عبد اللطيف البوني

هدف ثوري!


(1)
عندما تناولت قضية دعم البترول والقمح، مُطالباً بتعميق النظر فيها، كُنت أعلم أنّني أسبح عكس التيار، فكلمة دَعم كلمةإيجابية تُوحي بالمُساندة والترفُّق، فكيف يُطالب شخصٌ بإيقافها؟ ثُمّ ثانياً الكُل يعلم أنّ الدّعم في لغة الاقتصاد تعني أنّ هناك تَشوُّهاً ما، فكل الذي قصدته هو إزالة هذا الطلاء الخادع من كلمة دعم، فهي ليست ترفُّقاً أو مُساعدة لأيّة طبقة من طبقات الشعب، إنما أخذ أموال عامة وإعطائها للفئة ذات المواعين، وأنّ هذا الدعم هو أحد أسباب عجز الدولة عن الإيفاء بواجباتها.. كما إنني حاولت القول إن هذا الذي نُسمِّيه دعماً هو في حقيقته ظُلمٌ يُوجِب الثورة عليه، باعتبار أنّ فيه تعدياً على حُقُوق الأغلبية لمصلحة أقلية.

(2)
في خاتمة هذه السلسلة اسمحوا لي أن أذهب إلى أكثر من ذلك بالقول إنّ هذا المُسمّى دَعمٌ في أصله فسادٌ كبيرٌ، فإلى وقتٍ قريبٍ كانت الدولة لا تتدخّل في أسعار الخُبز ولا تَدعمه ولو بمليمٍ واحدٍ، ولكن هُناك من أقنعها بالتدخُّل بسعرٍ مُختلفٍ للدولار ليكون الفَرق لمَصلحة من اتّخذ له القرار ولمُتّخذ القرار فرداً كان أم جهة أو حتى دولة، لأنه سيكون هناك مالٌ ضخمٌ مُجنّبٌ بعيداً عن ميزانية الدولة المُعلنة والمُجازة، وهذا المال المُجنّب يذهب لجهات وأشياء تُحدِّدها هذه (الشلة) وبالطبع يدخل في ذلك المصالح الخاصّة وهذا فتح باباً (أربع ضلف) للفساد.. إلا قُل لي بربك عندما تشتري الدولة البترول بالكسر وتخسر فيه كل هذه الخسارة، فأين يذهب الفرق بين السعر العالمي والسعر الذي سيخرج من خَزينة الدولة؟ هل يذهب للسمسار وحده؟!
يا جماعة الخير الحكاية فيها… وفيها… وفيها… ثمّ فيها تجنيبٌ… وفيها كارتيلات… وفيها كومشنات… وفيها ازدهارٌ لتجارة العملة، لهذا ظل الدعم مَحمياً بجماعة مصلحة قوية!!

(3)
لا ندّعي علماً أكثر من الآخرين، ولا معرفة أكثر من المُتخصِّصين، ولكننا شُهُود عصر على هذا الذي يجري، فكل الذي نسعى إليه هو نقل معرفتنا البسيطة للرأي العام، وعلى استعدادٍ تامٍ لركلها جانباً إذا ثبت لنا عَدَم صوابها، ورِهَاننا على الشعب لا حُدُود له، فعلى حكومة الثورة وكل العارفين توعية الشعب بحقيقة هذا الدعم وكل خفاياه، وكيف أنه خدعة كُبرى ومن هو المُستفيد الحقيقي منه، فإذا اقتنع الشعب أنّ هذا الدعم أو بالأحرى ما يسمى بالدعم واحدٌ من أكبر محنه وبلاويه، فعليه أن يثور عليه كما ثار على الظلم وأشكال الفساد الأخرى، ويجبر الحكومة على وقفه فوراً، نعم يجبر الحكومة لأننا رأينا كيف أنّ بعض الحاكمين كانوا جُزءاً لا يتجزّأ من جماعة المصلحة في الدعم.

(4)
من المُؤكّد أنّ هُناك آثاراً جانبيةً سوف تنجم من تقويم اعوجاج الدعم، وفي تقديري أنّ هذه مقدورٌ عليها بواسطة الحكومة والدولة والمُجتمع، وأهم من ذلك سوف تظهر مُبادرات فردية لم تكن في الحسبان ويبقى الأهم هو إزالة الضرر، فعلماء الأصول يقولون إزالة الضرر مقدمة على جلب المَنفعة، ولعلّهم بذلك يقولون إنّ إزالة الضرر نفسها أكبر منفعة.
فكل المطلوب أيُّها الأحباب أن تكون الحكومة صَادِقة مع نفسها ومع شعبها، وأن يكون الشعب واعياً ومُدركاً لمَصلحته ولا يقبل التّفريط فيها، والعدالة قيمة مُطلقة، فلنسعى لها جميعاً وأنها لثورة التوفيق والنجاح حليفها إن شاء الله.

حاطب ليل ||د.عبداللطيف البوني
صحيفة السوداني