ضغوط لحل “المؤتمر الوطني” .. الكلمة للقضاء
يدور في البلاد هذه الأيام جدل سياسي وقانوني حول دعوات لحل حزب المؤتمر الوطني، الذي أزاحته الثورة الشعبية، التي اندلعت في البلاد في ديسمبر عن السلطة، وزجت بعدد من رموزه في السجون والمعتقلات، تمهيداً لمحاكمتهم بقضايا فساد وانتهاكات لحقوق الإنسان وقضايا أخرى، أهمها سيطرة الحزب على السلطة نفسها، عبر انقلاب عسكري في عام 1989.
وتبنت منظمة “زيرو فساد”، وهي منظمة طوعية أسسها قانونيون وناشطون وإعلاميون واقتصاديون، رفع دعوى لدى مُسجل الأحزاب السياسية، في يناير، تطالب بحل الحزب ومصادرة ممتلكاته وأمواله، بما في ذلك مقراته المركزية، أو تلك المنتشرة في كل المدن السودانية.
وجاء ذلك عقب تصريحات للقيادي في الحزب علي عثمان محمد طه هدد فيها باستخدام ما عرف بـ”كتائب الظل” للدفاع عن النظام الذي كان يواجه وقتها سيلاً من الاحتجاجات الشعبية التي تطالب برحيل النظام.
وعدت المنظمة تلك التصريحات دليلاً على استخدام الحزب للقوة في العمل السياسي. غير أن مجلس الأحزاب رفض الطلب وقتها، فلجأت المنظمة، بعد سقوط النظام، إلى محكمة الطعون الإدارية في الخرطوم لاستئناف القرار، حيث لا تزال المحكمة تنظر في الطلب، وتنتظر رداً من الحزب على الدعوى في 24 من الشهر الحالي.
وكان المجلس العسكري الانتقالي الذي تسلم السلطة قد وضع يده على كافة المقار ووجه بتجميد كل حسابات الحزب في البنوك ومنع التصرف فيها، لكنه لم يصل إلى مرحلة مصادرتها. وفي أكثر من مناسبة تبنت قوى الثورة مسيرات مليونية تدعو لحل حزب البشير.
كما دعت أحزاب لمسيرة جديدة في 21 أكتوبر الحالي للمطالبة بتحقيق جملة من أهداف الثورة، بينها حل الحزب الحاكم سابقاً.
وقدم وزير المالية إبراهيم البدوي اقتراحاً يقضي ببيع ممتلكات حزب البشير في مزاد علني، على أن يخصص عائد البيع لدعم الخزينة العامة وسداد بعض من ديون البلاد الخاصة بصناديق التمويل العربية، وهو ما وجد استنكاراً واسعاً من الحزب.
ومع الانقسام حول الموضوع، يقول رئيس منظمة “زيرو فساد” نادر العبيد، في حديث مع “العربي الجديد”، إن المنظمة تستند في دعواها إلى أن حزب المؤتمر الوطني، وبموجب القانون، خالف في أكثر من مناسبة المبدأ القانوني بعدم استخدام القوة العسكرية في النشاط السياسي، وذلك منذ تسلم الحزب للسلطة، هذا عدا تهديده المستمر لمن يخالفه الرأي بالقمع، كما حدث من قِبل علي عثمان محمد طه، الذي كان في يوم من الأيام نائباً أول لرئيس الجمهورية، وقيادياً فاعلاً في الحزب.
ويشير العبيد إلى أن طه تحدث بصورة واضحة، في برنامج تليفزيوني موثق، عن أن لديهم كتائب عسكرية. ويضيف العبيد أن “المؤتمر الوطني خالف كذلك مبدأ عدم تلقي أي حزب لأموال من جهات أجنبية”، مشيراً إلى أن “قادة الحزب أعلنوا قبل سنوات أنهم تلقوا منحة بملايين الدولارات من الحزب الشيوعي الصيني بغرض تمويل تشييد المقر الرئيس للحزب في شارع المطار بالخرطوم. هذا عدا عن أن الأرض، التي شيد عليها المقر، صادرها الحزب، عبر حكومته، من الطائفة الكاثوليكية”. ولفت إلى أن “مثل هذا التصرف يهدد السلم الاجتماعي والتعايش الديني”. ويؤكد رئيس “زيرو فساد” أن كل تحركاتهم لملاحقة حزب المؤتمر الوطني ورموزه تقوم على أسس قانونية وليس فيها أي خلفيات سياسية، نافياً بشدة أن تكون المنظمة واجهة لأي حزب سياسي.
