ثقافة وفنون

هل تقتل شبكة الإنترنت اللغة أم تحافظ عليها؟

غيّر الإنترنت ولا يزال من الطريقة التي يكتب بها الناس، وبينما لا نزال نستخدم الكتابة الرسمية لأغراض عديدة، فإن معظمنا الآن لديه طريقة ثانية غير رسمية للكتابة والتي يطلق عليها اللغويون “التواصل عبر الحاسوب”.

وتعامل بعض مستخدمي لغة التواصل عبر الحاسوب بطريقة غير تقليدية مع نظام الكتابة، ونتيجة لذلك ظهرت لغات تواصل عبر الإنترنت في جميع أنحاء العالم وتستخدم في كتابة البريد الإلكتروني ودردشة الإنترنت وتطبيقات المحادثة الفورية مثل واتساب وحتى الألعاب متعددة اللاعبين على الإنترنت.

لغات الإنترنت
لكن فقط أقل من 5% من لغات العالم الحالية التي يزيد عددها على سبعة آلاف لغة تستخدم كلغات رقمية على الإنترنت وفقًا لدراسة أجراها قبل سنوات عالم اللغويات الرياضي الشهير أندراس كورناي، في وقت تساعد الإنترنت على القضاء على 95% من اللغات الحية بحسب دراسة نشرتها مجلة بلوس ون PLOSOne، وتنقرض العديد من اللغات بسبب عدم قدرتها على الدخول للمجال الرقمي ومعاناتها مع الفجوة الإلكترونية.

ولإجراء هذه الدراسة صمم كورناي برنامجاً لتحليل النصوص الموجودة في نطاقات الويب وفهرسة عدد الكلمات في كل لغة، وقام أيضاً بتحليل لصفحات ويكيبيديا وهي علامة رئيسية للحيوية الرقمية للغة، وتوصل إلى أن أغلب لغات العالم تعاني بشدة من مخاطر الانقراض بسبب فشلها في دخول عالم الإنترنت.

ويعد فشل تأقلم اللغة مع الإنترنت واحدا من عدة عوامل تشير لكونها في طريق الموت بحسب الباحثين اللغويين، ومن هذه العوامل أيضاً التوقف عن استخدام اللغة في مجالات عملية مثل التجارة، وعدم تحدثها من قبل الأجيال الأصغر سناً، وأخيراً نسيانها من قبل الأجيال الجديدة. وأثناء رحلة الموت تفقد اللغة فاعليتها في الأنشطة اليومية واستخدام الإنترنت.

 

وتستمر الإنجليزية في الهيمنة على الإنترنت، إذ لا يزال حوالي 54.5% من المحتوى الإلكتروني بهذه اللغة على الرغم من النمو الهائل في المستخدمين الذين لا يفهمونها أو الذين يفضلون الوصول إلى المحتوى بلغاتهم الأم، بحسب بيانات المنتدى الاقتصادي العالمي.

عام 1996 عندما بدأت الإنترنت في دخول المجال العام، كان أكثر من 80% من مستخدمي الإنترنت من الناطقين بالإنجليزية، وبحلول 2010، انخفضت هذه النسبة إلى 27.3%. في حين زاد عدد مستخدمي الإنترنت الناطقين بالإنجليزية منذ عام 2000، إلا أنه لم يواكب النمو الكبير باللغات الأخرى.

وفي العالم العربي، أصبح عدد مستخدمي الإنترنت أكثر 25 مرة من المتصلين العرب بالإنترنت عام 1996. ومع ذلك فإن نمو المحتوى العربي يبدو ضعيفاً للغاية مقارنة مع عدد المستخدمين.

 

قواعد جديدة
بحسب مؤلف كتاب “الإنترنت.. فهم القواعد الجديدة للغة” الصادر حديثاً فإن “اللغة أكبر مشروع مفتوح المصدر للإنسانية”. ويضيف “كما نجد الأشياء على الإنترنت من خلال اتباع الروابط من مكان إلى آخر، تنتشر اللغة من خلال محادثاتنا وتفاعلاتنا”.

وباستخدام الكلمات المختصرة والأسماء الرمزية والرموز التعبيرية وصور Gif، أصبح لدى مستخدمي تطبيقات التراسل الفوري مجموعة واسعة من الأدوات للتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم على الإنترنت، وتختصر هذه الرموز التعبيرية الكثير من الكلمات.

ويمكن لأولئك الذين يجيدون التحدث عبر الإنترنت أن يتلاعبوا أيضًا بعلامات الترقيم، ويستخدموا الحروف الكبيرة، وحتى التباعد للتعبير عن الفوارق العاطفية للكلام ونبرة الصوت. ويمكن الآن استبدال الكلمات بالكامل بشعارات وأيقونات، ويساعدنا ذلك على فهم شعبية الرموز التعبيرية وGIF التي تتداول كثيراً في محادثاتنا عبر الإنترنت.

العربية ولغة الإنترنت
بدأت كتابة الإنترنت في العالم العربي مع بداية دخول الهواتف المحمولة وانتشار الانترنت، إذ استخدمت الحروف اللاتينية في بعض الأحيان لكتابة نصوص عربية في تطبيقات التراسل نتيجة غياب لوحة المفاتيح العربية في الهواتف وأجهزة الحاسوب القديمة.

وجرى في هذه الفترة استخدام أرقام بعينها لتعويض غياب بعض الحروف العربية غير المنطوقة بالإنجليزية مثل العين والغين والحاء، إذ استخدمت بدلا منها الأرقام 3 و4 و7 على الترتيب.

وفي وقت لاحق جرى استخدام بعض الكلمات الإنجليزية في التراسل الفوري بالعربية، وأصبحت كلمات مثل “أوكي” و “لول” تكتب بالحروف العربية في المحادثات بين المتخاطبين نظراً لقصرها وسهولة إضافتها مقارنة بكتابة جملة مطولة تعبر عن نفس المعنى.

 

ورغم أنه لا يمكن تحميل الإنترنت وحده مسؤولية انتشار هذه اللغة الثانية، إذ تستخدم المصطلحات الأجنبية في أماكن العمل والتعليم وحتى الدراما العربية، لكن مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دوراً كبيراً في تعميمها وتطبيعها كنوع من ثقافة العولمة السائدة.

وبينما يحذّر مثقفون عرب من عواقب العزوف عن الكتابة بالعربية الصحيحة التي تطورت عبر القرون الطويلة، يرى آخرون أن سهولة تكيف العربية مع ثقافة الإنترنت يمكن أن تكون مؤشراً على كون العربية بعيدة عن الإنقراض في عصر الإنترنت مثلما هو الحال مع أغلب لغات البشر التي يزيد عددها على سبعة آلاف.

الجزيرة