زهير السراج

السادة والعبيد !


* لا يتوقف نجاح الحكومة، أي حكومة، على الاهتمام بالقضايا الوطنية الكبرى أو مشاكل المواطنين على المستوى العام فقط، وإنما بأخص خصوصياتهم والاستماع إلى طلباتهم بشكل شخصي وإيلائها العناية المطلوبة، بل إن سر النجاح لأى حكومة يكمن في رضا الفرد قبل رضا الجماعة .. هذا هو المنهج الذى تتبعه الحكومات الناجحة في العالم، وليس الانكفاء على القضايا الكبرى فقط والشعارات والخطب والكلمات الفضفاضة!

* تناولت الزميلة (صباح محمد الحسن) في عمودها المقروء (أطياف) أمس الأول، سرقة نقابة العاملين بوزارة المالية ولاية الخرطوم التي كان يرأسها مدير عام الوزارة خلال العهد البائد، لمال وعرق وكدح العاملين الذين وثقوا في نقابتهم وسلموها شقى عمرهم للحصول على قطعة أرض يحتمون بظلها أو يدخروها ليوم كريهة، ولكنها خانت الأمانة وسرقتهم وكافأتهم على ثقتهم فيها بطعنة نجلاء في الظهر، وظلت منذ أكثر من ستة أعوام كاملة تماطل في تسليم الأرض وتخدعهم بالوعود الكاذبة، ثم طالبتهم أخيرا بتسديد (آلاف الجنيهات) للحصول عليها، ولو كان لديهم ربع أو عشر ما تطالبهم به، لما لجأوا إليها ووقعوا في أحابيلها وشراك خداعها، وائتمنوها على حصاد عمرهم، وباعوا أعز ما يملكون لتحقيق الحلم الذى طال انتظارهم لتحقيقه!

* القصة باختصار، أن الهيئة النقابية للعاملين بوزارة المالية ولاية الخرطوم وعدتهم بالحصول على قطعة ارض (300 متر) مقابل مبلغ (36 ألف جنيه)، يُسدد منه مبلغ (26 ألف) مقدما، على ان يُستكمل بقية المبلغ عند اجراء القرعة واستلام الارض، وطلبت منهم لاحقا تسديد مبلغ (6 آلاف) ووعدت بأن يكون الاستلام بعد شهر واحد، وتم تحديد المنطقة بـ(سيال الحواب) بمحلية شرق النيل، وقام اكثر من 900 شخص بتسديد المبلغ في انتظار قطعة الأرض .. كان ذلك في عام 2013 !

* منذ ذلك الوقت ظل العاملون يلهثون وراء النقابة للإيفاء بوعودها وتسليمهم الأرض ولكن بدون فائدة تذكر، وكلما ارتفعت أصواتهم بالشكوى لجأت النقابة ورئيسها الذى كان يشغل مدير عام الوزارة، وهو يشغل الآن وزير المالية المكلف بالولاية، بتدبيج الوعود الكاذبة والحيل الخادعة مثل المطالبة بتجديد الملفات بغرض تسليم الأراضي لأصحابها لإسكات أصواتهم بدون ان يروا منها شيئا ..إلخ وعندما فتح أحد المتضررين بلاغا ضد النقابة تم إيقاف مرتبه لتخويف الآخرين من المطالبة بحقوقهم .. أي أن الجريمة لم تقتصر فقط على خيانة الامانة والسرقة بل قطع العيش والتهديد والتخويف!

* لم يكن أمام العاملين لمواجهة الوعود الكاذبة غير رفع دعوى قضائية ضد رئيس النقابة (مدير الوزارة) في العام الماضي، فسارع للاجتماع بمندوبين منهم وطلب حل المشكلة وديا، ووعد بتسليم القطع على ان يدفع كل واحد من المتقدمين رسوم تحسين تبلغ حوالى (30 ألف جنيه)، ثم اتضح فيما بعد أن عدد المستحقين أكبر كثيرا من عدد القطع، بالإضافة الى بيع الهيئة النقابية عددا كبير من القطع لأشخاص ليس لهم علاقة بوزارة المالية الولائية، مقابل دفع مبلغ أكبر من المعلن عنه بدون ان يعرف أحد، وإلى أين ذهبت المبالغ التي دفعوها!

* جرت بعد ذلك الكثير من الأحداث وأقام العاملون عدة وقفات احتجاجية بعد سقوط النظام البائد، وتدخل ممثلون لقوى الحرية والتغيير ووعدوا بحل المشكلة وتسليم القطع للمستحقين ومحاسبة المتورطين، ولكن لم يتغير شيء وذهبت الوعود أدراج الرياح، بل تمت مكافأة المدير العام بتكليفه بأعباء الوزير، فرفع العاملون مذكرتين إحداهما لرئيس الوزراء لم يرد عليها مكتبه، والأخرى لوالى الخرطوم الذى حدد مكتبه موعدا في منتصف الشهر الماضي للقاء المتضررين، ولكنه تملص منه بأعذار واهية .. ولا يزال مسلسل الظلم ونهب حقوق العاملين واغلاق مكاتب المسؤولين أمام المظلومين وضياع العدالة، مستمرا !

* عندما ثار الشعب على النظام البائد ورفع شعار (حرية، سلام وعدالة) لم يحدث ذلك من فراغ، أو حبا في رفع الشعارات الخاوية، ولكن لكى تسود الحرية والسلام وتتحقق العدالة ويراها الناس تتحقق، وينعم المواطن بوطن يكون فيه (السيد) الذى يأمر فيُطاع ، وليس العبد الذى يُقبل يد سيده الحاكم، ويتسول حقوقه !

مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة