سد النهضة والخلاف بين مصر وإثيوبيا– لصالح من سيميل الموقف السوداني؟
رفض إثيوبيا للاقتراح المصري بشأن سد النهضة يُعمق الخلاف، إذ يحذر الكثيرون من عواقب تأزمه قبل بدء تشغيل السد العام المقبل. فهل سيحسم الموقف السوداني الأزمة أم سيزيد من تعقيدها، خاصة مع التقارب السوداني الإثيوبي الحالي.
انتهت الاجتماعات التي عُقدت منذ بداية الأسبوع بين مصر وإثيوبيا والسودان بتعثر المفاوضات الخاصة بشأن سد النهضة الإثيوبي، فوفقا لمذكرة أصدرتها وزارة الخارجية المصرية، رفضت إثيوبيا “بدون نقاش” المقترح المصري المتعلق بتشغيل السد وقامت بدورها بتقديم مقترح بديل وصفته مصر بأنه “ينحاز بقوة لإثيوبيا ومجحف بشدة بمصالح دول المصب”.
أما إثيوبيا، فقد أعلنت رفضها للمقترح المصري واصفة إياه بأنه “غير مناسب وانتهاك محتمل لسيادة إثيوبيا” مُعلنة أن “مصر لا يمكنها السيطرة على سدنا”، على حد تعبير سيلشي بيكيلي وزير المياه والري الإثيوبي بمؤتمر صحفي تم عقده أمس الأربعاء في العاصمة أديس أبابا.
ولم يذكر الوزير الإثيوبي كمية المياه التي ترغب بلاده في تمريرها لمصر، والتي تعتمد على نهر النيل لتلبية 90% من احتياجاتها من المياه العذبة. ولكن أعلنت مصر من جانبها أنها تطلب تدفق ما لا يقل عن 40 مليار متر مكعب من مياه السد سنويا وأن إثيوبيا تقترح 35 مليار متر مكعب فقط.
“تحفظ السودان” في إعلان موقفها
وفي حوار أجرته DW عربية، أكدت الباحثة أماني الطويل، مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، على أهمية الموقف السوداني بالنسبة لمصر لكونهما دولتي المصب وبالتالي يتشارك كلا منهما في المصلحة قائلة: “السودان في ظل الحكومة الانتقالية لم يطور موقفه النهائي من مسألة السد، خصوصا مع بروز أراء حول كونه مُهدِد لأمن دول المصب ولتأكيد تقرير اللجنة الدولية الصادر في مايو 2013 على أن المواصفات الفنية للسد غير مكتملة”.
وتتفق الخبيرة في الشأن السوداني إيناس مزمل، في حوار أجرته DW عربية، على أن “الرؤية السودانية غير مكتملة حتى الآن”، ولكنها تشير في ذات الوقت إلى “تحفظ السودان” في الإعلان صراحة عن موقفها الرسمي من سد النهضة حيث تشرح: “سد النهضة قضية شائكة بحكم الجيرة والتاريخ الطويل الذي يجمع السودان ومصر، إلا أن إثيوبيا قدمت وعود للسودان بمدها بالكهرباء، وهو أمر ضروري للسودانيين وفي حاجة إليه دفعت البعض منهم للخروج في مظاهرات”.
وتسعى إثيوبيا من خلال بناءها لسد النهضة، المُخطط أن يعمل بكامل طاقته بحلول عام 2022 بتكلفة أربعة مليارات دولار، إلى إنتاج أكثر من 6000 ميجاوات من الكهرباء.
واستقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك أمس الأربعاء، ليُصرح المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية عقب لقاءهما بـ “دفع الرئيس المصري” نحو سرعة تنفيذ المشروعات التنموية المشتركة كالربط الكهربائي وخط السكك الحديدية بين مصر والسودان.
“مصلحة” سودان ما بعد الثورة
التغيرات السياسية التي يشهدها السودان منذ نهاية عام 2018، بما أدى إلى سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير، بدأت تظهر تداعياتها على علاقات السودان الخارجية، وبالتحديد فيما يخص علاقتها بجيرانها وفي مقدمتهم إثيوبيا التي لعبت دورا مباشرا في المصالحة السودانية الأخيرة بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير.
