الصادق الرزيقيرأي ومقالات

الحَواكِير .. ووزراء المالية .. وعُمر الدقير والبود كاست..!


عقبات التفاوُض

لا شيء يؤكّد أو ينفي تعثّر مسار دارفور في المفاوضات الجارية في جوبا، غير تغريدة السيد مني أركو مناوي، وبعض الأخبار المنقولة من جوبا من مصادِر مُتعدّدة تتضارَب وتتقاطَع لأن القضايا التي قد تكون هي القشة التي ستقصم ظهر بعيرها، هي قضايا حقيقية تحتاج إلى صبر وأناة وجَلَد من المُتفاوِضين، مثل قضية الأراضي ومفوضيتها وقوانينها ولوائحها، وهي قضية توجَد مرجعية لها في اتفاقية أبوجا 2006 ووثيقة الدوحة، ونظرياً كما جاء في الاتفاقيّتين السابقتين لا يُوجَد خلاف على الإطلاق حول معالجة قضية الأراضي، لكن على الأرض تُوجَد تعقيدات جمّة تنسِف ما اتُّفِق عليه، فالعُرف أقوى من أي اتفاقية أو قانون وهو ما جعل قضية الأراضي حجَر عثرة في كلِّ ملفات التفاوض في مناطق النزاعات المُختلفة على طول البلاد وعرضها.. وهي ببساطة عند حركات دارفور تعني (الحواكير)، فالاعتراف بالحواكير ضمنياً وردَ من قبل واتِّفق عليه، لكن يصعُب وضع ترتيبات مُلزِمة بناءً على ما تم الاتفاق عليه، وهي قضية ذات شِقّين، الشِّق الأوّل نفسي ومعنوي، إذ تُريد بعض القبائل الاحتفال بمسميات مناطق تواجُدها وسكنها وفقاً لنظام الحواكير التاريخية القديمة، وهو موجود ومعمول به في كل السودان بدرجات متفاوتة، والشّق الثاني هو المُتعلّق باستخدامات الأرض في الانتفاع بها سواء كان إقامةً وسكناً أو رعياً أو تعديناً أو أي استخدامات أخرى. وقد أثارت حركات دارفور منذ 2003 قضية الأرض والحواكير، وجعلت منها قضيةً سياسيةً ترتكِز فيها بمزاعم حول وجود وافدين ومُستوطِنين في حواكير قبائل خاصة مع اشتداد الاستقطاب ما بين الرّعاة والمزارعين في بعض أوقات الصراع، وتبنّت الحركات هذه القضية لسنوات طويلة، لكن الحل الذي وردَ في اتفاقية أبوجا ووثيقة الدوحة حلٌّ كافٍ ووافٍ، ينبغي ألا تتعطّل المفاوضات بسبب هذه القضية.

ولعل إثارة هذه القضية قد تكون مُرتبِطة بالدعوات المَوجُودة الآن في أروقة التفاوض ومَطالب الحركات، وما يُثار هنا من بعض القوى السياسية بشأن العودة إلى نظام الأقاليم القديمة والتراجُع عن الحُكم الفدرالي الحالي. فبخصوص دارفور لقد أُجرِي استفتاءٌ في 2017 حول الإبقاء على نظام الولايات أم العودة للإقليم، واختار أهالي دارفور خيار الولايات الحالي، فهل ستُلغَى نتائج ذلك الاستفتاء؟ ويرجَع الناسُ بقرار من السلطة المركزية إلى نظام الإقليم الذي سيُفاقِم المشاكِل ويدفع بالصراعات القبلية إلى ما لا نهاية..!

أما ما يُقَال عن خلاف في مسار دارفور حول دمج القوات مثل قوات الدعم السريع في القوات المسلحة وإعادة هيكلة الجيش السوداني فتلك قضية لا أساس لها ولا مُبرّر لإثارتها لأنها محسومة والواقِع العملي تجاوَز هذه النقطة..

استنساخ التصريحات

تكادُ تتطابَق كل تصريحات وزراء المالية منذ استقلال السودان حتى اليوم، ولا تختلف تعبيراتهم وكلماتهم ومحتواها، فمن يُراجع في دار الوثائق أو أرشيف الإذاعة والصحف من لدُن حماد توفيق (1954 الحكومة الوطنية – السَّودنة) أول وزير مالية، ومن بعد ظهور التلفاز في 1962، حتى اليوم في عهد وزير ماليتنا الدكتور إبراهيم بدوي، هي ذات التصريحات ونفس الكلمات وذات الحِجَج ونفس الوعود وإطلاق العبارات المُحلّقة التي لا تمُتُّ للواقِع بِصِلةٍ، فهي أمانٍ تتوالَد من أمانٍ تظل تُعشعِش على عقول وألسنة وزراء المالية، لم يَخرجوا من إطار العبارات الجاهزة المُعلّبة التي يلقونها على أسماع المواطنين بلا جدوى، ولو قصصتَ نَصّاً من تصريح صَدَر في عهد حكومة الأزهري الأولى لوزير المالية وحجبتَ اسمه، يُمكن أن يكون للوزير الحالي إبراهيم البدوي أو لإبراهيم منعم منصور في عهد مايو، أو لبشير عمر في الديمقراطية الثالثة، أو الشريف حسين الهندي في الديمقراطية الثانية، أو لعبد الرحيم حمدي أو الزبير أحمد الحسن في عهد الإنقاذ، لم يخرُجوا من التوصيف الواحد للأزمة الاقتصادية، ولا العلاج المُقتَرح..

