الاتجاه للمصادقة عليها .. اتفاقية (سيداو) بين الجدل الفقهي والمطالب
منذ أن اندلعت الثورة السودانية في نهايات شهر ديسمبر المنصرم وكان شعارها حرية سلام وعدالة وهدفها كان التغيير ككل، وبعد أن سقط النظام وتم تشكيل الحكومة وبدأت الوقفات الاحتجاجية أمام الوزارت المختصة بالمطالب، كانت آخرها وقفة احتجاجية أمام وزارة العدل للمطالبة بتعديل قوانين الأحوال الشخصية الخاصة بحق المرأة في استخراج الأوراق الرسمية لأبنائها وإذن السفر.. إلا أن حديث وزيرة العمل عن اتجاه الحكومة للمصادقة أثار الجدل مما جعل الدعاة يعتلون المنابر مكفرين الاتفاقية.
في ورشة عمل أوضحت وزيرة العمل والرعاية الاجتماعية لينا شيخ الدين أن البرنامج الإسعافي الصادر من قوى التغيير يهدف للاندماج في المجتمع الدولي لأن السودان عانى من عزلة خلال حكم النظام السابق، مشيرة إلى أن الحكومة الانتقالية تخطط للانضمام إلى عدد من الاتفاقيات الدولية منها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، متعهدة بمحاربة التهميش وسط النساء بمكافحة الفقر.
ويذهب عضو هيئة علماء السودان محمد هاشم الحكيم في حديثه لـ(السوداني) إلى أن السودان جزء من عالم كبير أصبحت الأطر السياسية تقتضي عليه التوافق دفعاً للكثير من الأضرار التي يمكن أن تحدث، مؤكداً أن اتفاقية سيداو ليست شراً كلياً وفيها من الموجهات الطيبة ما يضمن احترام المرأة وتوفير الحقوق لها.
مستدركاً: “إلا أن فيها موجهات داخل الاتفاقية لا تشبه الثقافة والقيم السودانية بل تخالف بعض ثوابت الدين، وأشياء أخرى تنطوي تحت إطار الخلاف الفقهي والاجتهادات الفقهية”، مشيراً إلى التحفظ على نقاط لا تنسجم مع الشريعة الإسلامية.
وأضاف الحكيم: ينبغي على وزارة الشؤون الاجتماعية أن تراعي خصوصيات المجتمع السوداني المسلم العربي، وأن لا تنساق وراء المخططات التي ستجعلها في مواجهة مع قيم شعبها الذي لن يرتضي أمثال هذه التغييرات. وأوضح أن التحفظ كان لأسباب سياسية وشرعية مؤكداً أن التحفظ كان على المواد (2، 9، 15، 126، 29) مشيراً إلى أن كثيراً من الدول العربية تحفظت عليها أيضاً، مشدداً على أن الرفض كان لحق منح الجنسية للمرأة وكذلك حرية المرأة السياسية واهليتها وحقها في السفر، موضحاً أن التحفظ على المادة (9) لاعتبارات حديثة وهي المساواة بين الجنسين في عقد الزواج وإعطاء المرأة مثل حق الرجل، مضيفاً أن الشريعه الاسلامية لها رؤية متكاملة في ذلك، وأن قضية الولاية من باب صيانة المرأة وحفظها .
وقطع الحكيم بأن هناك تقصيراً من الدعاة في بيان حقوق المرأة في المجتمعات، موضحاً أن بعض السكوت سلبي وسببه النظرة الذكورية والدونية من البعض.
كفر واضح
عدد من رجال الدين المتشددين يرفضون انضمام السودان إلى اتفاقية سيداو مما جعل نظام المخلوع يرفض التوقيع عليها، وما زالوا يقاومون التوقيع عليها.
من جانبه دعا إمام وخطيب مسجد السلام بالطائف الشيخ مهران ماهر إلى مقاومة البرنامج الإسعافي للحكومة الانتقالية ووصفه بالمنكر الذي يجب على كل مسلم مواجهته ومعارضته بكل الطرق السلمية وأكد أن اتفاقية سيداو تعتبر كفراً واضحاً لأنها تتعارض مع ما أنزل الله وسنة نبيه .
في ذلك يذهب خبير القانون الدولي أحمد المفتي في حديثه لـ(السوداني) إلى أن معظم المناهضين للاتفاقية لسوء فهم منها لها، مشيراً إلى أنها تمنع التمييز ضد المرأة وأن الإسلام جاء لتمييز المرأة، مستدلاً بأن رسول الله الكريم قال: “أوصيكم بالنساء خيراً”.
