رأي ومقالات

رسوم الدفع الإلكتروني نموذجاً لعقلية صناعة الأزمات بوزارة المالية!


رسوم الدفع الإلكتروني نموذجاً لعقلية صناعة الأزمات بوزارة المالية!

نشرت مجلة The Economist في نسختها الإلكترونية ليوم الإثنين 30 سبتمبر 2019 ملخصاً أوضحت فيه علاقة عكسية بين إستخدام الدفع الإلكتروني e-payment في دول الإتحاد الأوربي وزيادة أنشطة إقتصاد الظل Shadow Economy، والمقصود بإقتصاد الظل الانشطة الإقتصادية غير المرئية للدولة والتي لا تدفع عليها الضرائب المفروضة ولا تلتزم بالضوابط المالية للدولة وبالتالي ينتج عنها فاقد للخزينة العامة للدولة (المخطط المرفق مع المقال يبين العلاقة العكسية بين عدد معاملات الدفع الإلكتروني للفرد ونسبة إقتصاد الظل إلى الناتج المحلي الإجمالي GDP في دول الإتحاد الأوروبي). وأستند الملخص إلى دراسة أجريت في عام 2018 وجدت أن إقتصاد الظل في الإتحاد الأوروبي يعادل حوالي 17٪ من الناتج المحلي الإجمالي GDP – فما بالك بالسودان! – والفاقد الناتج عن ذلك الحجم كافٍ جداً لتغطية العجز في موازنات بعض الدول الأوربية إن ظهر للعلن وبصورة شرعية. ولقد أشار تقرير ال The Economist على أن الدفع الإلكتروني يعتبر أحد الوسائل الأكثر فعالية في محاربة ال Shadow Economy لما يوفره من سهولة تتبع الأموال ومصادرها لا كالدفع النقدي (الكاش) الذي يسهل إخفاء الأنشطة الإقتصادية.

وفي السودان قُبيل نهاية شهر سبتمبر المنصرم أصدر السيد وزير المالية د. إبراهيم البدوي قراراً بتكوين لجنة لمراجعة الإعفاءات الضريبية ومكافحة التهرب الضريبي والجمركي ووضع أسس لتكمين فعالية الانظمة الإلكترونية في العمل الضريبي والإيرادي، وذلك لتحسين مؤشرات الإقتصاد الكلي وزيادة الإيرادات وتخفيض عجز الموازنة العامة للدولة، وذلك أمر جيد، ولعل الدفع الإلكتروني يسهم في ضبط الإيرادات ومكافحة الفساد، وسرعة دوران النقود وتقليل تكلفة طباعة النقد وإدارته ، وتعزيز الشمول المالي بين المواطنين. فبدلاً عن تشجيع الدفع الإلكتروني وتعزيز إستخدامه تأبى عقليات صناعة الأزمات قصيرة النظر في وزارة المالية إلا أن تعمل ضد تيار التحديث والتطوير بإصدار قرار في الأيام الماضية يقضي بتحميل المواطنين عبء رسوم الخدمة للدفع الإلكتروني للخدمات الحكومية، وقبلها للدفع مقابل المشتروات في نقاط البيع.

ففي الماضي كان المواطن يدفع مبلغ 1 جنيه عن كل معاملة يجريها في أي نقطة بيع لشراء حاجياته، ومن ثم قررت الجهات المعنية عدم تحميل المواطن عبء رسوم الخدمة هذه، وكان قراراً منطقياً، ففي كل العالم تقريباً لا يُعاقب المواطن بدفع رسوم خدمة مقابل إستخدامه لنقاط البيع، بل يتم تحفيزه أحياناً. ولكن للأسف منذ أسابيع عادت هذه الممارسة مرة أخرى وأصبح المواطن يحاسب بمبلغ 1 جنيه هي رسوم إستخدام خدمة الدفع الإلكتروني عند إستخدام نقاط البيع، ويُقسّم هذا الجنيه بواقع 30 قرشاً لشركة الخدمات المصرفية الإلكترونية EBS المملوكة لبنك السودان وشركاء آخرين والتي تقوم بتشغيل نظم الدفع، و70 قرشاً للشركات أو الجهات التي توفر خدمات وأجهزة نقاط البيع.

أما فيما يلي الدفع الإلكتروني للخدمات الحكومية فقد أجمع الكل على ضرورة أن تتحمل وزارة المالية رسوم خدمة الدفع الإلكتروني فهي المستفيد الأول والأكبر منه، وقبلت الوزارة منذ بدء الدفع الإلكتروني للخدمات الحكومية تحمل عبء رسوم الخدمة لتشجيعها، وللفوائد المباشرة وغير المباشرة التي تجنيها الوزارة والدولة من دفع رسوم الخدمات الحكومية إلكترونياً، إلاّ أن الأيام الماضية شهدت صدور قرار من وزارة المالية بتحميل المواطنين رسوم خدمة الدفع الإلكتروني للخدمات الحكومية، فمثلاً إن كان إصدار جواز السفر يكلف المواطن 700 جنيه، فإن هنالك رسوماً في حدود 8 جنيه وهي رسوم خدمة دفع رسوم إستخراج الجواز إلكترونياً كانت تتحملها وزارة المالية، وبعد هذا القرار سيتحملها المواطن، أي أن المواطن سيدفع 700 جنيه رسوم إستخراج الجواز إضافةً إلى 8 جنيهات أخرى لأنه دفع الرسوم إلكترونياً!

كيف تستقيم مثل هكذا قرارات تصدر من وزارة المالية مع مساعي وزيرها لزيادة الإيرادات وتقليل المنصرفات، وإتجاه الدولة لنشر الدفع الإلكتروني؟
إن المستفيد الأول والأكبر من الدفع الإلكتروني عامةً، وفي الخدمات الحكومية بصورة خاصةً، هم الدولة – مباشرة وغير مباشرة – في المقام الأول، ويليها بنك السودان مسؤلاً عن السياسات النقدية وطباعة وإدارة النقد، والبنوك لإستفادتها من إيداعات الدفع الإلكتروني، وما ينتج عن إنتشار الدفع الإلكتروني من زيادة للشمول المالي وبالتالي توسيع لقاعدة العملاء.

فعلى رئيس الوزراء بحكم ولايته على الأجهزة التنفيذية بالدولة تشكيل مجلس وطني للمدفوعات National Payments Council من كل الجهات ذات الصلة يكون برئاسته ليتولى التخطيط للدفع الإلكتروني والإشراف والتنسيق والمتابعة، وحل المشكلات التي تواجه الدفع الإلكتروني، وحسم الوضع الفوضوي الذي يكتنف هذا الأمر الهام.

هشام أحمد علي