اعترافات طازِجة

السيّد عمر الدقير، أحد أبرز قادة الحرية والتغيير، قال في منتدى (كباية شاي) بصحيفة “التيار” مساء الخميس أول من أمس، ما يقوله كل مُعارِض للحكومة الانتقالية الحالية وفشلها في إدارة البلاد وارتكابها جملة من الأخطاء الفادحة، كان صريحاً وواضِحاً بلا مُوارَبة وهو نهجٌ محمود، فكوْن الحكومة القحتاوية فشلت في الملف الاقتصادي وتحسين معاش الناس، فهذا حديث لا خِلاف عليه، لأنه أمر يعيشه الناسُ كل يوم، وكوْن الفترة كافية للحُكم على الحكومة فهذا ردٌّ على بعض مؤيدي الحكومة الذين يزعمون أن الفترة غير كافية للحُكم عليها، ولا تخلو الإشارة إلى الفساد الذي تُدمَغ به الحكومة الحالية وأداء الوزراء الضعيف وضرورة إجراء تعديل حكومي. لا تخلو هذه الإشارة من صراحَة تستحق أن تجلس قوى إعلان الحُرية بدلاً من الهروب للأمام للاعتراف بها والبحث عن مَخرج…

“بعد أمس ” من الإذاعة للبودكاست

أدوات ووسائط الاتصال والإعلام هي أوعية تتطور مع الزمن لكن العبرة في المحتوى، قبل أسابيع قليلة بدت لنا أنها فِكرة جيّدة وخلَّاقة وفيها من الإمتاع الكثير، ونحن جيلٌ تربّى على السماع والإذاعة وجهاز الراديو، تلك التجربة لقناة الجزيرة في إطلاق خدمة جديدة عبر تطبيق البود كاست (Podcast)، وهو نظام التدوين والبث الصوتي لمجموعة حلقات تحمل محتوى للسمع أو مَرئِيٍّ يُمكن الاحتفاظ به والاستماع إليه والاستمتاع به في أي وقت، تتم إعادة بثه بطريقة جديدة بمؤثرات صوتية وخلفيات مختلفة، يختلف عن البث الإذاعي المُباشر في التزمين، حيث يستطيع الإنسان الاستماع وتشغيل البرامج في أي وقت وفي كل مكانٍ وزمانٍ، وقد أخذتني جملة من البرامج الصوتية في البود كاست لقناة الجزيرة الذي أطلقته باسم (بعد أمس) تُقدمه نجمة القناة المذيعة القديرة خديجة بن قنة، عبْرَ حَكِي مُمتِّع وأسلوب شائق في التناوُل تقدم فيه المعلومات بشكل حكائي قِصَصِي في موضوعات جادَّة يبرع فيها الضيف والمضيف بعيداً عن شكل البرامج الحوارية التلفزيونية أو الإذاعية الجادة، وفي ليلة واحدة وساعات طويلة استمعت إلى خمس عشرة حلقة من (بعد أمس) تَناوَلتْ مُختلَف قضايا السياسة والعلاقات الدولية والأزمات الرَّاهِنة وقضايا الفِكر والثقافة والتاريخ والأدب والشعر واللغة واللِّسانيَّات وحلقة عن التغيير السياسي في السودان بعد إطاحة النظام السابق تحدث فيها د. صلاح الزين المستشار في شبكة الجزيرة بأسلوب مُبدِع تدفّقت فيه المعلومات بسلاسة وربط ما بين الثورات السابقة في أكتوبر وأبريل ومُستقبل السودان، وتحِسُّ أثناء الحديث في كل حلقات (بعد أمس) كأن المُتحدّث ومضيفته يجلسان في هواء طلق ينداح الحديث التلقائي في قالبه القِصصي المُمتع ولا تَمَلّه … هذه دعوة لمحبي الاستماع وعاشقي الإذاعات، الاستماع إلى ملايين الملفات من البوكاست المختلفة على هواتفهم الذكية ومن بينها حلقات (بعد أمس).

صحيفة الصيحة