تحقيقات وتقارير

حل الشرطة الشعبية.. تقييم التجربة!

قبل يومين من كتابة هذه السطور، أصدر وزير الداخلية الفريق شرطة حقوقي الطريفي إدريس، قراراً بإلغاء الشرطة الشعبية وتعديل الهيكل التنظيمي لشرطة الولايات بإضافة إدارة لدائرة الجنايات تحت مُسمّى الشرطة المُجتمعية.. قرار الطريفي فَسّرَهُ البعض بأنّه قرارٌ سياسيٌّ يدخل في إطار سياسة الكنس والكسح والمَسح التي انتهجتها حكومة الفترة الانتقالية باعتبارها من مُؤسّسات الدولة العَميقة.

من خلال البحث، اتّضح لنا أنّ الشرطة الشعبية كفكرةٍ، نشأت منذ الاستعمار، أسّسها الإنجليز لمساعدتهم في العمل الأمني والجنائي من خلال العُمد والمشايخ والقيادة الأهلية، ثم تطوّرت الفكرة بعد الاستقلال كعملٍ شرطي شعبي في القرى والفرقان ومع الرُّحّل ومسارات الظعينة في مناطق الرعاة، إلى أن جاءت حكومة نميري وعملت على وضعها في قالب قانوني العام 1974، وعندما جاءت الإنقاذ العام 89 19، أصدر اللواء الزبير محمد صالح حينها، قراراً بإنشائها العام 1993 لدعم الشرطة وإسنادها في العمل المنعي ومُكافحة الجريمة وفي عمليات الأمن الداخلي والعمليات الحربية النشطة في كل السودان مع مُحاربة النهب المُسلّح ومُكافحة المُخدّرات.

وحسب مصدرٍ بالشرطة تحدث لـ(الصيحة) قال، إن دور الشرطة الشعبية بعد السلام تَحَوّلَ للعمل المُجتمعي، فنشطت في رتق النسيج الاجتماعي بدارفور وعودة النازحين ومُعسكرات العودة الطوعية، كما عَمِلَت مع “يوناميد” في الاستقرار الأُسري وتأهيل المُواطنين في عدد من المشاريع الإنتاجية، كذلك عملت في الدفاع المدني عبر الأُسر الآمنة من خلال التدريب على الحماية من الحريق وإنقاذ الغريق والتّعامُل مع المُسَطّحات المائية، وكذلك الشراكة مع المرور في سلامة الطالب وتأمين المدارس، ومع الأسرة والطفل وغيرها من العمل المُجتمعي، وقد شارك في هذا العمل المُكوِّن التنسيقي من المُنسِّقين والذين يمثلون المُجتمع في العمل المُجتمعي وعَمل الجُودية وحلّ النزاعات مع تَواجُد الجميع في نقاط بسط الأمن الشامل في الأحياء من تطوير المَواقع وحَل المَشاكل وإضاءة الشوارع وتسجيل المُواطنين وغيرها من أعمال العمل المنعي المجتمعي.

بداية النهاية

في نهايات عهد الإنقاذ، بدأت الدولة تنظر لشرطة أمن المُجتمع نظرةً ضاغطةً، ويبدو أنها لم تكن مُرتاحة لأدائها، حيث وقعت حوادث مُعيّنة ارتبطت بشخصيات كبيرة في النظام وُجدوا مُتلبِّسين في أماكن غير لائقة، والرئيس قال إن أمن المجتمع يعمل بغير قانون أو لا يتوافق مع حُقُوق الإنسان، منذ ذلك الوقت بدأت الشرطة تُعيد النظر في ترتيب أمن المُجتمع، وعندما بدأ النظام في مُحاربة مؤسساته القريبة منه، طالت الحرب الشرطة الشعبية فأعدّت دراسة قبل الثورة أوصت بدمج الشرطة الشعبية فيما يُسمّى بـ(شرطة الأمن المُجتمعي)، وتحوّلت اللجان المُجتمعية المَوجودة في الأحياء والتي تَزيد عن (3000) لجنة في ولاية الخرطوم إلى كَوادِر مُساعدة ويتم استيعاب الشرطيين الجزئيين في الشرطة العامة، وكانت تلك بداية النهاية للشرطة الشعبية والمُجتمعية، أيضاً كانت الشرطة الشعبية مُتّهمة بأنّها الحَاضن ليس للدولة العميقة فحسب، بل للإسلاميين من الشرطة ومُعظم قيادات الشرطة العليا تخرجوا عبر هذه البوابة.

