الطاهر ساتي

المصائر ..!!


:: (30 أغسطس)، أي يوم غد الجمعة، هو اليوم العالمي للمفقودين أو الاختفاء القسري.. والمُراد بهذا اليوم هو لفت انتباه الرأي العام وتذكيره بمن ساقهم القدر إلى مصير مجهول، قد يكون سجنا أو منفى أو موتا.. لم نكن نهتم بهذا اليوم العالمي في بلادنا، ولكن لأن إحدى قضايا المرحلة هي اختفاء بعض الثوار منذ لحظة فض اعتصام القيادة العامة، فإن شباب تجمع المهنيين – ولجان الأحياء – أعدوا برنامجا حافلا لهذا اليوم، بحيث يشمل مخاطبات ومعارض وغيرها.

:: وكثيرة هي وقائع الاختفاء الغامض في العالم، وماتزال الوقائع هاجساً يؤرق بعض سادة السلطات الذين عاصروها وعجزوا عن حلها.. ورغم تقاعدهم عن العمل الشرطي والأمني مايزال يزعجهم عجزهم عن حل غموض اختفاء هؤلاء.. هم يرون بأن طي ملفات الوقائع تحت مسمى (الاختفاء الغامض) ليس حلاً، ولذلك يؤرقهم (تأنيب الضمير).. ولكن في عالمنا الثالث (والأخير طبعا)، لو اختفى نصف السكان – في ظروف غامضة – لما شعرت ضمائر السادة البكماء بأي تأنيب.. إذ هي ضمائر كالحجارة، وربما أشدّ قسوة.

:: وليسوا فقط ثوار ساحة الاعتصام، والذين سوف يشكلون حضورا في برامج الغد، بل هناك آخرين اختفوا أيضاً من حياتنا، ولم نعد نذكرهم كثيرا.. نعم، هناك وقائع اختفاء غامضة وذات مصير مجهول، وأن هناك أسر مكلومة، ونأمل أن تحظى قضيتهم باهتمام حكومة الثورة.. وعلى سبيل المثال، خرج الطالب محمد الخاتم، نجل المغفور له باذن الله موسى يعقوب، من منزل ذويه قبل عقدين ونيف، ولم يعد إليهم (حتى الآن).

:: لم تفصح السلطات عن سبب الإختفاء ومصيره، أعاده الله إلى أهله سالماً إن كان حياً، ويشمله برحمته إن كان في ميتاً.. لقد اختفى الخاتم، وظل والده يكتب عنه ويسأل عنه إلى أن انتقل إلى رحمة مولاه، وما تزال أسرة الخاتم تناشد السلطات لحل طلاسم هذا الاختفاء الغامض.. ومع محمد الخاتم، ما يزال اختفاء الشاعر أبا ذر الغفاري لغزاً يُحيّر العقول.. اختفاء الفرد – بأن يظل مجهول المصير مدى الحياة – يعكر صفو المجتمع بحيث لا يكون مطمئناً.

:: وإن كانت الأنظمة غير مطالبة بحماية كل فرد في المجتمع بالرقابة اللصيقة على مدار الساعة، فإنها مطالبة ببذل قصارى جهدها والعثور على أي فرد يختفي طوعاً أو إكراهاً، وهذا ما لم يحدث في عهد حكومة البطش والتنكيل.. وكذلك مطالبة الأنظمة بحل طلاسم أي اختفاء بحيث يطمئن المجتمع ولا يُسجل بلاغات اختفاء أفراده ضد المجهول، وهذا ما لم يحدث في عهد حكومة الإرهاب والتطرف.. وقد بلغ عُمر اختفاء بروفيسور عمر هارون سبع سنوات.. وما يزال هذا الاختفاء يُؤرق المجتمع.

:: أعاده الله سالماً، ورحمه إن كان ميتاً، لقد خرج البروف هارون عصر جمعة – قبل سبع سنوات – ليمارس رياضة المشي، ولم يعد إلى منزله (حتى الآن).. فمع السؤال عن مكان وأحوال من فقدناهم يوم فض الاعتصام، يجب السؤال أيضا عن مكان وأحوال من فقدناهم في عهد النظام المخلوع.. فالدولة الآن (مدنية)، ومساحة الحرية والشفافية فيها بحجم الوطن، ويصبح مؤسفاً للغاية لو تم طي ملفات المفقودين دون معرفة مصائرهم.

إليكم _ الطاهر ساتي
صحيفة السوداني