من جانبه، يرى المتحدث الرسمي باسم تحالف “قوى إعلان الحرية والتغيير”، وجدي صالح، أن “حل حزب المؤتمر الوطني، وملاحقة رموزه ومصادرة ممتلكاته، مطالب مشروعة لكل الثوار، وبالتالي وجب تنفيذها”. ويوضح صالح، لـ”العربي الجديد”، أن “تنفيذ ذلك المطلب سيتخذ مسارين، قانوني وسياسي”، مشيراً إلى أن “حزب البشير كان عبارة عن أخطبوط، لديه كم هائل من الأذرع السياسية والواجهات الاقتصادية والاجتماعية التي قدمت أسوأ ممارسة في الفساد والاستبداد”.
ويستبعد صالح “حدوث أي ردة فعل من الحزب الذي لفظته الجماهير وأسقطته، ودفعت من أجل ذلك أثماناً باهظة”.
لكن القيادي في حزب المؤتمر الوطني والمحامي الطيب الشيخ النذير يرى أن الدعوات لحل حزبه “لا تستند إلى أي مسوغات قانونية أو دستورية”، معتبراً أنه “طبقاً للقانون، فإن عملية حل أي حزب تحتاج لموافقة أغلبية الثلثين من أعضاء مجلس الأحزاب السياسية، على أن تُرفع توصية بذلك إلى المحكمة الدستورية التي عليها اتخاذ القرار”.
ويضيف النذير، لـ”العربي الجديد”، أن الطريق الوحيد لحل الحزب هو استخدام قانون الطوارئ المعلن في البلاد، وهو أمر يراه مستبعداً في ظل عمل المؤسسات القانونية والعدلية وكل المنظومة القانونية، مؤكداً أن أي خطوة من هذا القبيل لن تجد المبرر السياسي الكافي ولا تتوافق مع مبدأ العدالة، في ظل السماح لكل الأحزاب بممارسة نشاطها. وحول دعوى وزير المالية لبيع مقار الحزب، أوضح النذير أن “أي عملية بيع، عبر سياسة فرض الأمر الواقع، ستكون باطلة وسيقاومها الحزب بكافة السبل”، مستبعداً “قيام أي شخص أو جهة بشراء تلك الممتلكات، لأنها ستعود إلى الحزب في أي لحظة، سواء عبر القانون أو حتى بعد زوال النظام الحالي”.
وحول خيارات الحزب، حال صدر قرار بحله، يوضح النذير أنهم لن يصمتوا مطلقاً، وسيسلكون الطرق القانونية والسياسية، “بما في ذلك اللجوء للمحكمة الدستورية وللشارع للاحتجاج”.
من جانبه، يقول القيادي في حزب المؤتمر الشعبي المعارض كمال عمر إن “المرحلة السياسية الحالية لا تحتمل غير لغة التعقل وتجاوز المرارات التي تركها حزب المؤتمر الوطني في الأنفس”، مطالباً، في حديث مع “العربي الجديد”، بترك موضوع حل الحزب للقضاء دون أي تأثير سياسي. ومن وجهة نظره، فإن “الحديث عن حل الحزب غير ممكن وغير موضوعي من الناحية السياسية والقانونية”، مبيناً أن “المرحلة تفرض ترسيخ حرية التنظيم لكل الناس”. ويشير إلى أنه “في حالة وجود شبهات جنائية ضد أي من قيادات الحزب، فإنه يمكن محاكمتهم بصفتهم الشخصية، من دون إدانة كل الحزب”.
الخرطوم: عبدالحميد عوض
صحيفة السوداني