تحقيقات وتقاريرمدارات

شارع مصر والسودان


لاحظ الخبراء والمراقبون للعلاقات السودانية المصرية كمونا للعلاقات بين البلدين في مرحلة ما بعد التغيير بالبلاد.. وتساءل بعضهم عن سبب هذا الكمون هل يرجع لعزوف مصري أم لرفض سوداني؟

تشهد العلاقات السودانية المصرية حالة من الركود والكمون بعد التغيير الذي حدث في البلاد، ويلاحظ الخبراء في البلدين أنه بعد مرور ما يقارب ثلاثة أشهر ونصف على تولي الحكومة الإنتقالية في السودان، عدم وجود مؤشرات على شكل للعلاقات بين البلدين في مرحلة ما بعد التغيير، بعكس الحال مع باقي دول الجوار التي تشارك في مبادرات لحل الأزمة السودانية كتوقيع الوثيقة الدستورية الذي تبنته أثيوبيا بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغير، وكذلك دخول جوبا بقوة في ملف السلام واستضافة المفاوضات بين الحكومة الإنتقالية والحركات المسلحة، علاوة على الزيارات المتبادلة والملحوظة بين كل من أنجمينا والخرطوم وأسمره والخرطوم، ورغم محاولات القاهرة للدخول في ملف السلام واستضافة الجبهة الثورية وقوى نداء السودان للتشاور والتمهيد للسلام إلا أن الجهد المصري بات خافتا بعد ذلك، على جانب آخر يرى بعض الخبراء أن السودان قد يكون منشغلا بمشاكله الداخلية وأن العلاقات مع مصر قد تكون في خارج الأولويات في هذه المرحلة أو ربما تأتي في مرحلة متأخرة، كما رأى الخبراء إنقسام داخل القيادة السياسية الجديدة للحرية والتغيير حول العلاقات مع مصر، وأن منهم من لا يرى أهمية للعلاقات في هذا التوقيت وأن العلاقات مع أفريقيا والغرب قد تكون أفيد من مصر، ومنهم من يرى تأجيل هذا الموضوع الآن، لافتين إلى إمكانية لعب مصر لدور مهم لمصلحة السودان في ملف الإرهاب وكذلك دعم السودان إقتصاديا بالحديث مع أصدقائها. فهل هذا الركود في العلاقات بين البلدين يرجع لرفض سوداني أم لعزوف مصري؟، وهل شارع العلاقة بين مصر والسودان مازال مفتوحا أم تم إغلاقة لمزيد من التحسينات وفق رؤية جديدة؟ وهل يمكن أن نتحدث عن تأسيس جديد للعلاقات على أسس مختلفة في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ السودان؟.

تواجد مصري

حركات دارفور من جانبها كانت تطالب بضرورة تواجد مصري في مفاوضات السلام بجوبا بجانب مشاركة كل دول الجوار فيها وكان هذا طلبا أساسيا لها قبل الدخول في مفاوضات فعلية، إلا أنه مع سير عملية التفاوض لم يتحقق غير وجود وفد تشادي رفيع المستوى زار جوبا قبل أيام وناقش الوفد مع مجلس السيادة الإنتقالي والوساطة في جوبا سير مفاوضات السلام. وأكدت مصادر من حركات دارفور على إصراراها في ضرورة وجود وفد مصري لمتابعة سير المفاوضات بجوبا، وقالت المصادر لـ (اليوم التالي) إن وجود ممثلين لدول الجوار وعلى رأسها مصر في المفاوضات مهم، مضيفة أن هذا التواجد يعد ضمانة مهمة لتنفيذ عملية السلام، مشيرة إلى حماس القاهرة في البداية باستضافة الحركات في منتجع العين السخنة للتمهيد للتفاوض، منوهة في الوقت نفسه إلى أن هذا الحماس قد قل كثيرا بعد البداية الفعلية للمفاوضات في جوبا، وتعجبت المصادر نفسها من تراجع الدور المصري بعد دخوله الملف بقوة في بدايته.

قائمة وفعالة

الدكتورة أماني الطويل مدير البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية لم تر كمونا في العلاقات بين البلدين على المستوى الرسمي، وقالت الطويل لـ (اليوم التالي) إن العلاقات بين مصر والسودان على المستوى الرسمي قائمة وفعالة، مضيفة أن الرئيس السيسي قال إنه مستعد للربط الكهربائي مع السودان، في المقابل لا يوجد رد سوداني رسمي حول هذا الأمر، وربما هذا يدعو للتساؤل هل عدم الرد السوداني يأتي نتيجة إرتباطات إقليمية، لافتة إلى أنه لا توجد نية مصرية لإحجام العلاقات مع السودان، وقالت نفسر ذلك بأنه قد يكون عدم توافق الذهنية المصرية مع النموذج السوداني في هذه المرحلة، وربما هذا يعكس نوع من الهواجس حول النية المصرية تجاه السودان، مضيفة كان من المهم أن يكون هناك دور للبرلمان المصري تجاه السودان بعد التغيير، لافتة إلى ضعف من البرلمان المصري تجاه السودان وأفريقيا، وقالت كان من المفترض أن يكون هناك زيارة رسمية للبرلمان المصري للخرطوم بعد الثورة لمساندة الشعب السوداني، مشيرة إلى أن الفعل المدني تقلص تجاه السودان، وقالت وبالتالي قد يكون من الطبيعي رؤية العلاقات بهذا الشكل، كما لفتت (الطويل) إلى عدم ترتيت الأجندة السودانية حتى الآن، وقالت قد يكون من الضروري أن يعلن الجانب السوداني طلبات محددة من مصر في هذه المرحلة في حدود إمكاناتها، مضيفة أن الإسناد المصري سيكون لوجستيا ومن الصعب أن يكون ماديا على غرار دول الخليج للأسباب المعروفة للجميع، وعلى مستوى مشاركة مصر في ملف السلام قالت ( الطويل) إنه في ظل تعدد أجندات الحركات وكذلك تعدد المسارات علاوة على تدشين مسارات جديدة يجعل المشهد التفاوضي مرتبكا، مضيفة يجب أن يكون هناك وحدة في الرؤى والكيانات حتى لا يتشتت المجهود المصري، مضيفة أعتقد أن مصر في هذه الحالة لا يمكنها التعامل مع تعدد المسارات وتباين الرؤى بهذه الطريقة، داعية إلى ضرورة مبادرات شعبية مصرية للوقوف بجانب السودان في هذه المرحلة، مستدركة في الوقت نفسه أنه لإرتفاع سقف التوقعات المخاصمة لمعطيات الواقع على المشهد في السودان بعد الثورة ربما يجعل الجانب المدني في مصر ينتظر حتى تستقر الأوضاع.

