صلاح الدين عووضة

الأيام !


طرقتني ضحى الأمس.. طرقت عقلي… وقلبي… وفؤادي… و(أصابعي) – التي أكتب بها – كلمة الأيام..
وكلمة (طرقتني) تجوز لغةً ؛ كقول الشاعر :
طرقتك زينب والركاب مناخةٌ… بحطيم مكة والندى يتصببُ
بثنية العلمين وهناً بعدما…… خفق السماك وجاوزته العقربُ
وتساءلت : ماذا تريد أن تقول لي يا ترى؟… أو ماذا تريد مني أنا أن أقول لها؟.. وكثيراً ما تطرقني كلمات ؛ بإلحاح شديد..
فما يستطيع عقلي… وقلبي… وفؤادي… منها فكاكاً ؛ إلا بعد أن تضربها أصابعي.. فتنفجر منها كلمات لحواسي هذه التي استسقتني.. أو أنا الذي استسقيت لها؛ إذ بدت لي عطشى – كقوم موسى – تنشد الإرواء..
ولكن مالي وللأيام؟!… ما زلت أتساءل..
فأنا لا أعرف لها – ومنها – إلا أدباً… ونظماً… وغناءً… وتلك التي عاشها طه حسين..
أو تلك التي أبدعها كتاباً يحكي (أيام) طفولته..
وهي كانت أياماً رأيناها مرعبة؛ حين فُرضت علينا في (أيام) دراستنا الأولى.. لم نر فيها – ومنها – إلا ظلاماً… وأشباحاً… وشياطين.. فهو عاش (أيامه) كلها في ظلام؛ ولكنه أبصر بعين البصيرة ما عجز عنه المبصرون..
أو ما عجز عنه الكثيرون منهم؛ كحال المعري أيضاً..
وُقبيل اندلاع تظاهرات ديسمبر طرقتني كلمة (خلاص) ؛ بعنف أرهق حواسي.. ثم ما ارتاحت إلا بعد أن جعلت الكلمة هذه عنواناً لكلمة.. ثم اعقبتها بخاطرة على صفحتي – في الفيس بوك – تحت عنوان (يا ساتر)..
فقد شعرت أن (الخلاص) لن يكون بغير (دماء)..
ولكن المهم أن الشعب كُتب له (الخلاص) – في النهاية – من (أيام) البشير الكالحة.. وأيضاً ما زال السؤال ملحاً : ما تريد مني (الأيام) ؟!.. فأنا – كما قلت – أطرب مثلاً لرائعة أحمد المصطفى (أيام بتمر ووراها ليالي).. ثم أتمثل أياماً للإنقاذ… وليالٍ؛ (سقتنا المر).. أو (عشرة الأيام) لأبي عفان؛ وما أكثر من يخونون (العشرة)… على مر (الأيام).. أو (مرت الأيام) لعبد الدافع عثمان..
وأتذكر (أياماً) سعيدة في حياتي – وما أقلها – انقضت عجلى (كالخيال أحلام).. أو أستمتع بروائع أدبية تحكي عن (الأيام)..
ومنها – بخلاف أيام طه حسين – أيام أنيس منصور تحت عنوان (البقية في حياتي)..
وهي الأيام التي أقسم أنه سمع في بعض لياليها (النداهة)..
ثم يرتعد فرقاً كحال طه حسين مع أشباح لياليه؛ مع فارق أنه كان مبصراً..
فهل طرق (الأيام) لي الآن ينبئ بنداهة نهارية؟!..
إن كان الأمر كذلك فربما المقصود أن علينا الانتباه إلى (أيامنا) هذه… أيام الثورة..
فقد تكون ذات ليالٍ تهجم علينا فيها مثل أشباح طه حسين..
أو ربما هي أشد سوءاً… وقبحاً… وإرعاباً؛ ثم لا تكتفي – مثلها – بالتخويف.. فالإنقاذ ما زالت ذات بقايا تحلم بعودة (الأيام)..
ونحلم نحن بعودة (الأيام) – الجريدة العريقة – وقد كنت أحد كتاب أخيرتها حيناً..
فبقايا الإنقاذ – إذن – ما زالت تحلم بعودة (أيام صفاها)..
ونسيت قول الحق وتلك (الأيام) نداولها بين الناس..
بقايا تعمل تحت الشمس… وفي ضوء النهار… وتكاد تصرخ: ما زالت لنا (أيام).. ولها (إيقاع) !!.

صحيفة الأنتباهة