(وفقاً للقانون)
:: لمُعمر القذافي، عليه رحمة الله، أقوال ومواقف مُدهشة.. وعلى سبيل المثال، عندماً أعلن شباب ليبيا عن موعد ثورتهم ضده، خاطبهم بحماس: (أنا راح أطلع معاكم، علشان نبني ليبيا).. وعندما اشتعلت الثورة، وفقد القذافي السيطرة عليها، خاطب الشعب: (النسوان تطلع ولادها والرجالة يطلعوا ولادهم، علشان نسيطر على ليبيا).. هذا غير الخطاب الشهير الذي نصح فيه شباب الثورة بالجلوس مع ابنه – سيف الإسلام – ليحل قضاياهم.. هكذا ظل عقل القذافي يحدثه بأنه جزء من الثورة الليبية.
:: ويوم الخميس الفائت، كان لسان حال السادة بقوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين – كما حال القذافي – يظنون بأنهم يُمكن أن يكونوا جزءا من المواكب الغاضبة التي خرجت ضد نهج حكومتهم لعجزها في التعامل مع أحد أهم مطالب الثورة (العدالة).. لقد اجتهد السادة بقوى الحرية وتجمع المهنيين في تخدير الثوار بالشعارات والهتافات وبالكلام المعسول حول العدالة ومحاكمة رموز النظام والاقتصاص للشهداء، ولكنهم عجزوا حتى عن تغيير وكيل وزارة العدل، فخرجت مواكب الثوار ضد هذا العجز.
:: وربما هناك من يظن بأن السادة بقوى الحرية والتغيير هم صُناع مواكب الخميس الغاضبة، ولكن هذا الظن خاطئ.. فالمواكب صنعتها لجان الأحياء وسيرتها نحو القصر، بحيث تكون رسالة لحكومتهم.. وقادمات الأيام حُبلى بالمزيد من مواكب الغضب، ما لم تتحقق كل أهداف الثورة وغاياتها، والتي منها تحقيق العدالة في قضايا الشهداء وغيرها من ضحايا العقود الفائتة.. وكذلك هناك (أم القضايا)، وهي تفكيك دولة الحزب الذي كان حاكماً، ثم تأسيس دولة المؤسسات التي تقف على مسافة واحدة من كل الأحزاب والثقافات والأديان.
:: ولكن عندما يعجز الأستاذ فيصل محمد صالح وزير الإعلام والثقافة عن مدير القناة القومية، ثم يُصرّح بأن ليست من سلطاته إعفاء مدير التلفزيون، فإن هذا التصريح يكشف مدى صعوبة تفكيك دولة الحزب البائد وتأسيس دولة المؤسسات التي تطالب بها مواكب الثوار.. وللأسف، ليست سلطات وزير الاعلام والثقافة وحدها هي (المحدودة)، بل سلطات كل السادة الأعضاء بمجلس الوزراء لاتتجاوز مساحات مكاتبهم.. للأسف سلطاتهم محدودة، لأن قوى الحرية والتغيير ارتضت – حسب الوثيقة الدستورية – بأن تحكم البلد بقوانين النظام المخلوع.
:: فالمادة (16)، بالوثيقة الدستورية، تحدد سلطات رئيس مجلس الوزراء بالنص: (تعيين وإعفاء قادة الخدمة المدنية ومراقبة وتوجيه عمل أجهزة الدولة بما في ذلك أعمال الوزارات والمؤسسات والجهات والهيئات العامة والشركات العامة والشركات التابعة لها والمرتبطة بها والتنسيق فيما بينها وفقا للقانون).. ركزوا في عبارة (وفقا للقانون)، أخطر نصوص الوثيقة الدستورية.. وهذا يعني أن أي وزير لا يملك سلطة إدارة الهئيات والمجالس والصناديق التابعة لوزارته، بل هذه سلطة رئيس الوزراء فقط.. وللأسف حتى سلطة رئيس الوزراء ليست مطلقة، بل مُقيّدة بالقوانين التي تحكم الهيئات والمجالس والصناديق.
:: وكما تعلمون، لقد تم تفصيل قوانين الهيئات والمجالس حسب مقاس (التمكين).. وبوضوح، وفقا لقوانينها، فإن الهيئات والمجالس – وغيرها من الوحدات المتمردة على الوزرات – كانت تابعة للرئيس المخلوع شخصيا، وليس لرئيس مجلس الوزراء.. وعليه، يبقى السؤال المهم، والموجه لمن وقعوا على الوثيقة الدستورية: من يُمثل رئاسة الجمهورية في الوثيقة الدستورية؟ المجلس السيادي أم مجلس الوزراء؟.. لا تخدعوا الثوار، فإن تفكيك دولة الحزب البائد وتأسيس دولة المؤسسات بحاجة إلى تعديل الوثيقة الدستورية أو (ثورة أخرى).
إليكم… الطاهر ساتي
السوداني