تحقيقات وتقارير

أراضي جامعة الخرطوم (بِِأيِّ ذنبٍ سُلِبتْ)


في الأيام الماضية أقر الوزير السابق بالعهد البائد عبد الباقي عطا الفضيل بأنه كان يمتلك (124) قطعة من الأراضي التي كانت تتبع لجامعة الخرطوم بمنطقة سوبا، عطا الفضيل نفى ما تردد عن هروبه من العدالة مؤكداً أنه خرج من حراسة نيابة الثراء الحرام بالضمانة العادية، مضيفاً أنه لم يذهب لنيابة مكافحة الفساد لأن من أتوا إليه وطلبوا منه مرافقتهم حسب قوله لم يكن معهم أمر قبض لشخصه، مشيراً إلى أنه سيذهب لنيابة الثراء الحرام للسير في إجراءات البلاغ الذي تقدمت به طليقته للنيابة. (السوداني) بحثت ونقَّبت حول القضية واستنطقت محامين، وزراء، خبراء، وإدارة الجامعة ،وخرجت بالحصيلة التالية :

غرض حتمي:
وزير الإسكان والشؤون الهندسية السابق شرف الدين بانقا يؤكد لـ (السوداني) أنه منذ تقلده ملف الأراضي كان على خلاف مع عطا الفضيل الذي كان حينها موظفاً بالوزارة مما أدى إلى خروجه من حلبة الوزارة، وعن امتلاك الفضيل لعدد (124) قطعة سكنية تتبع لجامعة الخرطوم قال لايمكن لشخص واحد يحتكر عدداً من القطع السكنية لأن الأرض شراكة بين الناس وبهذا يفقد الناس المساواة فيما بينهم، مشيراً إلى أن الأرض منذ خلق البشرية توزع بالعدل للعباد بدليل أن الناس شركاء في ثلاث وهي الماء، الكلأ والنار، والمقصود بالكلاء هو الأرض، مؤكداً أن في عهده في الوزارة لم يملِّك أحداً قطعاً إلا عن طريق دراسة خُطة إسكانية متكاملة، مبيناً أن سياسة الحكومة السابقة جعلت لمؤسساتها مطلق الحرية في التصرف في أراضيها مما نتج عنه تلك التجاوزات، لافتاً إلى أن ماحدث بجامعة الخرطوم لا يتماشى مع القانون لأن الأرض هي للاستخدام بالسكن أو غيره لا لإحتكارها دون ترشيدها وأنه في حالة عدم استخدامها يجب إرجاعها للجهة المانحة بدلاً من استغلالها واستثمارها في المضاربات، وعاب على المجالس التشريعية دورها المتخاذل حول الأراضي التي لم يتم استغلالها من قبل ملاكها بأن تؤول لمن يعمرها، مؤكداً بأنه لا يوجد (ملك حر) بنسبة (100% ) لأي شخص وإن ما يتم يعتبر للمصلحة العامة بدليل إذا وجد غرض حتمي مثل الشوارع، الكباري وغيرها تنزع من صاحبها ويحصل على تعويض مرضٍ من الجهات الرسمية، مشدداً على أن السبب الرئيسي لارتفاع نسبة التضخم بالبلاد هو المضاربات والعقارات بحيث تجد شخص يملك مئات القطع وآخر لا يجد من يأويهِ ويستر أطفاله، وناشد الدولة بأن تكون في دور المانح للمواطنين والتجار وليس دور البائع حتى تفرض هيبتها وتكسب احترام مواطنيها.

جريمة مركبة:
المحامي معز حضرة يقول لـ (السوداني) إن حيازة وامتلاك أراضٍ بعدد (١٢٤) قطعة من أراضي جامعة الخرطوم لوزير سابق تعتبر جريمة مركبة تستدعي أولاً التحقيق مع إدارة جامعة الخرطوم ومُساءلتها عن عدد القطع الحقيقي وهل تحصلت عليها؟ لافتاً إلى سؤالها أيضاً عن كيفية بيعها وهل تم بطريقة صحيحة وبموافقة السلطات الرسمية باعتبار أنها جامعة حكومية، مشدداً على توضيح الجامعة وشرح طرق امتلاكها للوزير سواء كان عن طريق المزاد العلني، أم بالتخصيص، منوهاً إلى ضرورة التأكد من سعر البيع هل كان وفقاً لسعر السوق أم هنالك تنازلات. وقال حضرة إن كل ما تقدَّم من تساؤلات تحتاج لإجابات شافية ويجب تعميم التحقيق وأن لا ينحصر التحقيق مع المتهم صاحب القطع وحده بل يجب التحقيق مع جميع الأطراف ذات الصلة بالقضية، مبيناً أن امتلاك شخص واحد لعدد من القطع يوضح جلياً أن بيعها تم بالتخصيص بحيث يُمنع البيع عن طريق المزاد العلني لأكثر من قطعة واحدة ، واصفاً أن القضية أعلاه تفتقر لضوبط البيع والمساواة بين المواطنين.

