حيدر المكاشفي

التلويح بالاستقالة


للمرة الثانية يلوّح وزير المالية إبراهيم بدوي بالاستقالة من منصبه، وفي كلا المرتين كان تمسكه برفع الدعم هو سبب التلويح، فى التلويحة الأولى قيل أن الامام الصادق المهدي اثناه عنها، ولاندري حتى الآن مصير التلويحة الأخيرة، هل تكون تلويحة وداع أم أنها ستكون مجرد مشروع استقالة لم يكتمل على رأي الامام الصادق، والاستقالة الحقيقية والحقة لا تعرف هذه المنطقة الرمادية، فاما استقالة كاملة الدسم أو لا استقالة، فليست هناك درجات للاستقالة تتدرج من الأبيض الناصع الى الأحمر القاني، وعلى ذكر التلويح بالاستقالة أو الشروع فيها، أذكر تلك العبارة التي رد بها الامام الصادق المهدي على سؤال وجه له بعد خروجه من الاعتقال الذي تعرض له بسبب انتقادات عنيفة كالها لقوات الدعم السريع، وكان السؤال هل تقدم ابنك عبد الرحمن باستقالته عقب اعتقالك؟.قال الإمام (طبعاً عبد الرحمن تقع عليه ضغوط كبيرة..هو كتب خطاب الاستقالة وأعده لكن لم يقدمه!)..وبهذا الرد اللطيف الظريف أعتقد أن الإمام قد رفد المكنكشين من أصحاب السلطان والصولجان بنوع جديد من الاستقالات يمكن أن نطلق عليه مسمى (الشروع في الاستقالة)، إذ يكفي أيما مسؤول نافذ ومتنفذ بحسب نظرية الإمام هذه مهما قارف من بلاوي وارتكب من جلائط وخطايا كي يغسلها ويتحلل منها، أن يأتي فقط بورقة وقلم أو يجلس إلى جهاز حاسوبه أو لابتوبه ويكتب استقالته ثم يسيِّفها أو يودعها درج المكتب وبس خلاص، ويكون بذلك قد خرج مما ارتكب نقياً نظيفاً كما تخرج الشعرة من العجين، وكما يعود الحاج بعد أدائه الفريضة ويعود بعدها لما كان فيه وعليه، وهكذا دواليك، بل أن الامام نفسه كان الأسبق في التلويح بالاستقالة، اذ لوح غير ما مرة بتنحيه عن قيادة الحزب دون أن يتنحى فعليا ، وكأني به كان يكتب بيان تنحيه ولا يذيعه على الملأ وانما يودعه درج مكتبه، وهذا حال يجوز فيه القول بمثل ما قال هو في استقالة ابنه انه كتب بيان التنحي وأعده ولكن لم يعلنه..

ولكن أيا يكن الرأي في التلويح بالاستقالة والتي يرجح أنها مجرد محاولة للضغط، الا أنها أفضل من الرفض المغلظ للاستقالة كما كان يحدث خلال العهد البائد، حيث كان سدنة النظام المخلوع يعيبون حتى مجرد الحديث عن الاستقالة، فمنهم من قال أنه لم يفكر اطلاقا في تقديم استقالته مهما كانت الأسباب، اذ تعتبر الاستقالة عنده هروب لا يجوز، ومنهم من عدها معادلة لعملية التولي يوم الزحف، وكأنما هو في أتون حرب ضروس شعاره فيها (إما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدا)..وغير هذين المثالين هناك الكثير من الأمثلة التي نحت نحوهما، فطوال عهد الإنقاذ المدحور لم يحدث أن كانت هناك استقالة بالمعنى، وإنما بدعة عرفت بمسمى (استراحة محارب) وهي فترة نقاهة يقضيها (المحارب المرهق) ريثما يتم تدبير منصب أعلى له، أما الان في عهد الثورة يجب أن تسود ثقافة الاستقالة، وعلى كل من لا يأنس في نفسه المقدرة على الانجاز أو انه غير متسق ومتفق مع سياسات الحكومة المسارعة في الاستقالة قبل الاقالة..

صحيفة الجريدة