المفتاح ..!!
:: فيما تبحث حكومة بلادنا عن دريهمات تسد بها فجوة الميزانية، تتحدث أخبار العرب عن منصة استثمارية ما بين مصر والإمارات بقيمة عشرين مليار دولار.. وهي شراكة لتأسيس مشاريع استراتيجية مشتركة بين البلدين في عدة قطاعات، منها الصناعات التحويلية، الطاقة التقليدية والمتجددة، التكنولوجيا، الأغذية، العقارات، السياحة، الرعاية الصحية، الخدمات اللوجستية، البنية التحتية وغيرها.. ولو لم يكن مناخ الاستثمار جاذباً بمصر، لما زجت الحكومة الإماراتية بذاتها وشركاتها ورجال أعمالها في هذه الشراكة المليارية!!
:: وذات مساء، قبل خمس سنوات تقريباً، وعلى شرف الاحتفال بعيدهم الوطني، سألت أحد سفراء الخليج عن أسباب تقزم استثماراتهم بالسودان في مشاريع البرسيم، وعن عدم الاستثمار في مشاريع استراتيجية تخدم البلدين والشعبين، رغم توفر الموارد؟.. وبعد أن وعدته بعدم النشر كما طلب، شرع يحدثني عن مراكز الفساد بالسلطة وبؤر المتاعب بالمجتمع، وكذلك عن أزمة الطموح وضعف الخيال، وبأننا نتحدث ونحلم كثيراً ولا نبادر بالأفعال وعرض المشاريع كما تفعل الدول الأخرى.
:: وضرب مثلاً بمشروع الجزيرة الذي نتباهى به، ثم سألني: هل أعدت حكومتكم دراسة جدوى لمشروع استراتيجي بحجم مشروع الجزيرة، وعرضت علينا أرض المشروع خالية من الموانع ومتاعب الأهالي وملاحقتهم لنا بالمحاكم والمعاول، فرفضنا التمويل والشراكة؟ و..و..و..كان يتحدث بألم عن قضايا الاستثمار في بلادنا، ونستمع بألم أيضاً.. وقد صدق الرجل، فالاستثمار الأجنبي – كما أسواق الناس – يؤمن بما يراه، وليس بما يسمعه من خُطب وأحلام يقظة.
:: بالأسواق، في المجتمعات، ما أن تفتح محلاً لبيع العصائر وينجح المحل، يأتي آخر ويفتح محلاً للعصائر أيضاً بجوارك.. ثم يأتي ثالث ورابع، ويصبح المكان سوقاً للعصائر.. ثم يكتشف أحدهم أن المكان يصلح لإنتاج الخبز، ويبني (فرناً بلدياً)، وينتج ويربح.. ليأتي آخر ويبني – بجاور الفرن البلدي – مخبزاً آلياً، أي يطور فكرة صاحب الفرن البلدي، ليربح أكثر.. ثم يأتي آخر بفكرة جديدة ..و..و.. هكذا تؤسس المجتمعات أسواقها ومتاجرها.. بالمنافسة وتطوير الأفكار.
:: وما بالمجتمع يرتقي إلى مستوى الدولة في حال أن تتمتع أجهزة الدولة بالإرادة والوعي والمهنية.. وهذا ما كنا نفتقده على مستوى الدولة، أي كان علينا تقديم نماذج استثمارية مشرقة وجاذبة للعالم في كل القطاعات الاقتصادية.. والشاهد أن تقديم مشاريع نموذجية – للعالم – أفضل من مليون خطبة عن جذب الاستثمار.. وتصدير صناديق تحمل ديباجة (صنع في السودان)، يجذب من رؤوس الأموال الأجنبية – للاقتصاد الوطني – أكثر مما تجذبه مؤتمرات (الدعم) وجولات (الشحدة).
:: قطاع الاستثمار، كما أسواق المجتمعات، مُبادرات واستغلال فرص.. وكثيرة هي الفرص التي أهدرتها بلادنا – في عهد النظام المخلوع – بالفساد أحياناً، وكثيراً بسوء التخطيط وقُبح التنفيذ وجهل بعض المجتمعات بجدوى الاستثمار.. ونأمل ألا تمضي حكومة الثورة على ذات النهج.. مفتاح النهضة في موارد بلادنا، ومن الخطأ البحث عنه في بلاد الآخرين .. فمع جذب الأجانب بالأفعال وليس الأقوال، يُمكن إخراج الرأسمالية الوطنية أيضاً من عالم التجارة الخاملة – والسمسرة في الأراضي والدولار – إلى عالم الصناعة والزراعة.
إليكم .. الطاهر ساتي
صحيفة السوداني