تحقيقات وتقارير

(السيادي) و(الوزراء).. من الأوْلى بالتمثيل الخارجي؟

زيارة البرهان وحمدوك إلى الخليج تُعِيد السؤال إلى دائرة الجدل

مسؤولون بروتكوليون: الزيارة المشتركة ليست بدعة أو غريبة

خبراء سياسيون: مثل هذه الزيارات دليل عدم انسجام وثقة

استراتيجي: المجلس التنفيذي هو الأحق بتمثيل السودان خارجياً

الزيارة المشتركة التي قاما بها سوياً، رئيس المجلس السيادي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان ورئيس مجلس الوزراء دكتورعبد الله حمدوك الأسبوع المنصرم، إلى كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات في سابقة هي الأولى على الأقل عربياً وأفريقياً، أثارت جدلاً محتدماً في الأوساط حول من يحق له تمثيل السودان خارجياً في المحافل الإقليمية والدولية. وحسم الجدل داخل مؤسسات الدولة وفق معلومات مؤكدة تحصلت عليها (الصيحة) مؤخراً لصالح رئيس المجلس السيادي باعتباره رمز الدولة وسيادتها العليا.

هذا التوافق على أعلى مستويات الدولة على من يمثل السودان خارجياً انسحب أتوماتيكياً وحُسم الخيار في تمثيل السودان في الدورة القادمة لمنظومة دول عدم الانحياز المقرر انعقادها نهاية الشهر الجاري بأزربيجان لصالح الفريق البرهان، حيث يتوقع أن يشارك وبمعيته وفد وزاري رفيع، وأيضاً سيتم الترتيب له حالياً ممثلاً للسودان في قمة التعاون الأفريقي الروسي نهاية أكتوبر الجاري والتي ستستبق قمة عدم الانحياز.

وبالضرورة فإن البرهان سيقدم خطاب السودان في القمتين نيابة عن الشعب السوداني. ولكن رغم حسم ما سمي بالجدل داخل الأوساط العليا في الدوله بشقيها السيادي والتنفيذي، إلا أن ما سمي بخلاف داخل تلك الأروقة السيادية والتنفيذية لم يكن بالقدر المزعج، حيث أن هنالك تناغماً وانسجاماً وليس هنالك تنافس مزعج لجهة أن بعض أماكن التمثيل، كتلك المتصلة بالمنظمات الدولية والإقليمية ذات الصبغة الأممية تتطلب وزناً وتمثيلاً خاصاً يكون رئيس الوزراء عبد الله حمدوك هو الأنسب لجهة صلاته وعلاقاته وخبرته العملية بالمنظمات الأقليمية والدولية ومدى القبول الذي يحظى به. ولكن هل التمثيل في أساسه يمثل قضية، أم إن المرونة في الاختيار مطلوبة رغم الحسم، حيث يجب الأخذ في الاعتبار من يخدم أهداف ومصالح البلد هو المطلب، وماذا يعني ملف التمثيل بروتكولياً والعرف المُتّبع في ذلك، هذه كل هذا وغيره قلّبته “الصيحة” مع عدد من المختصين ذوي الصلة بتلك المؤسسات.

رمزية السيادي

رغم أن النظام المتبع لم يكتمل، لجهة أن البرلمان لم يشكل بعد، إلا أنه يبدو أن أمر التمثيل حُسم بالتوافق، باعتبار أن المجلس السيادي رأسه يمثل رمزية الدولة، بالتالي ينطوي على ذلك أن يمثل الفريق البرهان السودان في القمم والمؤتمرات الأفريقية والعربية.

إلا أن محللاً سياسياً تحدث لـ”الصيحة” يرى أن بعض الحالات والمؤتمرات من الأفيد والأصلح للسودان أن يمثله فيها رئيس مجلس الوزراء خاصة ذات الطابع السياسي والاقتصادي، فهو ــ أي الدكتور حمدوك ــ مؤهل أكثر بحكم الخبرة والعلاقات الدولية، وهو على رأس الجهاز التنفيذي، وبالمقابل فإن القمم والمؤتمرات ذات الطابع السيادي أو الأمني أو متصلة بالدفاع وقضايا الحرب، فالأصلح للسودان أن يمثله فيها رئيس المجلس السيادي الفريق البرهان.