تعدد المسارات

الدكتور أيمن شبانه مدير مركز الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة قال إنه آن الأوان لتعدد مسارات العلاقات المصرية السودانية، وأضاف شبانه لـ (اليوم التالي) إنه لابد من توأمة حقيقية بين منظمات المجتمع المدني في البلدين وأن تطرح كل القضايا السودانية في مصر وأن تناقش بشكل دوري، وتابع لابد أن نسمع بعضنا ونؤسس للعلاقات بين بلدينا على أسس جديدة ننسى فيها أي مرارات سابقة، ودعا إلى ضرورة مبادرات يتبناها العقلاء والحكماء والراغبين في علاقات سليمة وقوية بين البلدين، لافتا إلى أن الحلقة المفقودة في عدم إتمام هذه المبادرات في عدم وضع المقترحات موضع التطبيق، لافتا إلى أن المدخل الصحيح لبناء علاقات سوية بين مصر والسودان يجب أن ينبي على مداخل التعليم والصحة والثقافة والرياضة وضرورة مراعاة الجانب الإنساني لتكون قاعدة متينة تنطلق منها العلاقات، وقال إن العلاقات السياسية دائما متذبذبة ومن الصعب قيام العلاقات عليها، مقترحا مجموعة من الأفكار للجانب المصري لضرورة تمتين العلاقات، وقال يمكن أن نخصص مساحات للكتاب السودانيين في الصحف المصرية، وأن نحتفل مثلا بعيد إستقلال السودان في مصر بطريقة خاصة، مقترحا رفع علم السودان في أول يناير القادم في ذكرى الإستقلال على برج القاهرة، أو الإحتفال بهذه المناسبة في ميدان التحرير، ويمكن أن تكون هناك لوجة إعلانية ضخمة تجسد العلاقات بين البلدين في ميدان التحرير أيضا، وذكر شبانه عدد من المقترحات البسيطة للإحتفاء بالسودان والتي تعبر عن حب الشعب المصري ومساندته للسودان.

أهمية العلاقات

أما السفير عبد المحمود عبد الحليم سفير السودان السابق بمصر فقد علق في قروب (شارع مصر والسودان) على الواتساب والذي أنشئ لدعم العلاقات بين البلدين والذي يضم مجموعة من الخبراء والباحثين في شأن العلاقة قبل أيام قائلا إن التفاعل الحذر وإن شئت البطئ من جانبي هذا الحوار يعكس أهمية المباراة بلغة أهل الرياضة وحاجة كل فريق لدراسة مناطق القوة أوالضعف لدى الطرف الآخر قبل أن يشتد عزم الفريقين لتقديم مباراة تليق بجمهور شعبى وادى النيل، مضيفا وعندما أقول مباراة لا أعني تلك الصفرية النتائج، بل إستخدم التعبير مجازا بهدف التطلع إلى حوار عبر هذا (القروب) يكون فيه الجميع كاسبا ومنتصرا، مهنئا القائمين على القروب لاختيارهما الدقيق لأعضائه، وقال إن هذه المجموعة الخيرة وفى هذا التوقيت بالذات، والذي يرى فيه البعض أن أمر العلاقات قد خبأ نوره حتى كاد أبو حنيفه أن يمد رجليه، بينما يرى فريق آخر أن عدم ظهور أمر العلاقات في رادار الإهتمامات الآنية سببا كافيا لإبتدار حوار جاد لبناء وتعبيد شارع العلاقات نسبة لخصوصيتها وتعقيدات أمرها الذي ملأ الدنيا وشغل الناس وأطياف مفكريها بمختلف مشاربهم، وتابع قد نحتاج لآراء رجال الطب النفسي السياسي نظرا لوجود الحساسية في العلاقة، وقال إن للسودانيين حساسيتهم باستدعاء بعض أحداث التاريخ، وأن هنالك تصور للسوداني في المخيلة المصرية أيضا على النحو الذى تعكسه بعض جوانب الدراما المصرية، معربا عن سعادته بتبني العديد من الحوارات بين البلدين،وقال سواء بالبدء بمسارات محددة أو بخلافها، لأن بحث أي مسار ربما يصطدم بضرورة توضيح مرجعية هذا الإنطلاق لأنه لايمكننا إعطاء وصفة دواء متدرجة لمريض قبل إجراء تقييم شامل للحالة الصحية والمرضية، كما أعرب عن أمله في أن تسفر هذه الحوارات والنقاشات حول العلاقة إلى مايضعها في إطارها الصحيح والمرتجى، وأن يتم إنشاء منابر مشتركة للمثقفين والمفكرين والصحفيين والمبدعين والرياضيين في البلدين تعزيزا للفهم المشترك وتدعيما للوشائج وتحصينا للعلاقات.

القاهرة: صباح موسى
اليوم التالي