خروقات عبد الواحد بجبل مرة .. التشويش على منبر جوبا
أعاد جيش تحرير السودان برئاسة عبد الواحد محمد نور أيام ومفاوضات نيفاشا وإرهاصاتها بين الحركة الشعبية لتحرير السودان برئاسة د. جون قرنق والحكومة السودانية في ذاك الوقت. فقد أرسى جون قرنق وقتها سياسة ما يعرف بـ(قاتل وفاوض)، حينما هجمت قواته على قاعدة للقوات المسلحة في منطقة توريت واستولت على المنطقة ما دعا الحكومة السودانية لتحريك جيشها لاستعادة المنطقة التي سلبتها قوات المتمرد جون قرنق رغم أنهم كانوا في حالة تفاوض مع الحكومة السودانية، وقد وقعوا على إعلان وقف إطلاق النار. الاعتداء الذي وقع على القوات المسلحة وقتها أوجد للحكومة العذر في عملية رد اعتبارها وإعادة منطقتها حيث كانت الحركة الشعبية تريد أن تكسب كروت ضغط إضافية على الحكومة ولكن فهم الحكومة للعبة الشعبية فوت عليها الأمر رغم أن المجتمع الدولي حاول أن يتدخل، ولكن رد الاعتبار أسلوب فرضته وقتها قوات الجيش الشعبي التي مارست الاعتداء بطريقة سافرة رغم وقوف المجتمع الدولي في صفها لم يجد ما يبرر تلك الخطوة وعجز عن محاكمة الحكومة السودانية التي ردت اعتبارها.
فهل خطوات جيش عبد الواحد لا زالت تتأسى بجيش الحركة الشعبية التي انحازت خلف تقسيم البلاد وفصل بلاد الجنوب، أم إن عبد الواحد يريد أن يكسب كروتاً إضافية تمكنه من اللحاق بركب المفاوضات في جوبا بقوة ومرفوع الرأس عقب الانتصار على القوات المسلحة؟. وهل ما جرى له علاقة برفضه الانضمام للمفاوضات وتحريك المقعد من تحت وفود الثورية الذين يتسيدون الموقف أم إن ما جرى له علاقة بضغوط المجتمع الدولي ودولة فرنسا تحديداً عليه عقب لقاءات رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ماكرون بباريس بجانب لقائه برئيس الحركة فيما لم يفلح في إلحاقه بوفد الثورية في منبر التفاوض بجوبا؟.
رؤية الجيش
بالأمس القريب قام جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد النور بحسب بيان الجيش بخرق اتفاق وقف إطلاق النار الموقّع بين الحكومة والحركات المسلحة، حيث أكد الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة من أن قوات عبد الواحد قد هاجمت يومي 17-18 أكتوبر الجاري مواقع تأمين الجيش في منطقة بروباس بادلتها القوات المسلحة النيران وقامت برد الهجوم على المنطقة بجانب الهجوم على كدنيير بشرق جبل مرة وتم تبادل النيران مع المهاجمين دون تحقيق خسائر تذكر بين الجانبين.
وكانت القوات المسلحة وتأكيداً منها على حسن النوايا بحسب الناطق الرسمي باسمها قد أطلقت يوم السبت الماضي، سراح (21) أسيراً لديها من حركة عبد الواحد نور. ووصف الناطق الرسمي أسلوب الحركة بالروح العدائية التي لا تتوافق وتطلعات الشعب، ولم يضع خطوات الحكومة السودانية في الاعتبار. مؤكداً بأن استمرار مثل هذه العدائيات لا يؤسس لمناخ الاستقرار والسلام المنشود، مؤكداً مقدرة القوات المسلحة على الرد بقوة على الخروقات التي تُرتَكب تجاهها.
