تحقيقات وتقارير

المملكة المزعومة

آثار الإعلان عن دولة وليدة بين مصر والسودان تحت مسمى الجبل الأصفر جدلا واسعا في الأوساط المصرية فما هي حكاية هذه المنطقة وماالهدف من الإعلان عنها بهذه الطريقة وفي هذا التوقيت؟

آثار إعلان سيدة لبنانية من أصل سعودي عن ولادة دولة عربية جديدة باسم “مملكة الجبل الأصفر” بين السودان ومصر لغطا شديدا وجدلا واسعا وأسئلة كثيرة في الأوساط المصرية، عن مدى صحة ما تناولته السيدة في مؤتمر بمدينة أوديسا الأوكرانية قبل يومين – وفق ماتم الترويج له في فيديو على وسائل التواصل الإجتماعي- . ورغم أن الإعلان عن قيام هذه المملكة المزعومة مازال حبيس مواقع التواصل الإجتماعي، إلا أنه أثار مخاوف وتساؤلات حول أهدافه وعلاقته بالأمن القومي للمنطقة، ففي الوقت الذي قلل فيه البعض من أهمية الإعلان وتناوله مغردون بشيء من السخرية، دعا آخرون للتعامل معه بجدية، وفسره البعض وفق نظرية المؤامرة، قائلين إن الإعلان يأتي ضمن صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية واللاجئين الفلسطينيين في لبنان وسوريا.

أصل الحكاية
تقع مملكة الجبل الأصفر المزعومة بين مصر والسودان، حيث تبلغ مساحة تلك المنطقة 2060 كيلو متر مربع، وهي منطقة موجودة بالفعل من فترة كبيرة ولكن لم يهتم بها أحد، وجاء هذا الإسم بسبب وجود جبل كبير هناك باللون الأصفر، وبالرغم من الإعلان رسمياً عن مملكة الجبل الأصفر بهذه الطريقة (العشوائية)، إلا أن الحكومتين المصرية والسودانية لم تلقي بأي تصريح حتى الآن، وربما يعود ذلك لعدم إهتمام القاهرة والخرطوم بهذا (الهراء)، رغم وجود سامح شكري بالخرطوم أمس (الإثنين) وكانت سانحة للرد من الجانبين عن هذا الموضوع المثير للجدل إلا أنه لم يتم اثارته حتى في أسئلة الصحفيين.

بعدا أكبر
الموضوع أخذ بعدا أكبر من الإعلان عن دولة على لسان سيدة في مؤتمر بفيديو لم يوضح بدقة مدى صحة إعلانها في مؤتمر دولي حقا أم لا، فقد تمت الدعوة أيضا لمن يرغب في أخذ جنسية المملكة المزعومة بالانتقال الي مملكة الجبل الإصفر وأن ذلك لم يكن صعباً نظراً لطلب أوراق رسمية يعلمها الجميع كما أن الأولوية سوف تكون لأصحاب المهن والمُتعلمين لإحتياج المملكة لهذه الموارد البشرية لإقامة دولة متكاملة تهتم بالإقتصاد الداخلي والخارجي، وأن المتعلمين من الأطباء والمدرسين والمحاسبين سيكون لهم إحتياجهم الخاص الذي يعلمه الجميع.

بئر طويل
تعرف المنطقة بـ (بئر طويل) وهي متاخمة لمثلث حلايب وشلاتين وكان قد أثير موضوعها بشكل ساخر من قبل منذ 6 أعوام باعلان مواطن امريكي يدعى (جيرميا هيتون) نفسه ملكا للمنطقة ورفع علم عليها وقال أنه يهديها لإبنته لكي تكون أميرة عليها، وقتها لم يتفاعل أحد مع هذا الموضوع، وأخذه البعض على أنه نوع من الفكاهة والجنان، إلى أن تفاجأ الخبراء بالأمس باثارة هذه الموضوع على نطاق واسع. وأثرنا في (اليوم التالي) عدم التعاطي منذ البداية معه لعدم إنتشاره وتعميقه ليضاف إلى أرصدة الخلاف بين السودان ومصر، إلا أن إنتشار الموضوع بهذا الشكل الكبير ودخول قنوات إعلامية معروفة وخبراء معروفين في تاريخ العلاقة حتم علينا التحقق من الموضوع وعن أسبابه وعن الهدف الحقيقي خلفه وفي هذا التوقيت بالذات يشهد فيه السودان هذا التحول الكبير.

ليس مزحة
الدكتور أيمن سلامة خبير القانون الدولي الخبير المصري في القانون الدولي علق على هذا الموضوع لأحد البرامج التي تذاع في مصر على نطاق واسع قائلا إن الموضوع ليس مزحة ولا سخرية ولكنه أمر واقع منذ 7 أعوام تقريبًا، مشيرًا إلى أنها ليست أول مرة يتم الإعلان عن هذه الدولة، موضحا أن هذه المنطقة مساحتها 2060 كيلو مترا وتناهز مساحة دولة الكويت، لافتًا إلى أنها داخل إقليم السودان بموجب اتفاقية تعيين الحدود بين مصر والسودان عام 1899، مشيرا إلى أن القانون الدولي لا يعاقب أي شخص يعلن عن إقامة دولة طالما توفرت فيها شروط الدولة من الشعب والحكومة والسيادة والإعتراف الدولي في مرحلة لاحقة، ولفت سلامة إلى أن هذه المنطقة المزمع إقامة مملكة جديدة عليها متاخمة لمثلث حلايب وشلاتين وأبورماد، مشيرًا إلى أن شخصا سبق وأعلن قيام هذه الدولة ولم تتخذ حكومة الرئيس السابق عمر حسن البشير أي إجراء ضده.

