من وحي تسريب العربية .. شلة الحكومة البائدة
قيل في البدء أن من يقررون في مصائر البلد ويقرون سياساتها وتوجهاتها كانوا أربعين إسماً، وكانوا هم الحاكمين الفعليين للبلاد أُطلق عليهم مسمى (المجلس الاربعيني)، ورويداً رويداً بدأت الدائرة الحاكمة تضيق وكان في ضيقها سعة وتوسع لمن ظلوا داخلها فاطلق عليها المفكر الراحل محمد أبو القاسم حاج حمد اسم (المنظمة داخل المنظومة)، أما الدكتور الطيب زين العابدين الاسلامي العريق والاصيل والكاتب الصحفي الأشهر فقد أطلق عليها مسمى (الشُلّة) وقال أن عدد أفراد هذه الشُلّة الحاكمة يتراوح ما بين خمسة إلى ستة أفراد دون أن يسميهم وطالب بتغيير نمط حكم الشلة الذي كان سائدا، ولم يترك دكتور الطيب لحزب المؤتمر الوطني في الحكم نصيب سوى اللافتة التي تعلو داره، ولم يترك لكل هيل الوزارات وهيلمان الوزراء سوى حق البصمة على ما تقرره هذه الشلة، ورغم هذا الدور الكبير والخطير لهذه الشلة القابضة والمستحكمة في كل شيء والتي يهم أفراد الشعب جداً التعرف على من كانوا يحكمونه بحق وحقيقة، إلا أن دكتور الطيب تمنّع عن ذكر أي إسم فيها بفرضية أنهم معروفون، ولكن عني شخصياً لم أكن أعرفهم على وجه اليقين، كان يمكنني فقط أن أخمن أن فلان وعلان وفلتكان من هذه الشلة، ولكن ذلك سيبقى محض تخمين قد يصدق كله أو يخيب كله، أو قد يصدق بعضه ويخطيء بعضه الآخر وفي كلتا الحالتين تظل الحقيقة اليقينية غائبة، ما استطيع التيقن منه مثلاً أن فلان رغم أنه شغل فى فترة منصب الناطق الرسمي باسم الحزب الحاكم ليس منهم ولا غندور ولا مندور دعك من مسار ونهار، بل أن أسماء كثيرة وكبيرة ممن كانت تحتشد بهم الحكومة والحزب الحاكم كنا نظنها من أهل الحل والعقد وأصحاب القرار والكلمة ستكون كلها خارج هذه الشلة الضيقة جداً التي لا يتجاوز عدد أفرادها الستة، حسناً، لقد كان من حكمونا هم فقط ستة أشخاص في أعلى تقدير وأطلقنا عليهم مسمى الشلة الحاكمة، فماذا بقى من توصيف لبقية الحشد غير أن نطلق على بعضهم مسمى (الروافع) وهؤلاء هم من يلون الشلة في الرتبة والمقام، والبقية (لا في العير ولا البعير)، جماعة (طاطا قام طاطا نام) أو بالأحرى ناس (قام بجماعتو وقعد بجماعتو).. الشاهد هنا ليس هو صحة أو عدم صحة رقم أعضاء الشلة، وهل هم ستة أم ستين، الشاهد هو أن البلد كانت تحكم ويساس ناسها على نمط وطريقة الشلة بقناعة أن المنهج (الشللي) هو الانسب لادارة هذه البلاد بما يوفره للشلة الحاكمة من ميزات التآلف والتفاهم بين أفرادها مما يسهل عليهم ممارسة ما يريدون وبالطريقة التي يريدون و(زيتهم في بيتهم)، ولعله لهذا السبب كان شعار (انتهى زمن الغتغتة والدسديس) واحدا من أشهر شعارات الثورة، باعتبار أن نظام الشللية البائد كان يفتقد إلى المراقبة والمحاسبة وفيه إهدار للكفاءات الأخرى أو توظيفها في غير مكانها، وأن الشللية تفتقد الديناميكية والتغيير في العمل وتقوم أساساً على الجمود في المواقع والوظائف وأساليب العمل… وبعد أعزاؤنا القراء ألا ترون في القليل جداً الذي ذكرناه عن مساوئ (الشلة) أننا فعلاً كانت تحكمنا شلة فاسدة في نفسها ومفسدة لغيرها..
صحيفة الجريدة