تحقيقات وتقارير

الزواج المبكر .. هروب من «الفقر» إلى «الطلاق»


اتفق عدد من علماء النفس والاجتماع على أن مشكلة الزواج المبكر ترتبط ارتباطا وثيقا بالعديد من الظواهر المجتمعية السلبية الأخرى مثل التسرب من التعليم والأمية والزواج العرفى والزيادة السكانية وعمالة الأطفال وأطفال الشوارع وغيرها، وقالوا إن مواجهة هذه المشكلة تعتمد في المقام الأول على تغيير البيئة الثقافية وزيادة الوعى لدى بعض الفئات في المجتمع والتى تتعامل مع هذه المشكلات باعتبارها جزءا من عاداتهم وتقاليدهم.

أكدت الدكتورة إبتسام علام، أستاذ علم الاجتماع جامعة القاهرة، أن ظاهرة الزواج المبكر لدى بعض القرى والنجوع والقبائل، لم تتأثر بما شاهده العصر الحالى من تطور، وارتفاع في مستوى التواصل، فالأمر بالنسبة لهم عقيدة تنشئة، ورواسب لممارسات ثقافية، ومعتقدات هي جزء من ثقافتهم، لا يرون فيها مجالا لخطأ، ومبرراتهم لها قوية من وجهة نظرهم، لا يتهاونون في تطبيقها، بمجرد إتاحة الفرصة لذلك.

ولفتت إلى أن حجم التمسك بها يظهر في اتباع بعض أساليب التحايل، حين حاول القانون التصدى لهذه الظاهرة، بتحديد سن للزواج، ولجأوا للتلاعب في تسنين الزوجة، وتضيف أن الجلوس مع أي أسرة من هؤلاء ومحاولة إقناعهم بالتراجع عن الخطوة، أمر غير هيّن، ليس فقط لأنها عادات موروثة، ولكن لأنهم يعتقدون أنهم يعملون لصالح الفتاة، فالزواج هو الملاذ الآمن لستر الفتاة، وعلى العكس كلما زاد المجتمع انفتاحا، خافوا على الفتاة، وحاولوا الزج بها لأقرب زيجة.

وترى «علام» أن علاج مثل تلك الحالات يستلزم خطة بحثية بعيدة المدى، تحدث تأثيراً تراكمياً، وهو دور منوطة به كل الجهود، وعلى رأسها الإعلام، لكونه الأوسع انتشارا، والأكثر قدرة على التنويع.

الأزمة الكبرى في تلك الزيجات- حسبما تروى د. إبتسام- تتمثل في تحول تلك الظاهرة أو هذا المفهوم إلى صفقات، عرض وطلب على العروس، تجارة محددة الغرض والمدة، وبعقود مسبقة، وهى قمة المهانة، التي وصلت إليها الفتاة في المجتمع، أياً كانت الدوافع لذلك.

ففى ذلك المشهد تحولت الفتاة إلى دمية، وتفرض طبيعة المشهد نفسها فتتحول إلى أم، تعانى ضغوط لا حصر لها، لا تجد فيها مفرا لانتشال نفسها، لأنها فُرض عليها مسؤولية أكبر، وهى رعاية الأطفال. وقتها تقع الطفلة في حيرة، بين وضع فرضته عليها أسرتها، فتكمل حياتها وهى على يقين أنها مجرد شخص ضائع الوجدان، ولا يمكنها أن تُقبل على الحياة بشكل سوى.

وتقول «علام»: «وعلى المدى المجتمعى يُعد الزواج المبكر من الظواهر التي تعوق التنمية، لأنه يزيد من أعباء الفقر، والضغوط المجتمعية، وفى الغالب يفشل الاستقرار الأسرى، وتتحمل الأم المسؤولية، فتظهر لنا تباعاً ظاهرة جديدة، وهى تأنيث الفقر، كما أن الزيادة السكانية مرتبطة بالزواج المبكر، لأنها تتيح فرصة أكبر للخصوبة، في حياتها الزوجية، ولكنها زيادة تضعف من قوة الدولة الاقتصادية».

وأكدت الدكتورة ماجدة فؤاد، أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الجنائية، أن السن الأنسب للزواج وخصوبة المرأة ومع حصولها على درجة وعى مناسبة تتراوح بين 20 و35 عاماً.

وتضيف: «ولكن ما يحدث في ظاهرة الزواج المبكر هو مجرد استغلال لمشاعر طفلة فرِحة بفستان وحفل وفرْحة تراها في عيون الآخرين، غير مدركة طبيعة الحياة، المقبلة عليها، وعواقب فشل تلك الزيجة، وقد تلعب الأسرة على النواحى النفسية للفتاة، بمقارنة وضع العروس مع من فاتهم قطار الزواج، وقد يكون له دوافع بالحفاظ على الإرث داخل حيز العائلة، كى لا تخرج الفتاة لأسر غريبة عنهم.

وعلى المستوى النفسى حللت الدكتورة ولاء نبيل، استشارى الطب النفسى، تكرار مثل تلك الحالات بأنها تكثر في الفئات غير المتعلمة، وتكون النظرة فيها لدور الأنثى أنها إما الأم أو الزوجة.

وقالت: «ومن تتعدى العشرين عاماً تقل فرص الزواج لديها وتتعرض للتنمر، ويكون مستوى التعليم المرضى لهم هو أن تنال قدرا من الكتابة والقراءة، فقط كى تقدر على تعليم أولادها، وفى تلك الزيجات يتغاضون عن شروط التكافؤ، وهذا يترك فروقا ثقافية تخلق مشكلات، وفى المدن يؤثر على النضج العاطفى، والأمر الذي يجبر الأم على الدخول في محاولات للتعلم عن طريق المحاولة، سواء فشلت أم نجحت، فتلجأ بعضهن للدخول في علاقات أخرى، من أجل السعى للوصول لمستوى عاطفى تفتقده، بحثاً عن النضج النفسى».

ويقول الدكتور إبراهيم عيد، أستاذ الصحة النفسية جامعة عين شمس، إن الآثار النفسية القائمة على أي موقف يتعرض فيه الإنسان للقهر أو الإرغام، تكون قاسية، فما بالك عندما يكون هذا القهر يورط ضحية في علاقة زوجية، من المفترض أنها بلا نهاية.

وعن الآثار السلبية التي تلقى على عاتق الزوجة الأم قالت الدكتورة رشا منصور، إخصائى الطب النفسى، إن الأم تتعرض في تلك الحياة لنوبات اكتئاب مستمرة، تدفعها للبحث عن سبل التخلص من تلك الحياة، حتى ولو بالانتحار، أو بالتخلص من الأطفال، عائق استمرار تلك الزيجات الرئيسى، وأشارت إلى أنه قد تتطرق هذه العلاقة إلى علاقات أخرى فرعية، تختلف فيها أشكال الخيانة، لتشعر الفتاة بإهدار حقها في الكرامة وحقها في الاختيار

ولاء نبيل, سحر المليجي, علاء سرحان
صحيفة المصري اليوم