وتشرح الباحثة أماني الطويل، مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن ما قد يبدو “تحركا إثيوبيا سريعا في السودان بسبب قضية سد النهضة فقط”، هو في واقع الأمر لدوافع إضافية أخرى بسبب اعتماد إثيوبيا على الموانئ السودانية واستيرادها ما يقرب من 80% مما تحتاجه من وقود من السودان.
وترى الخبيرة بالشأن السوداني إيناس مزمل أن العلاقات السودانية أصبحت بالفعل ذات توجه إفريقي، خاصة عقب الوساطة الإثيوبية الأخيرة في مقابل الوساطة المصرية التي “يعتقد الرأي العام السوداني بأنها ضعيفة في ضوء التحالف المصري السعودي الإماراتي الحالي”، على حد وصفها.
وتقول الخبيرة السودانية: “تسعى الثورة إلى إعادة إدارة العلاقات الخارجية للسودان بما يُعظم من مصالحها مع وعود إثيوبيا لتحقيق فوائد للسودان من سد النهضة، مع الانسحاب التدريجي من الوصاية السعودية والإماراتية السابقة على النظام السوداني السابق”.
سيناريوهات تطور الأزمةوحذر مركز أبحاث “مجموعة الأزمات الدولية” من “خطر تحوّل أزمة المياه إلى نزاع تنتج عنه عواقب إنسانية حادة” إذا لم يتمّ التوصل إلى اتفاق لتقاسم الموارد بين مصر وإثيوبيا.
وتخشى مصر من أن المرحلة الأولى من عملية ملء خزان سد النهضة إذا تزامنت مع فترة جفاف شديد في النيل الأزرق في إثيوبيا ستؤدي إلى تراجع كبير بمنسوب المياه في السد العالي بأسوان، بما يجعلها عرضة لخسائر اقتصادية وإنسانية ضخمة، وفقا لوزارة الخارجية المصرية.
على الجانب الأخر، تتمسك إثيوبيا بسعيها لعدم إضاعة مزيد من الوقت، بعد تعثر العمل على إنهاء السد لبضعة شهور لأسباب لوجستية وفقا لإعلان رئيس الوزراء الإثيوبي، من أجل بدء توليد الكهرباء في أقرب فرصة ممكنة.
وحذر مركز أبحاث “مجموعة الأزمات الدولية” من “خطر تحوّل أزمة المياه إلى نزاع تنتج عنه عواقب إنسانية حادة” إذا لم يتمّ التوصل إلى اتفاق لتقاسم الموارد بين مصر وإثيوبيا.
وتخشى مصر من أن المرحلة الأولى من عملية ملء خزان سد النهضة إذا تزامنت مع فترة جفاف شديد في النيل الأزرق في إثيوبيا ستؤدي إلى تراجع كبير بمنسوب المياه في السد العالي بأسوان، بما يجعلها عرضة لخسائر اقتصادية وإنسانية ضخمة، وفقا لوزارة الخارجية المصرية.
على الجانب الأخر، تتمسك إثيوبيا بسعيها لعدم إضاعة مزيد من الوقت، بعد تعثر العمل على إنهاء السد لبضعة شهور لأسباب لوجستية وفقا لإعلان رئيس الوزراء الإثيوبي، من أجل بدء توليد الكهرباء في أقرب فرصة ممكنة.
وتتوقع مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أماني الطويل أنه سيتم تدويل القضية نظرا لكون الأزمة بين مصر وإثيوبيا مهددة للاستقرار الإقليمي بما ينعكس بالتالي على الأمن الدولي وتقول: “ستكون مصر أكثر حدة في التعبير عن موقفها، خصوصا أن نقص الامدادات المائية لمصر يبدو مهددا للمصريين وربما يؤدي لهجرة المزارعين من مجتمعاتهم المحلية للمدن أو حتى لخارج مصر”.
وتتوقع الخبيرة بالشأن السوداني إيناس مزمل أن يلعب السودان دور الوسيط لتهدئة الأمور بين مصر وإثيوبيا “مع حفظ مصالحه كطرف أساسي في المشكلة”، مع استبعاد الحل العسكري حيث تقول: “الإقليم كاملا بما فيه السودان يميل إلى تحقيق الاستقرار، بما يعني استمرار المفاوضات لفترة أطول لحين الوصول لشكل من أشكال التوافق قبل تشغيل السد، حتي إن كان هذا التوافق غير مرضي بشكل كامل لجميع الأطراف”.
دينا البسنلي
dw