تحقيقات وتقارير

تضمنت 15 رسالة .. كاريزمية الأصم هل ستؤسس لعهد جديد بالسودان؟


تضمنت 15 رسالة

كاريزمية الأصم هل ستؤسس لعهد جديد بالسودان؟

الرشيد أبوشامة: رسالة الأصم كانت ندية للأطراف الخارجية ومتسامحة مع الداخل.
باطومي أيول: شخصية الأصم تشبه أبي أحمد وخطابه كان داعمًا للوحدة الوطنية بين السودانيين.

 

استغل القيادي في تجمع المهنيين السودانيين د.محمد ناجي الأصم خلال مخاطبته مراسم توقيع وثائق الفترة الانتقالية السبت الماضي، بإرسال 15 رسالة لقوى الحرية والتغيير، وحركات الكفاح المسلح، والنازحين واللاجئين، وللدول الأفريقية والعربية، وأثار خطابة أعجاب الشعب السوداني، ودول الجوار.

رسالة للشهداء
وكانت رسالة الأصم الأولى للشهداء، ووصف ثورة ديسمبر 2018 بانتفاضة المارد، والشهداء بالحمم، وأنه لولا صمودهم كالجبال ما مضت الثورة نحو أهدافها وامتدح صمود الأسر السودانية وتقديمها الشهيد تلو الشهيد ومع كل دم يسيل، وأن من واجبهم رد هذا الدين بالوفاء بهذا الحق عبر كافة السبل، والقانون وعبر التحقيقات الشفافة النزيهة، بالمواكب وبحملات البحث والتقصي فهذا حقهم. وحقهم هذا هو أحد أعمدة هذه الثورة .

 

أصحاب الحق
وحرص الأصم على مخاطبة النازحين واللاجئين وأصحاب الحق، وعدهم أحد صانعي هذا اليوم، وأشار إلى تضحياتهم، وأنهم بمثابة الهدية للهدية، وأنهم ظلوا يقدمون التضحيات تلو التضحيات، بمنحهم أعمارهم بسكنهم في المعسكرات الباردة بالشتاء القارص، ولهيب حرارة الصيف، ووصف أحلامهم بالخيوط التي سيرتق بها حلم الوطن الجميل الكبير، وتعهد بمنحهم دارًا فسيحة، وأن حصولهم على المدارس والمستشفيات هو بمثابة أحد حقوقهم وليس منحة منهم أو من أحد، وأنه لا سبيل أماهم إلا بالعمل على تحقيق السلام العادل الشامل ومحاسبة كل من اقترف جرم بحقهم.

 

تضحيات السودانيات
وحيا الأصم تضحيات المرأة السودانية ودورها وصمودها تجاه سياسة النظام البائد، وأنهن كن خير أمة أخرجت للسودان، ومقاومتها لتسلط النظام البائد عليها وقمعها في محاكم النظام العام، وقيادته للحراك الفترة الماضية.
وأوضح الأصم أن السودان بلد ثري، ولكن اختطفت ثرواته من الفاسدين، ولفت إلى أن مهمة استعادة تلك الثروات المخطوفة ستكون شاقة وصعبة لأنها تسربت إلى جيوب الطغاة الفاسدين، ورغم ذلك فإنها ليست أشق عليهم من أشهر بل وسنوات فقد فيها السودان الكثير.

 

حراس الثورة
وقطع الأصم أن من يحرس الثورة هو الشعب السوداني، وشبابه سيظلون حداة هذه الثورة، بذات النار التي كانت تستوي خلال المواكب، ووصف الثورة بالكنز الثمين وطالب بالمحافظة عليها، وعدم خطفها أو المتاجرة بها أو سرقتها، وتعهد بالعمل معهم بعدم حدوث ذلك.

 

قطف الثمار
ولم يفوت الأصم الفرصة وحرص على توجيه رسائل خاصة للهامش في الشرق ودارفور، وجبال النوبة، والنيل الأزرق، بجانب الريف السوداني، وإلى الفئات الاجتماعية (الفقراء والمريض، غير آمن، المهمش)، أكد أن هذه الثورة ثورتهم، وطالبهم بأن يقطفوا ثمارههم أولا، والسعي لتحقيق المواطنة والخدمات الحكومية المتساوية، والتمثيل المتساوي مع التمييز الإيجابي المستحق.