تفكيك الجيش
ويقول اللواء الركن يونس محمود الخبير العسكري، إن المسألة تتعلق بقضايا أخرى وأبعد من مضمون وقف إطلاق النار ووقف العدائيات من قبل الجيش، مفسراً الأمر بأن الأمر في نظر عبد الواحد والحركات المسلحة كلها التي تفاوض الآن بجوبا أن القوات المسلحة إحدى موروثات النظام السابق وبقية مما ترك المؤتمر الوطني، وعاقدة العزم أنه تفك عروة الجيش وتستبدله بمليشيات الحركات المسلحة لتصير هي الجيش الوطني وفق ما أكده عبد الواحد نفسه، حينما قال إن الحركات المسلحة كلها ستكون هي نواة القوات المسلحة والجيش القومي السوداني. وأكد أن هدف الحركات المسلحة هو تشكيل نواة الجيش الوطني بما اختاروه هم من القوات المسلحة والدعم السريع. وأكد يونس بأن هذا الذي يحدث هو قضية الصراع المنهجي والعقائدي واختياره الحضاري مربوط بالمشروع السياسي والحركات المسلحة وهو السودان الجديد الذي يتحدثون عنه وعلمانية الدولة وتعددية الثقافات بفرضية أن بعض اللهجات يجب أن تدرس في المنهج وتجزئة وتقسيم السودان بتقرير المصير، وهذا بناء على كل المعطيات بحسب يونس محمود يعطينا محصلة طبيعية لاستهداف القوات المسلحة واستفزازها لاعتقادهم بأن الجيش في هذا الوقت تم تطويعه وركوبه لمصلحة اليسار حسب تقديرهم للقوات المسلحة وحالة الضعف الدستوري الذي تمر به البلاد. وأكد أن الجيش الآن في مفترق طرق تماماً وأنه سيتم توظيفه لمصلحة الحركات المسلحة إلا إذا كان للجيش السوداني رأي آخر، وقال إن قضية المناوشات ليست جديدة رغم أنه قد تم وقف العدائيات لمدة ثلاثة أشهر في جوبا أمس الأول. وقال إن التفاوض الذي يدور الآن هو إعادة هيكلة القوات المسلحة وتفكيكها وتكوين الجيش القومي الذي يريدونه حسب فهمهم بتركيبة جديدة وعقيدة قتالية جديدة. وقال إنه إذا ما جارَت الحكومة السودانية الحركات المسلحة فإن صفحة كاملة من تاريخ الجيش السوداني الذي تكون في العام 1954م سوف تنطوي تماماً.
رسالة متوقعة
ولكن أستاذ العلوم السياسية ومدير مركز “الراصد” للدراسات البروفيسور الفاتح محجوب يقول لـ(الصيحة) إن الغرض من هذا الإجراء والتصرف الذي قامت به حركة عبد الواحد واضح، وهو محاولة زعزعة وقف إطلاق النار وإن البلاد ليست آمنة كما أن الحركة تتصرف وتوعز للكل بلغة “نحن هنا وموجودون” ولن نسمح بالوصول لاتفاق سلام. وتحاول أن تقول للرأي العام بأن المفاوضات الجارية الآن ليست شاملة .. وتريد أن تؤكد أنها لا زالت موجودة في الساحة وانها لن تسمح بالوصول لاتفاق سلام طالما هم موجودون في الساحة وأنكم لن تستطيعوا تحقيق السلام في السودان بدوننا.
وأكد الفاتح أن ما قام به عبد الواحد رسالة متوقعة طالما أن الرجل يرفض المشاركة في المفاوضات، فمعنى ذلك أنه ربما قام بهذه الخطوة لإفشال هذه المفاوضات خاصة وأنها حركة تملك جيشها وخارج إطار السلام. وأكد محجوب أن عبدالواحد قد أرسل من قبل رسالة حينما قابل حمدوك بباريس بأنه لا يعترف بعملية السلام الجارية ولا بالترتيبات السياسية التي جرت بعد إنهاء حكم الإنقاذ.
بيد أن الفاتح قال إن عبد الواحد لا يستطيع إفشال عملية السلام ولا تقويضها لضعف الحركة بانقساماتها الكثيرة، لكنه قال إنه يمكن أن يخلق مثل هذه الأجواء المحبطة والتي استلهمتها الحكومة، وفهمها الرأي العام الدولي والعالمي. لكن عملياً يرى الفاتح أن الحكومة تستطيع أن تتجاهل لأنه لا يمثل عسكرياً ما يمكن أن يمثل خطراً على السلام في السودان ووضعه العسكري ضعيف حتى في جبل مرة ولا يسيطر إلا على المناطق المجهولة.
تقرير: عبد الله عبد الرحيم
صحيفة الصيحة