بعد منعه من الصلاة عليه .. صحفي شهير يودع والده في قبره
برفقة سجانه المربوط معه في القيد الحديدي نفسه، هبط الزميل محمود حسين إلى حيث يرقد والده في قبره، وصلى عليه صلاة الجنازة.
بعد أن فرغ من الصلاة عليه، انكب محمود بملابس السجن البيضاء على جسد والده في كفنه الأبيض، احتضنه وهو يجهش بالبكاء، وقبله على جبهته قبلة طويلة أخيرة، تمناها وحُرم منها أثناء مرض والده الأخير والطويل، إذ كان الوالد أسيرا لأسرّة المستشفى، في حين كان الابن أسير أسوار سجنه.
وعلم مراسل الجزيرة نت أنه عقب تقديم الأسرة طلبا بإخراج محمود استثنائيا ليدفن أباه، خيّرت أجهزة الأمن أسرة محمود بين اصطحابه في قيوده لمنطقة مقابر العائلة لتلقي العزاء على القبر ظهرا، أو اصطحابه مساء في قيوده لتلقي العزاء بالسرادق المقام بالقرية، فاختارت العائلة المقابر، لكي يودع محمود والده الوداع الأخير الذي حُرم منه حيًّا.
وصباحا، جاءت قوات شرطية إلى منطقة المقابر لتأمينها، وتلاها موكب حراسة لمحمود خرج من قسم شرطة أبو النمرس (بمحافظة الجيزة)، قادما من سجن طرة.
وتوجهت القوات المصاحبة لمحمود حسين إلى المقابر مباشرة -لا إلى المسجد- لأسباب تأمينية، على حد تبرير أفراد القوة المصاحبة.
وبينما تحرك الموكب الأمني بمحمود ووصل المقابر، كانت العائلة أنهت إجراءات الدفن بمشاركة آلاف من الأقارب والجيران وأبناء المناطق المجاورة لبلدة زاوية أبو مسلم التابعة لقسم الهرم في محافظة الجيزة، وعندما وصل أصرّ على فتح المقبرة من جديد للصلاة على والده ووداعه، وفي الأسفل أجهش بالبكاء طويلا.
مكث محمود بعض الوقت عند قبر والده يتلقى العزاء من أقاربه وأهل بلدته وأصدقائه بيده اليمنى، في حين كانت اليسرى في الأغلال التي تربط بينه وبين جندي لا يعرفه ولا يعرف لماذا يقيده، وأي تهمة هو متهم بها، وأي جناية جناها لكل هذا العنت والعناء.
ومنعت القوة الأمنية قيام أي من أفراد الأسرة أو الأصدقاء بالتصوير، وقام أفراد تابعون لها بتصوير الجنازة والمعزين.
وطلبت الأسرة من القوة المصاحبة لمحمود حسين الانتظار حتى تأتي والدته للمقابر من المنزل، وبالفعل حضرت في سيارة خاصة، وسمح الأمن لمحمود بالجلوس إلى والدته، حيث ظل يواسيها ويقبل رأسها، وهو يحاول التماسك والتصبر، لكي لا يكون حزنه ألما جديدا لوالدته المريضة.
وعقب انتهاء آخر تعزية لمحمود من المعزين، اصطحبته القوة الأمنية من جديد إلى سجنه يتيما هذه المرة، برفقة أحزانه التي ضاعفها ألم فقد الوالد.
ألم الفراق
وظل الحاج حسين يعاني ويتوجع شهورا وابنه في زنزانته لا يستطيع مواساته، ولا لمس كفه، والربت على كتفه، ولا تقبيل جبهته.
وسبب سجن محمود لوالده ألما مضاعفا، فوق متاعب الشيخوخة التي جعلت الجسد الواهن للرجل السبعيني لا يحتمل.
وكان الراحل فلاحا مصريا أصيلا صلبا طيبا وكريما، ذا ابتسامة صافية نقية، غابت عن وجهه في السنوات الثلاث الأخيرة، وغابت ملامحه في سحابة حزن عميق، مع كل يوم مر عليه ومحمود في سجنه، فانهارت مقاومته ومناعته.
سقط الوالد مصابا بجلطة في المخ مطلع عام 2018، ومع كل يوم يمر ظل عاجزا عن احتضان ابنه، تتوالى إصابته بالجلطات، حتى جاءت الرابعة لتقضي على قدرته على المشي، أو تحريك ذراعه اليسرى، حتى وافته المنية عصر أمس.
ويقبع محمود في سجنه من دون أن يعرف لماذا هو هنالك بالتحديد، بعد أن استأنفت النيابة على قرار الإفراج عنه قبل شهور، فأعيد لمحبسه بالتهم نفسها المفرج عنه منها، وتخطى محمود حسين في مدة حبسه الأولى مدة الحبس الاحتياطي، قبل إيداعه على ذمة قضية أخرى، محروما من كافة حقوقه حتى حق إدخال الكتب.
واعتقل محمود حسين أثناء زيارة لعائلته بمصر نهاية عام 2016، وهو صاحب تاريخ ناصع في العمل بالصحافة، حيث عمل منتجا بالجزيرة، وقبل ذلك مراسلا لها في مصر، كما عمل من قبل معدا ومقدما للبرامج بإذاعة صوت العرب المصرية، ثم صحفيا ومراسلا ورئيسا للتحرير بقناة النيل للأخبار.
المصدر : الجزيرة نت