سند الثورة
وعد الأصم الموظفين والمهنيين سند الثورة، وأنهم لم ينكسروا في المواكب والتظاهرات ولم يتراجعوا، رغم تعرضهم للحرب في معاشهم وحريتهم، وأنهم لبوا نداء الثورة، وكانوا في قلب الإضرابات والعصيان.

 

وقفة الجبال
ونادى الأصم المغتربين بأن يكونوا شركاء وداعمين للوطن خلال المرحلة المقبلة من عمره وخاطبهم قائلا: “هذا الوطن يحتاجكم اليوم وغدا كما احتاجكم بالأمس، دوركم في مستقبل أيامه عظيم وضخم ولاتحتاجون وصية أو تذكير فلتواصلوا في تقديم كل ماتملكون وأكثر من عرق وخبرة ونصح في سبيل وطن أفضل نسعى معا من أجل بنائه” .

 

بناء الثقة
وشدد الأصم على ضرورة بناء الثقة مع القوات المسلحة، وامتدح دورها في التغيير، وسيرها مع الثورة، وأكد أن ذلك واجبهم، وذكر بالمسيرات التي واجهتهم معًا والعقبات للوصول إلى اتفاق الـ17 من يوليو، وفتحت أبوبًا للريبة بينهما، وحدثت أخطاء دُفع معها الثمن فادحًا، ولكن رغم ذلك ما زالوا مؤمنين بأن بذرة الوطنية بالمؤسسة العسكرية، وأنهم يعتزون بها بحمايتها لهم، ووصفها بالدرع الواقي لهم، وأنهم سيصنعون معها الطريق الذي سيعبد ويعزز الثقة، وذلك بالتداول السلمي للسلطة، وذلك من أجل طي صفحات مظلمة من الديكتاتورية، وتأسيس الديمقراطية.

 

المحاسبة القانونية
وكانت أقوى رسالة للأصم خلال كلمته بالاحتفال هي توجيهه رسالة قوية للمؤتمر الوطني وحلفائه وقال لهم: “رسالة للمؤتمر الوطني وشركائه قولوها: الآن حصحص الحق وزُهق الباطل اغتصبتم السلطة وقتلتم واعتقلتم وعذبتم وشردتم الشعب.. أكثركم صمت على الجرائم وأشاح عن الظلم”، وذكر أن البلاد عانت من ويلات حكمهم الجائر، والحروب الداخلية والنزاعات، وجاع الناس وتشردوا بين البلدان، وبالإضافة إلى امتهانهم كرامة الشعب السوداني وتضييقهم عليه، وذم العهد وحملهم مسؤولية انتشار الفساد بصورة غير مسبوقة، وضياع ثروات البلاد وتناثرها في جيوبهم، وهجرة الشباب وتمني الموت في البحر المتوسط،، وأن السودان فارق التطور، وأنهم لن ينتقموا منهم قائلا: “لن نفعل كما فعلتم، ولن يكون الانتقام هو منهجنا بل المحاسبة والعقاب العادل”، ودعا من لم يلطخوا أيديهم بالدماء بالمشاركة في بناء السودان الجديد، فربما يغفر لهم الشعب.

 

الفراق القاسي
لم يفوت الأصم فرصة تحية مواطني شعب جمهورية جنوب السودان، وأن انفصالهم كان أشبه بالفراق القاسي وأستدرك: “ولكن التئام شملنا ممكن فأنتم نصفنا الحلو وعندما نقول السودان نتخيل هذه الخريطة الأليفة الكثيفة بالتنوع والتعدد”، وطالب بتعاضد الشعبين، والعمل سويا نحو التطور والنماء المشترك .

 

الوحدة الأفريقية
وأعرب الأصم عن أمله أن يتحقق حلم وحدة القارة الأفريقية، وأشار لتميز السودان بوقوعه في قلب القارة الأفريقية العريقة، وطالب أن تصبح حدودها جميعها مفتوحة، ليست حدودًا طبيعية بل ساحة من الود والمحبة والتصاهر والعيش المشترك، وإن السودانيين الذين نزحوا أو لجأوا بسبب اشتداد الحرب ونيران النزاع في عمومها، لم يشعروا بأنهم ضيوف لديكم يومًا، بل هم زوار لبعض غرف الدار الواحدة، وتطالب ببذل جهد كبير لتحقيق هذا الحلم.