يعتقد الخبير أنه رغم التحديد، إلا أن الأمر غير مطلق، بحيث تكون هنالك فرصة كافيه للمرونة في اختيار من يمثل السودان لصالح خدمة أهدافه تمشياً مع المنشط محل التمثيل.

تقديرات

الكثيرون يرون أن ليست ثمة مشكلة في من يمثل السودان وأن الأمر برمته رهين لتقديرات الدولة والتوافق الذي يسود بين مكوناتها.

ويعتقد مصدر حكومي رفيع فضل اسمه أنه لا يوجد قانون يحكم ذلك أو قاعده محددة تطبق على كل الحالات ويمكن لأي دولة أن يمثلها في المؤتمرات والقمم وزير أو السفير المعتمد لدى الدولة المعنية، غير أن العرف المتبع دائماً الرؤساء باعتبارهم رمز للسيادة ورؤساء الحكومات هم من يمثلون.

التمثيل المشترك

مشاركة الفريق أول الركن عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي والدكتور عبد الله حمدوك رئيس مجلس الوزراء في جولة عربية شملت المملكة السعودية والأمارات المتحدة ويتأهب الاثنان لزيارة أخرى مماثلة لدولة قطر بعد أن تلقيا كل على حدة دعوة من أمير دولة قطر، يعتبرها مسئولون بروتكوليون أنها ليست بدعة، وليست غريبة، حيث سبقهما في ذلك كما ذكر أحد المتابعين الرئيس الفرنسي جاك شيرك ورئيس الوزراء ميتران، ويقول مصدر دبلوماسي إن الزيارة المشتركة لقمة السلطة السيادية والتنفيذية في عهد الزعيم الأزهري، ورئيس الوزراء محمد أحمد المحجوب، ويشير إلى ان مثل هذه الزيارات يكون دافعها خصوصية العلاقة التي تربط بين الدولتين، فضلاً عن أن قمة السلطة ممثلة برئيس مجلس السيادة، ورئيس الوزراء تلقيا دعوة من الدولة المستضيفة كل على حدة، بما أن الترتيبات الخاصة بالزيارة تكاد تكون واحدة، فإنه من الأفضل دمج الزيارتين في زيارة واحدة اختصاراً للزمن وللاستفادة من الترتيبات الأمنية والسياسية والبروتكولية عبر توظيف أكبر للإمكانيات إضافة إلى أن وجود القيادة السيادية والتنفيذية في زيارة واحدة ولبحث ملفات علاقات ثنائية مع البلد المستضيف يعطي زخماً وبعداً كبيراً للزيارة وتقدير فوق المعدل لخصوصية واستراتيجية العلاقة والحرص على وضعها في المكان الذي يليق بها. ويضيف المصدر الدبلوماسي أن هذا النوع من الزيارات يجسد القناعة التامة.

الانسجام مطلوب

خلافاً لما اعتبر أنها ليست سابقة أولى، اعتبر مهتمون سياسيون الزيارات المشتركة للنظام كما حدث مؤخراً في زيارة البرهان وحمدوك للرياض وأبوظبى دليلاً على عدم الانسجام والثقة.

وقال الدكتور صلاح الدومة الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي للصيحة، إنها سابقة لم تحدث، ويرى أن ما يقوم به بعض أعضاء السيادي امتداد للمجلس العسكري، وإنهم يسعون للهيمنة على الأشياء، لافتاً إلى أن الشق العسكري في المجلس السيادي يسيطر حالياً على قوى أجنحة الحكومة الدفاع والداخلية وجهاز الأمن، ومن وجهة نظره أن على حمدوك مسايرة الوضع حتى يتمكن من إخراج الفترة الانتقالية بأقل الخسائر الممكنة.

أولوية البروتكول

وفق الخبير السياسي والأكاديمي الدكتور صلاح الدومة، فإن البروتكول يحتم مشاركة ممثل واحد عن السودان في المناشط الدولية والإقليمية، ويعتقد أن الدعوة يمكن أن تقدم للدولة أو الحكومة، ويضيف: في حالة وجهت الدعوة للدولة، فإن رئيس المجلس السيادي هو من يتعين عليه تمثيل السودان، فيما يوكل أمر تمثيل الحكومة لرئيس مجلس الوزراء باعتباره رئيس الحكومة التنفيذية، وأنه ليس بالضرورة أن يمثل رأس الدولة في كل الفعاليات التي يكون السودان طرفاً فيها سواء على المستوى الدولي أو الإقليمي.

