تحقيقات وتقارير

مجلس وزراء الثورة.. مطلوبات وأولويات

بعد تسمية الوزراء في حكومة حمدوك مساء أمس الأول، ومن ثَمّ أداء القَسَم إيذاناً ببداية الفترة الانتقالية عقب شد وجذب حول قائمة أسماء الطاقم الوزاري من قبل لجنة الترشيحات ورئيس الوزراء.. تبرز العديد من المطلوبات المُلّحة والتحديات والمهام الصعبة التي تعترض طريق الوزراء الجدد غير المفروش بالورود.. (السوداني) استفسرت خبراء عن أولويات وزارات مجلس الوزراء والمطلوبات المُلحة من كل وزارة.

القطاع الاقتصادي
تمثل وزارة المالية رأس الرمح في العمل الاقتصادي والتي تسبّبت في الإطاحة بالبشير عقب فشلها في إدارة المهام المُوكلة إليها والمُتمثلة في الإيفاء بفواتير الحاجيات الأساسية للسودانيين غذائهم، وقودهم ودوائهم.
ويقول الخبير الاقتصادي محمد الناير في حديثه لـ(السوداني) إنّ القطاع الاقتصادي في السودان عُمُوماً لا ينفصل عن بعضه ولا يُمكن النظر لوزارة دُون الأخرى، مُشيراً إلى أنّ القطاع الاقتصادي مُحاصرٌ بتحديات أولها يتعلّق بوزارة المالية، بدايةً بوجود التخطيط الاقتصادي مع الوزارة، ما يَحرمها من جُهُود التّخطيط الحقيقي نسبةً للاجتهاد حول تحصيل الإيرادات وجمعها لمُقابلة الإنفاق العام على الدولة وترتيب أولويات الصرف.. محمد يشير كذلك إلى أنّ الأهمية تبقى في إقرار ميزانية برامج حقيقية بدلاً من ميزانية البنود التي كانت سَائدةً، حيث يمثل الأمر تَحدياً ينتظر عبوره بدءاً بميزانية 2020، فَضْلاً عن تحدٍ آخر يتمثّل في النقد الأجنبي والحُصُول عليه لمُقابلة احتياجات البلاد ما يحتاج إلى سياسات تحفيزية في البداية لجلب مُدّخرات المُغتربين، بالإضافة إلى سياسات وإجراءات بوزارات أُخرى تُتيح للسودان الاستفادة من المِنَح والقُرُوض الخارجية.
الناير يشير إلى تحدي تهريب المعادن، مُبيِّناً أنّ إنتاج البلاد من الذهب يتجاوز الـ250 طناً يُهرّب جُلّه، فضلاً عن وجود اسم السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب وهو ما يتسبّب في عزلة النظام المصرفي السوداني ومنع البلاد من إعفاء الدَّين الخارجي رغم استيفائها للاشتراطات الفنية الخاصة بذلك، وأيضاً حرمانه من الحصول على تمويل ومِنَح خارجية.

الدفاع
ثمّة تحدياتٍ كبيرة تنتظر وزارة الدفاع خلال الفترة الانتقالية، ومطلوبات تبدأ بحسب الخبير الأمني، إسماعيل مجذوب بملف السلام الذي تمّ تخصيص فترة الأشهر الستة الأولى من عُمر الفترة الانتقالية لإنجازه، فيما يلي اتفاقات الترتيبات الأمنية، وكذلك ما يُمكن أن تقدِّمه مُؤسّسات الدولة السيادية في التفاوُض مع الحركات من موقفٍ داعمٍ للعملية السلمية.

اللواء المُتقاعد يُشير في حديثه لـ(السوداني) إلى تحديات أُخرى تتمثل في كيفية إعادة هيكلة القوات النظامية، وبالأخص في المُؤسّسة العسكرية عبر إعادة العمَل بنظام هيئة الأركان العَامّة، وتنظيم القوات التي تَحمل السِّلاح لتكون تحت قيادةٍ واحدةٍ، وقبل ذلك إسهامها في الحِفَاظ على الديمقراطية ِرفقة قِوى الثورة.

الداخلية
وأوضح مجذوب أنّ وزارة الداخلية كذلك مُحَاطَةٌ بتحدياتٍ تتطلّب بدايةً إعادة الثقة وتغيير الصورة الذهنية لدى المُواطن بعدما تنامى الإحساس خلال أشهر الثورة الأولى بأنّها أحد أذرع القمع التي يستند عليها النظام البائد أُسوةً بجهاز الأمن الذي ينتظره خوض التحدي هو الآخر عبر تغيير الفكرة السائدة، مُبيِّناً أنّ الجهازين تنتظرهما مَهامٌ كَبيرةٌ في الحفاظ على الأمن الداخلي وكيفية التّعاوُن فيما بينهما لبسط الاستقرار.. مجذوب يؤكِّد أنّ الشرطة أحد أركان العدالة التي يبحث عنها الثُّوّار، مُبيِّناً أنّ من التحديات التي تنتظرها العمل بهِمّةٍ في تثبيت أركان العدالة عبر تحريات وتَحقيقات تُساعد في إشاعة القانون وتَطبيقه على الكل والوُصول إلى الحَقيقة مَقرونةً بالجاني وعدم التقييد ضد “مجهول”.