 

اعتذار للعالم
واعتذر الأصم لشعوب العالم عن فترة الثلاثين سنة من الغياب القسري عن مساهمة الدولة السودانية بصورة حقيقية ومباشرة في تطور العالم، وتنمية الشعوب والدفع بها نحو الرفاه وتمام الحقوق وسعادة الإنسانية،
وقال: “نطلب منكم فقط التعامل باحترام مع الشعب السوداني فهو شعب قدم تضحيات كبيرة ليلحق بركب المدنية والحضارة والتطور وله أن يجد تقديرا استحقه فهو الذي قدم الدرس تلو الدرس في السلمية واللاعنف والنضال المشترك من أجل الحقوق، ونستحق أن تتعرفوا علينا من جديد فنحن أهل لذلك”

 

رسالة للعرب
وكشف الأصم في رسالته للمحيط العربي والإقليمي عن تلقيهم رسائل تضامن من الشعوب العربية للثورة السودانية، ولفت لإرث السودان العربي الذي يعتز به في هذا المضمار، وقال إن الثورات السودانية مَعْلمٌ بين الشعوب منذ ستينيات القرن الماضي، وأن الثورات العربية استفادت مما صنعناه من ثورات قبل عقود، وأنهم وجدوا الكثير مما نفعهم من ثورات الربيع العربي وحيا تضحيات الشعوب العربية من أجل التغيير، واستدرك بأنه بالرغم من المؤمرات والدسائس والمكر اجتازوها، واتهم تلك الأطراف بإعاقة التغيير في السودان، وقال: “إن شعبنا لا ينسى من وقف معه وسانده ولكنه كذلك سيذكر كل من وضع له العراقيل”، وتمسك الأصم باستمرار العلاقة الأزلية مع الدول العربية شريطة أن تكون المصالح المشتركة مرتكز علاقاتنا، وأضاف: “فنحن أهل السودان ما زارتنا الذلة والمهانة إلا لأن النظام البائد، نظام البشير، كان يقدم كرامتنا قربانا مقابل سلامته ولاستمرار حكمه. اليوم نحن لم نعد في حاجة لتقديم القرابين بل نحن في حاجة للدعم الخالص الخالي من كل غرض من كل من يهمه أمرنا”، ونوه أن الشعب السوداني خرج من مرض عضال وهو في مرحلة النقاهة استطال أمده، وبعد الشفاء سيسترد السودان بشعبه الحكيم موقعه الطبيعي كدولة مستقلة، واستعادة المنزلة بين الأمم، وطالب الدول العربية بالاعتراف باستحقاق السودان باسترداد كرامته واستقلاله كاملا دون نقصان.

 

أرضا سلاح
وأرسل الأصم رسائل خاصة في بريد حركات الكفاح المسلح، وأشار لمساهتهم بالثورة الحالية، وأنهم أحد أسباب نجاح الثورة السودانية، وأن الثورة لم تبدأ منذ ديسمبر الماضي، وأنهم كانوا مساهمين بحق أصيل في النضال بالدماء والدموع، وأقر بحقهم في الحياة وتحقيق المواطنة المتساوية، والتنمية المتوازنة.
وأكد إن السلام أولويتهم رغم الحرب خيار اضطراري بالنسبة لهم وتعهد بالعمل على إنصاف من عانوا من ويلات الحروب، في جبال النوبة ودارفور والنيل الأزرق، وتحقيق العدالة العدالة والمساواة لكل السوادنيين، وشدد على أنه لا بديل للسلام الشامل المرضي إلا السلام، وطالبهم بإلقاء السلاح أرضًا.

 

مواصلة درب النضال
وختم الأصم رسالته لتحالف قوى الحرية والتغيير، وطالبهم بمواصلة العهد الذي قطعوه، وإكمال طريق الثورة، وذكرهم بالمصاعب التي مر بها التحالف، ولكنه قدرهم ويجب أن يكملوه، وأن طريقهم جميعا واحد، وطالب بإكمال مسيرة درب ما أنجزوه معًا، وإن أصابوا النجاح فهذا خير سيعم البلاد كله، وحذر من الاستسلام في مواجهة التحديات وإلا الفشل سيكون مصيرهم، وطالب بضرورة تقويم وإصلاح الأخطاء.