إشراقة: المرأة يمكنها إدارة الدفاع

الأستاذه إشراقة سيد محمود القيادية بالحزب الاتحادي اعترفت بتقدم المرأة السودانية تقدماً كبيرًا مقارنة بالمحيط الإقليمى حول السودان لكنها لفتت إلى أن الوظائف التي ظلت تشغلها محصورة في أماكن معينة فلم تكن رئيسة للقضاء من قبل ولا في المناصب السيادية. وأضافت يحمد للثورة أنها جعلت المرأة تكون موجوده في المجلس السيادي وفي وزارة سيادية كالخارجية لأول مرة، وكذلك الشباب والرياضة حيث كانت حكراً على الرجال. وقالت إن الشعب السوداني يقدر دور المرأة السودانية ولا يتشدد في حصرها في أدوار معينة واضافت أن النظام السابق رغم حكمه ثلاثين عاماً وامتلاكه لكل مفاصل الحكم، إلا أنه ظل يحصر المرأة في الوزارات الخدمية فقط حتى الرعاية الاجتماعية فصلت للمرأة على مدى طول حكمه . وتعتقد أنه يجب أن لا نرهق أنفسنا بالتفكير في ماذا يريد العالم وعلينا التفكير في ماذا نريد نحن وتضيف محمود في إفادتها للصيحة: يجب أن تتاح فرص أكثر للمرأة بعيداً عن محاولات المتطرفين الساعين لقمع المرأة وحصرها في أدوار معينة. إشراقة لا ترى مانعاً في أن تكون المرأة وزيرة للدفاع أو الداخلية كما حدث فى بعض البلدان العربية والأوربية.

السيادي محل تقدير ولكن…

أكاديمي وسياسي قريب من صنع القرار وصف المجلس السيادي بأنه يحظى بالتقدير والاحترام لجهة أنه يمثل سيادة الدولة ورمزيتها، غير أن رئيس مجلس الوزراء هو من تقع على عاتقه مسئولية إدارة شئون الدولة التنفيذية، وهذا ينسحب بالضرورة على أهمية تمثيله للسودان خارجياً، باعتبار أنه رئيس الوزراء والحكومة، وبالتالي فإن المشاركات الخارجية سواء المتعلقة بالسياسة أو المشاركات العلمية أوالتقنية والمعلوماتية يقع أمر تنفيذ مخرجاتها على عاتق رئيس مجلس الوزراء ووزراء حكومته، وبالتالي هم الأجدر والأوفر حظاً بتمثيل السودان، والوقوف على القضايا المطروحة عن قرب أكثر من السيادي الإشرافي.

ويضيف الأكاديمي قائلاً: الاتفاقات الخارجية والبرامج التنفيذية المشتركة التي توقع في الإطار الثنائي تتم عبر وزراء الحكومة التنفيذية أمر تنفيذها مسئولية الحكومة ممثلة في مجلس وزرائها.

ويلفت خبير استراتيجي إلى أنه إن كان هنالك جدل يدور في الوثيقة حول أولوية التمثيل، فإن الرجوع للنصوص السياسية مطلوب، حيث تؤكد الممارسات العملية أن المجلس التنفيذي هو الأحق بتمثيل السودان خارجياً، باعتباره من يوقع على الصفقات والمعاهدات وليس أي جهة أخرى، لأن السيادي ليس الفاعل الأساسي، وبالتالي منطقياً وعملياً، الأحق في تمثيل السودان في كل المناشط دولية أو إقليمية وثنائية هو رئيس مجلس الوزراء، بيد أن اعتبارات أخرى ترحج مشاركة السيادي بصفته يمثل رمزية السيادة الوطنية، وفي هذه الحالة يدعم الوفد إما بمرافقة رئيس الوزراء أو بوفد وزاري عالي المستوى لإنجاز المهام المتخصصة للحكومة التنفيذية .

الخرطوم: مريم أبشر
صحيفة الصيحة