن الاعتماد عليه بدرجة كافية للتنقل، لكنه رغم ذلك يتغير بشكل كبير ويعكس قطبيه (ينتقل الشمال المغناطيسي إلى القطب الجنوبي الجغرافي، ثم يعود في النهاية مرة أخرى) كل عدة آلاف من السنين.
لقد حدث هذا الانعكاس مرات لا تحصى على مدار تاريخ الأرض، لكن معلومات العلماء محدودة عن أسبابه وكيفية حدوثه.

ويشهد المجال المغناطيسي حاليا فترة من الاضطراب والضعف تجلت في ظهور مؤشرات على توجه القطب الشمالي المغناطيسي حاليا نحو سيبيريا في روسيا، وهو ما أجبر نظام تحديد المواقع العالمي مؤخرا لتحديث برمجياته في وقت أقرب مما كان متوقعا لحدوث هذا التحول.

 

فترة مغناطيسية مضطربة
تشير دراسة جيولوجية حديثة نشرت يوم 7 أغسطس/آب الحالي في مجلة “ساينس أدفانسز” وأعدها باحثون من جامعة “ويسكونسن ماديسون” الأميركية وباحثون يابانيون، إلى أن الانعكاس الأحدث في المجال المغناطيسي للأرض حدث قبل حوالي 770 ألف سنة، واستغرق ما لا يقل عن 22 ألف سنة حتى يكتمل.

وتوفر الدراسة الجديدة -استنادا إلى التقدم في أدوات القياس والمسح العالمي لتدفقات الحمم البركانية ورواسب المحيطات والقلب الجليدي في أنتاركتيكا- نظرة تفصيلية على فترة مضطربة بالنسبة للمجال المغناطيسي للأرض.

فعلى مدى آلاف السنين، ضعف المجال المغناطيسي وتغير جزئيا، ثم استقر مرة أخرى، وعكس اتجاهه إلى الاتجاه الذي نعرفه اليوم.

ومنحت النتائج الباحثين صورة أوضح وأكثر دقة، في وقت يعتقدون فيه أننا نشهد حاليا مراحل مبكرة من فترة ضعف وتغير المجال المغناطيسي، شبيهة بتلك التي حدثت سابقا في التاريخ الجيولوجي للأرض.

وعادة ما تنشأ الانعكاسات في أعمق أجزاء باطن الأرض، لكن التأثيرات تظهر بوضوح على سطح الأرض وفي الغلاف الجوي.

 

وما لم يكن لدينا سجل كامل وعالي الدقة لشكل انعكاس المجال على سطح الأرض، فسوف يكون من الصعب حتى مناقشة ماهية آليات نشأة الانعكاس.

حيث ينتج المجال المغناطيسي للأرض بفعل الحديد السائل في اللب الخارجي للأرض الذي يدور حول اللب الداخلي الصلب. ويخلق هذا الإجراء الديناميكي مجالا أكثر استقرارا يمر بالقطبين الشمالي والجنوبي، لكن المجال يتحول ويضعف بشكل كبير أثناء الانعكاسات.
سجل بركاني
عندما تتشكل صخور جديدة -عادة عندما تتدفق الحمم البركانية أو ترسب في قاع البحر- فإنها تسجل المجال المغناطيسي في وقت نشأتها.

ويستطيع علماء الجيولوجيا مسح هذا السجل العالمي لتجميع تاريخ المجالات المغناطيسية الذي يعود إلى ملايين السنين. وتعد هذه الصخور بمثابة سجل شارح يحكي قصة الانعكاسات التي حدثت في المجال المغناطيسي للأرض، خاصة الانعكاس الأحدث المسمى “ماتيوما برونهس”.

وقد ركز الباحثون في الدراسة الحالية على تدفقات الحمم البركانية من تشيلي وتاهيتي وهاواي ومنطقة البحر الكاريبي وجزر الكناري.

 

وجمع الفريق عينات من تدفقات الحمم البركانية هذه على مدار عدة مواسم، إذ تعد تدفقات الحمم البركانية سجلات مثالية للمجال المغناطيسي، فهي تحتوي على الكثير من المعادن الحاملة للحرارة، وعندما تبرد فإنها تحبس اتجاه المجال، لكنه سجل متقطع، إذ لا تندلع البراكين باستمرار.

وقد جمع الباحثون قراءات مغناطيسية وتاريخ النظائر المشعة لعينات من سبع سلاسل متتالية من تدفقات الحمم البركانية، لإعادة إنشاء المجال المغناطيسي على مدى حوالي 770 ألف سنة تركزت على انعكاس ماتوياما برونهس، اعتمادا على الأساليب المطورة التي تم تطويرها في مختبر الجغرافيا التاريخية في جامعة “ويسكنسون” عن طريق قياس الأرجون الناتج عن تحلل البوتاسيوم المشع في الصخور.

 

وقد وجد الباحثون أن الانعكاس الأحدث كان سريعا بالمعايير الجيولوجية، حيث استغرق 22 ألف عام لاكتمال حدوثه، وتزيد هذه الفترة على ضعفي المدة التي اقترحتها الدراسات الأخيرة وهي تسعة آلاف عام.

وتشير نتائج الدراسة إلى أن انعكاس المجال المغناطيسي للأرض قد يؤثر بشكل كبير على حركة الملاحة والاتصالات بالأقمار الصناعية، والاتصالات الأرضية، ومن ثم -كما تقول الدراسة- فإن العالم ستكون أمامه فرصة للتكيف مع فترة طويلة من عدم الاستقرار المغناطيسي، هي فترة حدوث هذا التغير.

الجزيرة