 

خطاب موفق
وعد الخبير الدبلوماسي السفير الرشيد أبو شامة أن القيادي في تجمع المهنيين د. محمد ناجي الأصم موفقا في كافة الرسائل التي أرسلها خاصة للداخل قبل الخارج، وعكست كلمته الأخلاق والقيم السودانية في المقام الأول، ومن بين الرسائل الإيجابية هي إقامة دولة العدل والقانون وعدم الانتقام من رموز النظام البائد، وأنهم سيقدمون لمحاكمة قانونية وعادلة وعلنية، ودون تشفٍ وانتقام، وأن هذه الرسائل بالذات ستعطي انطباعًا للغرب أن النظام الجديد يسير نحو دولة تحترم حقوق الإنسان، وأكد أن المجتمع الدولي يتأثر ويضع اعتبارًا وجدية لمثل تلك الخطابات.

 

العلاقات الندية
ورأى أن الرسالة ألاهم بالنسبة له كانت لأطراف الأزمة الخليجية، وأن العهد الجديد سيكون مختلفًا، وأن السودان لن يسير على نهج المخلوع وقال لـ(الجريدة): “الأصم شدد على أهمية استقلال قرار السودان الوطني وعدم ارتهانه للمحاور في سبيل الارتزاق و(الشحدة) من الدول مقابل شراء مواقف سياسية، وان السودان يريد اقامة علاقات ذات طابع ندي معه ولن يقبل بانتهاك سيادته والتبعية لأي محور”.

 

حقبة جديدة
وأكد أبوشامة أن الرسالة التي وجهها الأصم لجمهورية جنوب السودان جانبها الكثير من الصواب وبها الكثير من الإيجابية، وتمثلت رسالته أنهم يريدون إزالة الإرث الثقيل للنظام البائد في التعامل معهم كمواطنين قبل الانفصال وبعد استقلالهم كدولة، وحرص على تحميل النظام البائد مسؤولية الانفصال، وأن الشعب السوداني عانى مثل الشعب الجنوبي السوداني منه، وأشار إلى أن الخطاب سيكون بداية لتهيئة البلدين لمرحلة جديدة من التعاون، وتدشين علاقات قائمة على التعامل الأخوي وحسن الجوار.

 

استحقاق السلام
وذكر أبوشامة أن الأصم أشار لنقطة مهمة جدا تصب في استقرار السودان وهي تحقيق السلام الشامل، وأنه حرص على مد يده بيضاء للحركات الحاملة للسلاح، وجدد تمسكه بهم بأنهم شركاء في المرحلة القادمة، وأنهم جزء من الثورة، وتعامله مع السلام كاستحقاق مكمل للتحول الديمقراطي، سيسهل الحوار مع الحركات المسلحة.

 

الكاريزما والرؤية الثاقبة
ووصف الباحث الجنوب السوداني بمركز دافرستي باطومي أيول، الأصم بصاحب الرؤية الثاقبة نحو السودان وجنوب السودان بصفة خاصة وأفريقيا بشكل عام بالإضافة إلى امتلاكه الكاريزما.
ووصف أيول خطاب الأصم بالشامل والموضوعي، وأنه من خلاله وجد كل سوداني ما يليه، وأكد أن الخطاب أثلج حتى قلوب الجنوب سودانيين، واعتبر أبرز ما ورد في كلمة الأصم اعتذاره للمجتمع الدولي، وأن ممارسات النظام البائد لا علاقة لها بالشعب السوداني.

وتوقع أيول بأن الخطاب سيكون له انعاكاسات إيجابية في السياسة الخارجية السودانية على المنطقة العربية، واستدرك متوقعا بنشوء توجه جديد للسياسة الخارجية للسودان بالاستدارة نحو قارة أفريقيا، وقد يعيد هذا الصراع من جديد حول هوية السودان عربية أم أفريقية، ولكنه سيقدم دفعة جديدة للشعب السوداني، وقال لـ(الجريدة) : “الأهم في تقديري أن الخطاب عبر عن نقطة أهم في تقديري هي تحقيق الوحدة الوطنية بين مكونات الشعب السوداني باختلافاته وتنوعه وأعتقد أنه بكاريزمته التي ألقاها فهي تتشابه تماما مع شخصية أبي أحمد”، ودعا الباحثين في السودان بتفكيك خطاب الأصم ودراسته وتحليله، وإنزاله كرؤية شاملة لكل المهتمين بالشأن السوداني.

 

 

حاتم درديري
صحيفة الجريدة