حلايب على الخط
مازاد الموضوع سخونة ما كتبه هانئ رسلان رئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل بمركز الأهرام الإستراتيجي على صفحته بالفيس بوك قائلا بالنص أن: أى دولة لكى تقوم لابد أن تستوفى ثلاثة أركان وهى الإقليم ( الارض )، وشعب وحكومة ثم الاعتراف الدولي، وإعلان هذه المملكة يستند على أن منطقة بئر طويل تقع خارج الخرائط التى تتبناها كلا الدولتين مصر والسودان ، بسبب الخلاف حول خط السيادة ٢٢ درجة شمال الاستواء على استقامته، الذى تتمسك به مصر، والخط الإداري المتعرج الذى يتمسك به السودان ويعتبره خطا سياديا، وقد لا تكون هناك أي فرصة لهذه المملكة اذا حالت مصر أو السودان دون قيامها ، والوسائل المتاحة لذلك عديدة، غير أن إعلان هذه المملكة وما سبقها من قيام شخص أمريكى اسمه جيرمى هيتون ، برفع علم فى هذه المنطقة واعلنها مملكة وتوج ابنته أميرة عليها ، يقتضى سد مثل هذه الثغرات ، التى نشأت عبر استمرارية مشكلة حلايب، إن مصر تتمسك بمصرية حلايب والوقائع التاريخية تؤيد ذلك، و فى السودان تحولت هذه القضية لأسباب عديدة متداخلة الى قضية كرامة وطنية ، و أصبحت تشكل عائقا فى العلاقات المصرية السودانية وجرى التلاعب بها وتوظيفها فى هذا الإطار الى مستوى توصيف مصر بأنها دولة احتلال. فى الوقت الحالي وفى ظل التغيرات العاصفة التى تمر بها المنطقة، وفى ظل التهديدات التي تجابه السودان فى المرحلة الحالية، وتلك التي تحيط بمصر أيضا، وبالنظر إلى تغير الأوضاع فى السودان بعد ثورة ديسمبر المجيدة، والإطاحة بنظام الإخوان الذى الحق قدرا كبيرا من الأذى بالسودان أولا ، وبالعلاقات المصرية السودانية ثانيا، فإنه ينبغى شق مسار جديد فى العلاقات المصرية السودانية باتخاذ مبادرة قوية بالتوجه إلى وضع حد لأزمة حلايب نفسها .

التحكيم الدولي
ومن المعروف أن المطلب السودانى الأساسى فى هذا الإطار هو التحكيم ، فماذا لو قام الجانب المصرى جديا بالتفكير فى قبول التحكيم ، لإغلاق هذا الملف، وإنهاء عملية الالتباس الحالية فى العلاقات بين البلدين، التي تعاني من مفارقة كبرى تتمثل في هناك جهودا كبرى تبذل من طرق ومعابر حدودية وربط كهربائى ( الجانب المصرى أنجز نا يخصه بالفعل فى هذا المشروع ) ومشروع لربط السكك الحديدية ، ومصالح اقتصادية متبادلة ووشائج اجتماعية وأشقاء سودانيين مقيمين وزاىرين لمصر بالملايين ، فى الوقت الذى لا يتم ترجمة ذلك فى العلاقات بين البلدين بنفس المستوى ، وفى الوقت الذى تتراجع فيه مكانة مصر وصورتها فى السودان باطراد لأسباب عدة لا يتسع لها السياق ..هل يمكن أن نفكر خارج الأطر التقليدية التى لم تعد قادرة على ملاحقة التغيرات الهائلة التى تعصف بالمنطقة برمتها، ولن تترك شيئا على حاله، والتهديدات والتدخلات الإقليمية والدولية المتزايدة، والتى دمرت وخربت العراق وسوريا وليبيا واليمن ، وما زالت السبحة تكر. هل يمكننا أن نفكر فى إطار أوسع مدى، وأن ننتقل من رد الفعل إلى المبادرة، وأن ننتقل من الإستجابة البطيئة المترددة، إلى التحركات النوعية التى تمسك بزمام المبادرة وتمتلك رؤاها وتوظف ما لديها من طاقات وقدرات .. !!

دعوة جريئة
وبعيدا عن ربط رسلان حلايب بالجبل الأصفر المزعومة فان دعوة الخبير المصري في هذا التوقيت جريئة، وفسرها البعض على أنها قد تكون رغبة مصرية وأن القاهرة أرادت أن تثيرها في هذا التوقيت، إلا أن آخرون أكدوا أن دعوة رسلان (شخصية) وليس لها علاقة بالدولة، وتساءلوا عن رغبة مصر في التحكيم الدولي في حلايب في هذا التوقيت، مؤكدين عدم المصلحة في إثارة هذا الملف الآن وبهذه الطريقة، في وقت رفض فيه خبراء مصريون الحديث حول هذا الموضوع لعدم اقتناعهم بما تردد حوله، مؤكدين أن ما أعلن حول مايسمى بمملكة الجبل الأصفر ليس له ما بعده وأنه سينتهي عند هذا الحد، وقال عدد من الخبراء لـ (اليوم التالي) إن الإعتراف الدولي بهذه المنطقة المزعومة مرهون بقبول دول الجوار بها وهو من المستحيل حدوثه سواء من مصر أو السودان. ويظل السؤال قائما إلى حين نفيه بشكل قاطع على المستوى الرسمي بالبلدبن فهل مملكة الجبل الأصفر المزعومة حقيقة ستثبت الأيام واقعها على الأرض نهاية العام القادم كما أعلنت رئيسة وزرائها؟؟

القاهرة: صباح موسى
اليوم التالي