وأوضح المفتي أن بعض المناهضين يفهمون من الاتفاقية أنها للمساواة بين الرجل والمرأة، مضيفاً: تحوطاً وسداً للذرائع يجب عند المصادقة عليها أن يُوضّح أن حكومة السودان تتحفظ على كل ما يتعارض مع العقيدة في الاتفاقية، مشيراً إلى أن ذلك اعتماداً على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يكفل حرية العقيدة، لأن العهد الدولي مثل سيداو، إلا أنه الأشمل، موضحاً أن النص يحقق الرغبة للمسلم والاعتماد على اتفاقية دولية، مؤكداً أن عدداً من الدول العربية صادقت عليها ولم يتغير حالها، وفقط الرفض جاء من باب عدم الفهم والحماس للدين رغم أن هناك من يتحمسون أكثر منهم.
ماذا تعني (سيداو)؟
هي معاهدة دولية تم اعتمادها في الثامن عشر من ديسمبر عام 1979م، وتنص على القضاء على جميع أشكال التمييز الذي يمارس ضد المرأة، وتعتبر هذه الاتفاقيّة وثيقة حقوق دوليّة للنساء أصدرتها وأقرتها الجمعيّة العامة للأمم المتحدة، ودخلت حيّز التنفيذ عام 1981م، لم تصادق ثماني دول على هذه الاتفاقيّة وبالتالي لم توقع عليها من بين هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكيّة وإيران، ووقعت بعض الدول عليها ولكن قامت على التحفظ على بعض بنود الاتفاقيّة. وكان الشعار الأساسي للاتفاقية ينص على أن التنمية الشاملة والتامة لبلد ما، ورفاهية العالم، وقضايا السلم، كل هذه الأمور تتطلب أقصى مشاركة ممكنة للمرأة جنباً إلى جنب مع الرجل في جميع الميادين، تكشف اتفاقيّة سيداو عمق العزلة والاضطهاد الذي يمارس على المرأة حول العالم بسبب جنسها، والذي تعتبر فيه جسداً “للجنس” لا غير، ودعت الاتفاقيّة إلى تسريع تحقيق المساواة للمرأة مع الرجل، وعدم ممارسة التمييز ضدها في جميع أمور الحياة، وحوت الاتفاقية على 30 مادة، وضعتها في قالب قانوني ملزم، ويشمل المبادئ والتدابير الموافق عليها دوليّاً لتحقيق المساواة للمرأة في الحقوق .
ونصت الاتفاقية على ما يلي:
• أي تفرقة أو تمييز أو تقييد أو استبعاد على أساس “الجنس” هذا هو ما يعرف به التمييز ضد المرأة.
• أن تشجب الدول الموقعة جميع أشكال التمييز والتي تمارس ضدّ المرأة، وأن تنتهج سياسة القضاء على هذا التمييز، ولتحقيق ذلك عليها القيام بما يلي:
تجسيد مبدأ المساواةِ بين الجنسين في الدساتير والتشريعات وفي مختلف المناسبات الوطنيّة. اتخاذ التدابير وفرض الجزاءات لحظر التمييز ضد المرأة. فرض الحماية القانونيّة للمرأة على قدم المساواة مع الرجل .
الامتناع عن ممارسة أي تمييز ضد المرأة، واتخاذ السلطات القرارات المناسبة في حالة الإخلال بهذا الأمر. اتخاذ التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة من جانب شخص أو منظمة أو مؤسسة.
العمل على إلغاء التشاريع والقوانين والأعراف والممارسات والعادات، القائمة على التمييز واضطهاد حق المرأة. إلغاء جميع الأحكام والعقوبات التي تشكل تمييزاً ضدها.
• اتخاذ جميع الدول الموقعة التدابير المناسبة لضمان تقدم المرأة وتطورها في جميع الميادين.
• (أ) اتخاذ الدول الموقعة تدابير مؤقتة تهدف إلى التعجيل في عملية المساواة. (ب) اتخاذ الدول الموقعة اتخاذ تدابير لحماية الأمومة لا يعتبر إجراءً تمييزياً.
• (أ) تعديل الأنماط الاجتماعيّة والثقافيّة لسلوكيّات المرأة والرجل. (ب) تضمن التربية الأسريّة تفهماً سليماً لمعنى الأمومة.
• اتخاذ الدول الإجراءات المناسبة لمنع الاتجار بالمرأة واستغلالها لممارسة الدعارة.
• أن يكون للمرأة دور فعّال في الحياة السياسيّة والعامة للبلاد.
• أن تمنح المرأة الفرصة لتمثيل بلادها على الصعيد الدولي.
• (أ) حق المرأة في المحافظة على جنسيتها أو تغييرها في حالة زواجها من أجنبي. (ب) تمنح حقاً مساوياً للرجل فيما يتعلق بجنسيّةِ أطفالها.
• حق المرأة في التعليم والعمل جنباً إلى جنب مع الرجل.
الخرطوم: مشاعر أحمد
صحيفة السوداني