عبدالرحمن عمسيب: حمدوك خيار “النخبة”
في الأساس وعندما نقدم نقدنا للنظام الرأسمالي المتوحش فأننا نقدم نقدنا للحضارة التي يبنيها للمجتمع الذي ينشاً وفقاً لهذه المفاهيم ، كيف ننظر للأنسان ؟ لحاجياته الأساسية ؟ لخياراته حول كيف يحكم ؟
عندما نتكلم عن الليبرالية الجديدة فنحن نتكلم عن فلسفة للحياة ، فلسفة لنظام يعيد تشكيل العالم والمجتمعات وتمثلاتها السياسية و صيغ علاقة الفرد بالمجتمع لتكون دون أدنى مسؤولية ، أنها فلسفة تعيد تعريف الأنسان كغرض ، كسلعة .
عندما لا نقيد توزيع الثروة في هذا المجتمع فأننا نقضي وبصورة مباشرة علي الديموقراطية ، كلما أتسعت مساحة الديموقراطية كل ما كان الناس قادرين علي التعبير عن مصالحهم والوقوف حول من يمثلها ، الأفتراض الذي تبنى عليه الهيمنة ببساطة أن أنتظم المعوزون والفقراء في كيانات تطالب بأعادة توزيع الثروة فهم يمكن أن يسلبوا الأغنياء ثرواتهم والسلطة التى أرتبطت بها ، ومن هنا ، ومن هنا فقط تبدأ عملية هيمنة الأثرياء على النظام الديموقراطي بتجريده من معناه وتحويله الى مجرد تصويت شكلاني لا يغير جذرياً في بنية المجتمعات ولا في توزيع السلطة والثروة فيها ..
في هذه البلد فأن المعارك تخاض بطريقة خاطئة كلياً ، الفقر لا يميز بين نوباوي أو بجاوي ، وما يجمع نوباوي فقير وشايقي فقير أكثر مما يجمعها مع أخرين من أبناء جنسمها من طبقة أجتماعية أخرى ، قد تلجأ النخب التى تبني هذه الخطابات الى هذه “الأيدلوجيات ” ، الأيدلوجيا كوعي زائف أو تفسير مضلل لحقيقة الصراع بين قلة قليلة تملك وأغلبية تأكل مع الكلاب ، لأنها أقدر على تفسير التفاوت بالنسبة للبسطاء ، رمزية اللون والعرق أكثر سهولة لصبي يغسل السيارات في ضاحية كافوري ، ولأنها قد تمثل سلم صعود سريع ، جبريل أبراهيم كمثال يريد أن يحجز مقعداً في المجلس السيادي ، هو يملك رؤية سياسية لما يجب أن تكون عليه المحاصصة ، في المقابل هو يقول أنه يحفل باللاجئين لكنه لا يملك رؤية لحل أزمة اللاجئين تأبطها وهو يدخل ليقابل وفد قحت ، هذه من جهة ، من جهة اخرى أن كنت بأستمرار تقوم بتشخيص المرض بصورة خاطئة فأن العلاجات التي ستستمر بصرفها لن تكون ذات قيمة ولا فائدة ، بل ستكرس لتمدد المرض وتطبيعه .
نعود الى التلاعب بالديموقراطية ، عندما يجتمع أمثال الأصم ومدني والبرهان وياسر العطا ..الخ في منزل أنيس حجار أو يلتقون وفقاً لمبادرة من أسامة داؤود فان هولاء الرأسماليين يضعون أنفسهم ومصالحهم في قلب اللعبة السياسة ويضمنون أن الحكومة الجديدة لن تتبنى سياسات يمكن أن تضر بهم ، ولكن كيف يمكن للحكومة أن تتبنى سياسات تضر بالرأسماليين أمثال أسامة داؤود ؟
بالنسبة لي فان نموذج دولة الرفاهية الذي تبنته امريكا المنتصرة في الحرب و تخلت عنه أيام ريغان لتتبنى الرؤية الفريدمانية ، أو النظام الشائع في الدول الأسكندنافية و القائم علي مجانية التعليم ، و العلاج ، و توفير الفرص ..الخ هو ما يمكن أن يصنع معادلة صلبة تمنح أسامة داؤود ربحاً معقولاً دون أن تجعل من محمد أحمد غير قادر على أطعام أطفاله .