الخارجية
النظام البائد ومنذ سني حكمه الأولى، بدأ في رسم علاقات أفسدت الوُد بين السودان وكثيرٍ من الدول، بدايةً من جواره وانتهاءً بالعالم الذي قَطَعَ أوصال مَا يَربطه بالبلاد ووضعه في رُكنٍ قصي وعَزل نظامه وأرهقه بالعُقُوبات، وهو ما يشغل بال أهل البلاد عقب نجاح الثورة التي يتطلّع بعدها السودانيون لفتح صفحةٍ جديدةٍ تبدأ بإعادة رتق ما أفسده النظام المعزول.
ويقول القيادي بقِوى الحُرية والتّغيير بابكر فيصل في حديثه لـ(السوداني)، إنّ أكثر ما يشغل بال الحكومة الجديدة هو إعادة التوازن في علاقات البلاد الخارجية، وبنائها من منطلق المصلحة العُليا للبلاد وإخراجها من العُزلة التي وضعها فيها نظام البشير بشكلٍ يسهم في عودة السودان إلى مُحيطه الأفريقي والعربي وإعادة تسويقه دولياً بعيداً عن الارتماء في صراع المَحاور والاستقطاب الذي يشهده العالم.. بابكر يؤكِّد أنّ نجاح الدبلوماسية السودانية الحقيقي يتمثل في وقوف السودان على أرضيةٍ مُستقلةٍ ومُحافظة تسهم في شطب اسم البلاد من قائمة الدول الراعية للإرهاب، مُنوِّهاً إلى أنّ هذا لن يتأتى إلا من خلال علاقة قوية وراسخة مع الجوار والمُحيط والتي أفسدها نظام البشير.

العدل
ويبقى الملف العدلي من شواغل السُّودانيين التّوّاقين لسيادة دولة القانون، مَا يضع الوزارة المُنوط بها تحقيق العدل تحت الضوء وفقاً لارتباطها بالتحقيق المطلوب من قِبل الشارع، وقبل ذلك من أهل العدالة في الأحداث التي شهدها الاعتصام التي أقرّتها اتفاقية “ق ح ت” والعَسكر.
ويُوجز الناشط الحُقُوقي والمحامي هيثم الزين، أولويات الوزارة خلال الفترة الانتقالية في ترتيب البيت الداخلي وإعادة الهيكلة نتيجةً للتدجين الذي تعرّض له الوزراء والغزو من النظام البائد ومنسوبيه، إضَافَةً إلى الشروع الفوري في التّحقيق النّزِيه والشّفّاف عن الأحـداث التي عَاشتها البلاد خلال عملية فَضّ الاعتصام والوُصول إلى الجُناة والمُتورِّطين في إراقة دماء السودانيين، فَضْلاً عن مُراجعة كل العقود والامتيازات التي أبرمها النظام المعزول مع الشركات المحلية والأجنبية في كل المجالات، ومعرفة كيفية إبرامها ومُواءمتها للأُطر القانونية، ومُراعاتها للمصلحة العامة وتماشيها مع القوانين.. وأخيراً الشروع بالتحقيق في الجرائم المُرتكبة خلال العهد الماضي وجرائم الفساد والاختلاسات.

الإعلام والثقافة
كان الجدل دائراً حول جدوى وزارة أو مجلس أعلى يختص بالعملية الإعلامية والثقافية بالبلاد، خلال التّصوُّرات التي وضعتها قِوى الثورة السودانية للفترة الانتقالية، قبل أن يقدم رئيس الوزراء على الدفع بِمُقترح ترفيع المجلس لوزارة، أولى أولوياتها طبقاً لمُراقبين، هيكلة وإصلاح مُؤسّسات الإعلام الحكومي “التلفزيون القومي، الإذاعة القومية ووكالة السودان للأنباء”، كضرورةٍ حتميةٍ، حيث أنّ القناة القومية في أمسّ الحاجة لإصلاحات تَمنحها قَدراً من المهنية والمَوضوعية، وكذلك وكالة الأنباء الرسمية التي أضاعت فُرصة أن تكون مصدراً لأخبار الثورة السودانية، لكنها اختارت ارتداء عباءة النظام البائد والاهتمام بالجانب الحكومي.. فالإصلاح لا بُدّ أن يجعل الأجهزة للشعب وتُعبِّر عنه بدلاً من تعبيرها عن الحكومات، وأيضاً من تحديات الوزارة الجديدة، تقديم العَون للصحف ومنحها صك الاستمرار في ضَوء المُعاناة الاقتصادية التي تُهدِّد عرش الصحافة السودانية بالزوال، إضافةً إلى الوضع في الاعتبار الإعلام الجديد خُصُوصاً بعد ما أقرّته الثورة السودانية.
وإن كانت الثورة السودانية قد استطاعت أن تنتزع للإعلام حُريته وأقرّتها في الوثيقة الدستورية المُوقعّة بين “ق ح ت” و”العسكر”، إلا أنّ مطلوبات تبرز من قِبل المُهتمين بأمر الثقافة، أولها إلغاء قانون المُصنّفات الأدبية الذي تَسَبّبَ في إعاقة العمل الثقافي وتقدُّمه، بحسب الكاتب والشاعر حاتم الكناني، مُبيِّناً أنّ الحكم على العمل الثقافي ليس من مهام الحكومة، وإنّما من مهام المُجتمع الذي من حقه المنع والانتقاد والإزالة لكل ما لا يتماشى وقيمه، مُبيِّناً أنّ ذلك ليس من مهام الحكومة مُمثلةً في وزارة الثقافة، التي ينبغي عليها تهيئة الدور الثقافية ورعاية العمل الثقافي وليس القيام بدور الرقيب.

الخرطوم: شهدي نادر
صحيفة السوداني