قبل رفع الدعم!
(1)
مِنَ الآخر كده، قالت الحكومة إنّها في حاجةٍ إلى اثنين مليار (مَصاريف جيب) بصفةٍ مُستعجلةٍ، وذهبت إلى السيد/ البنك الدولي بجلالة قدرها وربما بثقةٍ، باعتبار أنّ البنك الدولي (ود ناس) ومُختلف عَن توأمه صندوق النقد الدولي صاحب الروشتة المَعروفة، وطَلبت منه قَرضاً بذلك المبلغ الضَيئل، ولكنه رَفض مُتحجِّجاً بأنّ هُناك جُزءاً من دُيونه المُتراكمة على السُّودان ينبغي سداده حتى يكون السُّودان مُستوفياً للقرض المطلوب، علماً بأنّه لم يفعل ذلك مع دُولٍ دُيونه عليها أكبر بكثيرٍ من دُيون السُّودان، وما طَلبته من قَرضٍ مُستعجلٍ أكبر بكثيرٍ مِمّا طلبه السُّودان، ولا أحدٌ يسأل أين “إنتي يا حمرة الخجل”، فالخيار والفقوس في السِّياسة الدولية أكثر بكثيرٍ من ذلك الموجود في جُرُوف السُّودان!!
لو ركبت الحكومة رأسها وأعلنت قَراراً من خمس كلماتٍ (رفع الدعم عن البترول والقمح)، فإنّها لن تكون بحاجةٍ إلى الاثنين (الليلة وين؟!)
(2)
بالطبع الحكومة لم تفعل ذلك ولن تفعل قريباً لدواعٍ سياسيّة مَعروفة لدى الكافة، ولكن لا بُدّ من أن تفعل في يومٍ قادمٍ، إلا سوف سَيظل الاقتصاد السُّوداني قابعاً في غُرفة الإنعاش ولَن يَكون هُناك تَعافٍ، نَاهيك عن أن تكون هُناك تَنمية مُتوازنة أو غير مُتوازنة، وسَتظل بلادنا جَاثيةً على رُكبتيها إلى أبـد الآبـدين!!
وبِمَا أنّ الاقتصاد عِلم البدائل يُمكن القول إنّه يُمكن تمزيق فاتورة القمح بزيادة الإنتاج رأسياً وقليل جداً من الزيادة الأفقية، ويُمكن زيادة إنتاج النفط بذات الطريقة، ولكن هذا يَحتاج إلَى مَالٍ وهذا المال يُمكن توفيره من رفع الدعم عن ذات البترول والقمح المُستورد.
إذن كل الحُلُول تتّجه إلى رفع الدعم اللهم إلا إذا تحنبّل السُّودان حكومةً وشعباً وقَرّرَ الاكتفاء بما ينتجه من قمحٍ ويتم الباقي ود أحمد وفتريتة ودُخُن والاكتفاء بما ينتجه من نفطٍ يُوقف أيّة سيّارة مُتحرِّكة بالبنزين ويمنع أيّة سيّارة ركوبة مُتحرِّكة بالجازولين ولو كانت عَربية فلاني (العلاني)، وهذا يحتاج إلى ماو تسي تونغ سُوداني، ولكن أقسم لكم لو ركب السُّودان هذا المركب سيفوت (الصغار والكبار والقدرو) ولكنه لن يفعل لأنّه عندنا ناس…. (أنا ما بفسِّر وإنت ما تَقصِّر)!!
(3)
إذن رفع الدعم أمرٌ حتميٌّ، ولكنه قد يبدو صعباً في الوقت الراهن إن لم نقل مُستحيلاً فما العمل؟ العمل أن تكون هُناك سياسة مُوجّهة لرفع الدعم، بعبارةٍ أُخرى خارطة طريق لرفع الدعم دُون خسائر في الثورة أو في الأشياء الموجودة، بعبارةٍ ثالثةٍ يحدث رفع دعم بطِيب خاطرٍ، ولكن السؤال هل لغة تطييب الخواطر تَدخل في مُفردات الخطاب الاقتصادي، وأهل الاقتصاد يقولون إنّ القضايا الاقتصادية لا تقبل حُلُولاً غير الوسائل الاقتصادية، فاللغة العاطفية لا سُوق لها في دنيا الاقتصاد!!
إذن، يا جامعة الخير لا بُدّ للحكومة من سِياسةٍ اقتصاديةٍ تُمهِّد للقبول بسياستها الاقتصادية حتى ولو كَانت (قَطع نَاشف).. مُعظم الشعب مَقطوع مَعَهُ نَاشِف، ولكن مَن يَقنع الأقلية بالقطع الناشف حتى ولو كان مُؤقّتاً وعائداً بالمصلحة للبلاد والعباد وخاصّةً الأجيال
القادمة؟!
وتاني تقول لي مافي طبقة بُرجوازية مُسيطرة؟ برجوازية طفيلية وليست برجوازية مُنتجة!! وخليكم معنا إن شاء الله.
حاطب ليل ||د.عبداللطيف البوني
صحيفة السوداني