لكن المشكلة في الأساس أن أسامة داؤود قادر على الوصول الى المشرعين ، قادر على التأثير على واضعي السياسات الأقتصادية في البلد ، قادر على تحسين صورته في الأعلام عبر تقديم رشى في شكل وظائف و تكريمات و أحتفاءات بمثقفين معروفين في ما يسميه هو بأقسام المسؤولية الأجتماعية في شركاته ، مثقفين أمثال القدال .. أنا محمد أحمد فأنه غير قادر على ذلك ..
لذا فعندما تجتمع لجنة ما في البرلمان “المفترض ” لتجادل حول مشاريع قوانين فرض ضريبة ما أو حول مقترح تشريع لضرائب تصاعدية أو لحد أدنى للأجور أو لتقليل ساعات العمل اليومية ، او لمناقشة بدل السلامة الأشعاعية لموظفي أقسام الأشعة ..الخ فأنها تضع على رأس أولياتها مصالح الرجل الذي يمكن أن يوزع الخدمات و الظروف ، الرجل الذي يمكن أن يمنح تسهيلات أو توكيلات ، الرجل الذي يقدم الدعم بمليار جنيه في 2015 لدعم الحزب الحاكم في الانتخابات ، و هو كتاجر و عندما يقدم هذه المبالغ فهو يعلم أنها ستعود بأرباح كبيرة في شكل مصالح ..الخ
على الجانب الأخر فأن محمد أحمد سيستمر بالتصويت لحمدوك أو لغير حمدوك وفقآ لما يتم الترويج له بكثافة من النخبة .. لأن هذه النخبة المتواطئة لا تحفل بأن تخبر محمد أحمد بأن حمدوك قادم و هو يحمل وصفة ستبعد الدولة عن السوق ، في الأساس فأن أبعاد الدولة عن السوق هو مطلب الشركات متعددة الجنسبات الأول ، مطلب لوبيهات المال و الأعمال أصحاب الصوالين التي تقدم دعواتها للصحفيين و الكتاب ، المعلنيين في القنوات في الاساس هم هولاء الناس و هم يقررون كم أعلاناً سيبث عبر قناتك وفقاً لتعبير قناتك عن مصالحهم ، مثلاً أنت لن تشاهد أعلاناً تجارياً على قناة الميادين ، لا رأسمالي يريد أن يربط نفسه بنفس مقاومة أو نفس معادي للهيمنة .
قلت لكم من قبل أن هذه الثورات الليبرالية تسعى لتغيير المؤسسات لا لتغيير النظام الأجتماعي ، و أن هذه النخبة جعلت قضاياها على رأس القضايا المطروحة ، حولت الأحتجاج من “خبزاو ” الى “مدنياو ” .. حولت حكومة مستقلين الى حكومة “حزبيين ” .. عندما يتعلق الأمر بالسلطة فان النخبة تتحدث بلغة ” تسليمها فوراً ” ، أما الفقراء الذين خرجوا في الأساس لأجل الخبز أولوياتهم تراجعت الى الخلف ، و عليهم الصبر .
الأن على مرأي و مسمع من الناس فان السياسة و الاتفاقيات تتحول الى شئ سري ، ليس على الشعب أن يعرف تفاصيله ، ليس عليه أن يعرف ما سيأتي حمدوك ليفعله ، حمدوك الذي و عندما سأل عن الأقتصاد فأنه لم يقل شيئاً ، و أكتفى بترديد كلمة أقتصاد ” براغماتي ” ، أنا أعرف جيداً أي أقتصاد براغماتي يقصد حمدوك ، و لكن شعبنا لا يعرف و عبر الأعلام الموجه فأنه لا يريد أن يعرف أثار هذه السياسات القادمة علي معاشه .
ختاماً _ كنخبوي _ ليس عليه أن يقلق بشأن الفيسبوك ، العالم الأن ملئ يشركات التلاعب بالفيسبوك و بالرأي العام ، شركات نجحت في توجيه الرأي العام في دول عظمي و مجتمعات لها أرث ديموقراطي عتيد ، هذه الحرب ليست عادلة لأننا نحتاج للناس كي نخوضها ، و في المقابل فأن الناس يريدون شيئاً مختلفاً .
عبدالرحمن عمسيب