عندما حدثت التحوُّلات السِّياسيَّة أصبحت الدراسة آنفة الذكر مُهمّة للحكام الجُدد وبدأوا إخراجها وأُجيزت، وهي تعني حسب مُواطنين بالأحياء نهاية الشرطة الشعبية التي قدّمت تجربة مُؤثِّرة بغض النظر عن الآراء السلبية حولها والسؤال: كيف يُحقِّق شعار (الأمن مسؤولية الجميع) من خلال لجان المجتمعية أو لجان الأحياء، ومُعظم كوادرها كَانت أعضاءً في اللجان المُجتمعية التي كانت تشهد مُهدِّدات أمنية ولكنهم لم يكونوا مُنظّمين وليس لديهم جسمٌ يعتمدون عليه، بينما الشرطة الشعبية مُدرّبون أمنياً ويعتمدون على الشرطة ويُطبِّقون قانونها بعكس لجان المقاومة التي لا تستند على قانون أو كما قالوا؟

شَـــــتّان

مُواطنون قالوا إنّ القرار له انعكاسات سالبة على الأمن في الأحياء، فالفوضى الحاصلة من لجان المُقاومة مُشكلة كبيرة، وقرار الوزير يُقنِّن لهذه الفوضى، فالشرطي عندما يقول لأحدهم (ما تحفر الشارع ده لأنّه بغرِّق الحِلّة)، أفضل من أن يأتي بعضهم وهم يحملون سواطير ويضربون المُواطنين ويستولون على مُمتلكاتهم! لأنّ الشرطي يتحدّث بطريقةٍ قانونيةٍ وتكون المَصلحة العامة هي السائدة، وإذا حدث تَعنُّت يذهب للشرطة ويبرز بطاقته، والشرطة تتحرّك معه مُباشرةً ولا ينفذ العقوبة بنفسه لأنّه مُوجّه.

هزيمة للعملية الأمنية

رئيس منظمة (صحفيون ضد الجريمة) طارق عبد الله، وصف قرار حل الشرطة الشعبية بأنّه من القرارات الخاطئة، لأنّ الشرطة الشعبية كفكرة لم تكن وليدة حكم الإنقاذ، وقال لـ(الصيحة)، إنّ مشروعها بدأ منذ عهد نميري، والإنقاذ طوّرت الفكرة وكانت تمثل الشراكة الحقيقية بين الشرطة والمُجتمع وتحقّق مقولة (الأمن مسؤولية الجميع)، وهي إدارة مُنظّمة محكومة بقانون الشرطة ومُقيّدة بضوابطه وتجربتها أفضل من التجارب الأخرى مثل اللجان الشعبية أو لجان المقاومة، لأنّها تتبع لمُؤسّسة عسكرية لديها رقابة وقانون وتُحاسب على أخطائها وهذا لا يتحقق في أيِّ كيانٍ آخر، القرار حسب طارق يهزم جُزءاً أَصِيلاً من العملية الأمنية، ويبعد مُشاركة المُواطن ومُساهمته في العمل الأمني، وحلِّها يؤدي لانهيار العديد من الخطط الموضوعة لتحقيق الأمن، مثل بسط الأمن الشامل واللجان المُجتمعية التي كانت تنفِّذ برامج حصر الأجانب داخل الأحياء، وكانت الشرطة الشعبية أقرب نقطة للمُواطن للتبليغ عن أيّة جريمة أو طلب أيّة مُساعدة، وحتى يتسنى للجان المُجتمعية المُزمع قيامها أن تقوم بما تقوم به الشرطة الشعبية، لا بُدّ أن يتوفّر لها قيادة وقانون وفقاً لطارق.

أصبحت دولية

مصادر شرطية قالت لـ(الصيحة)، إنّ تجربة الشرطة الشعبية والمجتمعية أخذتها دول كقطر ومصر وماليزيا للاستفادة منها وتطوير تجارب بلدانهم، مما حدا بدولة رواندا أن ترسل دارسين ليستفيدوا من تجربتها، ووضعوا منهجاً يُدرس الآن في أكاديمية الشرطة الرواندية.

مُهدِّدات ومَخَاوف

وحسب مصادر بالشرطة، فإلغاء وإنشاء إدارة عامة من حق الرئيس حسب الدستور بعد توصية الوزير، وبخُصُوص المُكوِّن التنسيقي للشرطة الشعبية فلديه حقوق لم تذكر القوات المُنتشرة في بعض الولايات الحدودية ويصعب جمعها مِمّا يُؤثِّر في فقدان القوة، أما قوات “يوناميد” فتعتمد في التّعامُل مع المُكوِّن المدني والعسكري ليكون حلقة تأمين لكل البرامج مما يجعل اعتمادها على الشرطة ضَعيفاً مُستقبلاً، تُوجد لجنة هيكلة في المجلس السيادي للقوات النظامية وهي لم تُبدِ رأياً قاطعاً في إلغاء الشرطة الشعبية والمُجتمعية، وحذّر المصدر من أن التجربة ستنتهي بذهاب الإدارة والتنسيق لكونها قلّصت لجُزءٍ من إدارة ولاية مع تقلُّص دورها، وقد أصبحت اللجان المُجتمعية غير موجودة للتّعامُل مع الجريمة ومنعها وكشفها دُون مُسوِّغٍ قانوني، مِمّا جعل الأحياء عُرضةً للتفلتات الأمنية.

الصيحة