في قبيلة المسيرية بالسودان .. قل لي كم بقرة لديك أقل لك من أنت؟
تشكل الأبقار سمة بارزة في الحياة الاجتماعية لقبيلة المسيرية بالسودان ومعيارا مهما لمضاعفة حظوظ صاحبها في الفوز بجميلات القبيلة التي تعتبر تعدد الزوجات أمرا طبيعيا، وذلك خلافا لعديد القبائل والمجتمعات الأخرى.
وعند المسيرية أكثر من 23 مليون رأس من الأبقار، مما يمثل 25%من أبقار السودان، وفقا لتقرير وزارة الثروة الحيوانية بولاية غرب كردفان.
وتمثل الأبقار عند المسيرية وسيلة لإظهار الفخر والتباهي، ويقاس بها مقام الرجال ووضعهم في المجالس، لذلك ظلت هذه الحيوانات حتى وقت قريب مقدسة عند أصحابها ولا تباع إلا في حالات الضرورة القصوى، حيث لا تمثل مصدرا اقتصاديا بقدر ما تشكل مظهرا اجتماعيا.
مكانة اجتماعية
يوصف صاحب الأبقار بالغني الذي يُوسَّع له في المجالس ويحظى بتقدير واحترام كبيرين عند القبيلة، خاصة عندما يساهم في سداد “المخروقة” -المصطلح المحلي للديَّة التي تمثل عرفا سائدا في ديار المسيرية- حيث يعوض أهل القتلى من ضحايا الشجار أو منازعات قبلية بأموال تساهم فيها القبيلة عن بكرة أبيها.
وتُقدَّر مساحة المراعي الطبيعية في ديار المسيرية في السودان بـ 114 ألف كيلومتر مربع، وتقع ضمن منطقة السافنا الغنية غرب وجنوب كردفان، ويتراوح معدل الأمطار فيها ما بين 250 وألف مليمتر في العام.
وينتمي المسيرية الذين يبلغ عددهم نحو مليوني نسمة إلى مجموعة قبائل منها: “البقارة” -نسبة إلى البقر- وهي قبائل رعوية تقطن في مناطق كردفان في وسط وغرب السودان.
ويقول الباحث في ثقافة وتراث قبيلة المسيرية عبد الوكيل الحاج إن المسيرية ينتمون تاريخيا إلى عرب جهينة، ويشكلون أحد فروع قبيلة حِمْيَر التي عاشت في شبه الجزيرة العربية في عصر ما قبل الإسلام، غير أنه لا يُعرف تحديدا كيف وصلوا إلى هذه المناطق في أفريقيا.
وتتحدث بعض الروايات التاريخية عن دخول مجموعة أولى اتجهت إلى مصر، في حين اتجهت الثانية إلى تونس وعبرت منها إلى الصحراء الكبرى جنوبا إلى داخل العمق الأفريقي.
وأوضح عبد الوكيل خلال حديثه للجزيرة نت أن سكان قبيلة المسيرية ينقسمون إلى فرعين، فرع يسمى بمسيرية حُمُر وهم أولاد حامد الأحمر الذين ينقسمون بدورهم إلى الفلايتة والعجايرة، وفرع آخر يسمى بمسيرية الزُرُق وهم أبناء حامد الأزرق ومن بطونهم العلاونة والعِنينات والدريهمات.
مشقة ومخاوف
من جانبه، تحدث عيسى إدريس دكو المتخصص في أعراف وتقاليد قبيلة المسيرية للجزيرة نت عن رحلة البحث عن الماء والعشب والكلأ التي تسمى محليا برحلة المصايف، وقال إن هذه الرحلة تكلف المسيرية معاناة كبيرة يركب المشاركون خلالها المخاطر والأهوال في رحلة طويلة تستغرق نحو ثمانية أشهر، تبدأ مع موسم الشتاء من شهر نوفمبر/تشرين الثاني وتستمر حتى شهر يونيو/حزيران.
وتدفع المخاطر والأهوال التي يواجهها رعاة المسيرية في رحلة المصايف إلى الجنوب إلى مفارقة العائلة طوال ثمانية أشهر، ويقول الطاهر الحاج -من الرعاة الذين يتوجهون بماشيتهم جنوبا إلى دولة جنوب السودان- في حديثه للجزيرة نت إنهم يعانون كثيرا في رحلة المصايف بدفع الضرائب عند تجاوز الحدود، ويضطرون في ظل اختلاف العملات إلى التبادل التجاري بمؤنهم الغذائية مقابل جلود النمر وغيرها.
ويشكو الرحيمة يعقوب العِسيل -من كبار أصحاب الماشية- من معاناة الرعاة في رحلتهم، وقال إن الكثير من المشكلات تقع خلال رحلة الإياب جراء الاحتكاكات التي تحدث بين الرعاة والمزارعين لضيق المسار بسبب عمليات التنقيب عن النفط، مما انعكس سلبا على بطء حركة الأبقار وأثر في صحتها بسبب الجوع والعطش مما يتسبب نفوق العشرات منها ووصول البقية إلى مناطقها مرهقة ومريضة.
الجزيرة نت