بعد اكتشاف احتفاظ البشير بملايين الدولارات .. هل يمكن منع تكرار ذلك في السودان الجديد؟
فتحت التقارير التي تداولتها وكالات الأنباء ووسائل الإعلام، ضمن تغطية أحدث جلسة، من جلسات محاكمة الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير، الباب من جديد على نقاش حول الفساد المالي، الذي كان موجودا بالسودان في عهده، وهل سيتمكن هذا البلد في مسيرته باتجاه حكم مدني، من التخلص من هذا الإرث وإرساء نظام للمحاسبة، يشمل رأس هرم السلطة للحيلولة دون تكرار ذلك.
وكانت وكالة رويترز، قد نقلت تفاصيل جلسة المحاكمة هذه، والتي انعقدت السبت السابع من أيلول/سبتمبر، وتناولت حيازة البشير لملايين اليوروهات والدولارات، في غرفة بالقصر الرئاسي.
ووفقا لرويترز فإن ياسر بشير، آخر مدراء مكتب الرئيس المعزول، والذي يمثل للمحاكمة، بصفة شاهد دفاع، قال للمحكمة إن البشير أعطاه أكثر من عشرة ملايين يورو نقدا، في الأشهر الأخيرة من حكمه، لتسليمها إلى أطراف مختلفة.
واضاف المدير السابق لمكتب البشير في شهادته، بأن الرئيس كان الشخص الوحيد الذي يحمل مفتاح الغرفة، التي عثر بها على ملايين اليوروهات داخل القصر الرئاسي، مشيرا إلى أن الرئيس السابق منحه ذات مرة خمسة ملايين يورو، لتسليمها لنائب قائد قوات الدعم السريع، عبد الرحيم حمدان دقلو.
وكان رئيس المجلس العسكري الانتقالي عبد الفتاح البرهان، قد أعلن في إبريل الماضي، عقب الإطاحة بالبشير وإيداعه السجن أنه تم العثور على ما قيمته 113 مليون دولار، من الأوراق النقدية بثلاث عملات مختلفة في مقرّ إقامة البشير بالخرطوم.
وفي واحدة من جلسات محاكمته في نفس القضية، اعترف البشير بأنه تلقى نحو 25 مليون دولار من مسؤولين سعوديين، وقال” تلقى مدير مكتبي حاتم حسن بخيت اتصالا من مدير مكتب الأمير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة العربية السعودية بأن لديه رسالة سيرسلها بطائرة خاصة”. وأضاف البشير “أبلغنا بأن الأمير لا يريد لاسمه أن يظهر في هذه الأموال”.
وتشير عدة تقارير إلى أن السودان، كان قد عانى من الفساد المستشري في عهد البشير، وقد جاء في المرتبة 172 بين 180 دولة، وفق “مؤشّر مدركات الفساد”، الذي تعدّه منظمة الشفافية الدولية، وكان النائب العام السوداني المكلف وليد سيد أحمد قد أصدر قرارات سابقة، بأنشاء نيابة لمكافحة الفساد، وإحالة كل الدعاوى الجنائية التي كانت تباشرها نيابة أمن الدولة إليه، بعد تكشف حجم الفساد المالي في عهد البشير.
وكان أعضاء بائتلاف قوى الحرية والتغيير، الذي قاد الحراك الأخير في السودان، قد أكد مرارا على أن الأولوية بالنسبة للسودانيين في المرحلة الجديدة، هي مكافحة الفساد ومحاسبة من تورطوا به، خلال حكم الرئيس السوداني المخلوع، وهو ما يمثل التحدي الأكبر أمام الحكومة السودانية المشكلة حديثا، والتي تعتبر إصلاح الأوضاع الاقتصادية، مهمتها الأولى والرئيسية.
ولا يبدو ما تكشف خلال محاكمة الرئيس السوداني المخلوع عمر حسن البشير، في تلك القضية جديدا، إذ أنه وبعد نجاح الثورة التونسية وهروب الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي من البلاد في يناير 2011، بث التلفزيون الحكومي في تونس شريطا مصورا، أظهر العثور على ملايين من الدولارات واليورو والألماس، في مخابئ سرية خلف ستائر وصور كبيرة، في قصر الرئيس الواقع بضاحية سيدي بوسعيد المحاذية لقرطاج.
كما أن كثيرا من المختصين بقضايا الشفافية والحكم الرشيد، يرون أنه لا يوجد نظام قضائي لمراقبة ومحاسبة رأس هرم السلطة، في معظم الدول العربية، فيما يتعلق بالاستيلاء على المال العام، على غرار ما هو موجود في عدة ديمقراطيات غربية.
BBC