مواد اتهام :
يوضح حضرة أن لهذه الجريمة عدة مواد من مواد القانون الجنائي لسنة ١٩٩١، بالإضافة إلى قانون الثراء الحرام، مشيراً إلى أن المواد التي تحاكم بها من القانون الجنائي هي المادة (٨٨) والمادة (٩٢) والمادة (١٠٢) ، والمادتان (٦، ٧) من قانون الثراء الحرام.

تفعيل قوانين :
من جانبهِ طالب الخبير الاقتصادي د محمد الناير بتفعيل قانون من أين لك هذا؟ لملاك الأراضي والقطع السكنية، مشدداً على عودة الأموال والأراضي للدولة بأسرع وقت ، وقال لـ (السوداني) إن شراء الأراضي والعقارات أصبح للبعض ضرورة واتخاذها سلعة يتم تداولها للمضاربة من أجل تحقيق أرباح سريعة، مبيناً أن امتلاك شخص واحد لعدد من القطع السكنية يؤثر سلباً على المواطنين والشرائح الضعيفة التي تبحث من مسكن يأويها ولا تستطيع شراءه نسبةً لارتفاع الأسعار، مناشداً الدولة بمراقبة قطاع الأراضي والتأكد من كل مالك جديد عن تسجيله لها هل هي من حر مالهِ، منوهاً إلى أنه لا بد من التأكد من الشراء من جهة عادلة حتى لو كانت جهة حكومية، موضحاً أن بعض الجهات والأفراد يتجهون لشراء الأراضي والعقارات باعتبارها مخزن للقيمة وبذلك ينعكس على الناحية الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين.

بيع مُقنن:
من جهتهِ أوضح نائب مدير جامعة الخرطوم السابق والأستاذ بكلية الزراعة حالياً البروفيسور أبو بكر علي الجوخ لـ (السوداني) أنه عمل نائباً لمدير الجامعة في الفترة ما بين العام (2000 إلى 2005م)، مشيراً إلى أن الذي يعلمهُ عن أراضي جامعة الخرطوم في منطقة شمبات إبان فترة تولي الزبير بشير طه إدارة الجامعة أنه تم تحويل جزء من الأراضي الزراعية إلى سكنية، منوهاً إلى أنه تم بيعها باتفاق بين جامعة الخرطوم وولاية الخرطوم (80%) لجامعة الخرطوم و(20%) لحكومة الولاية ، مؤكداً تحويل مبالغ البيع من أصول إلى أصول وهي تشييد قاعات دراسية لكليات الطب، والهندسة وغيرها، مشدداً على أن البيع تم عبر لجنة مكونة من الطرفين وهي الجامعة والولاية وطرحها قطع سكنية لمواطنين ، لافتاً إلى دخول صندوق التأمينات الاجتماعية في عهد رئيسه عثمان كنان بشراء عدد من القطع السكنية وبيعها لمواطنين مرة أخرى، وعن أراضي منطقة سوبا قال أبو الجوخ أنه لا يدري عنها شيئاً، مؤكداً أن بيع أراضي الجامعة لا يتم إلا عبر مجلس الجامعة فقط ولا يحق لأي شخص التصرف في قطعة أو بيعها دون موافقة المجلس، وعلق على تداول أخبار عن بيع المدير السابق لقطعة أرض لزوجة الرئيس السابق بأنه من غير الممكن لمدير يتصرف في بيع قطعة لمواطن واصفاً أن ما يشاع عارٍ من الصحة.

شفافية ووضوح:
المدير السابق لجامعة الخرطوم بروفيسور أحمد سليمان يؤكد لـ (السوداني) أن أراضي الجامعة سليمة ولم يتم التغول عليها من أي جهة وأن ما أصابها من بيع كان في عهد الزبير بشير طه وهو بيع مزرعة بمنطقة شمبات تخصها وتحويلها لقطع سكنية، مشيراً إلى أن للجامعة إدارة تسمى إدارة الأصول وهي المسؤول الأول عن أراضي الجامعة ومعنية باحتفاظها بتسجيلات الأراضي وشهادات بحثها وغيرها من الإجراءات الاحترازية لضبط ورقابة الأراضي بالجامعة، منوهاً إلى أن الجامعة مطهرة من شبهات الفساد وتعمل في منتهى الشفافية والوضوح.

رفض واعتذار:
ولمزيدٍ من التفاصيل اتصلت (السوداني) على مدير جامعة الخرطوم البروفيسر فدوى عبدالرحمن طه والتي اعتذرت عن الإدلاء بأي معلومات حول موضوع أراضي الجامعة، مشيرة إلى أنها في الوقت الراهن مشغولة بترتيب كتير من الملفات ومراجعتها وأن أراضي الجامعة جزء منها.
واعدة بحديثها لوسائل الإعلام حين اكتمال الملفات.

تحقيق: اليسع أحمد
صحيفة السوداني