إسراء وعثمان!
صلاح الدين عووضة
من منكم لا يعرف لاري كنج؟..
فهو أشهر محاوِر تلفزيوني على نطاق العالم أجمع..
وحين بلغ التسعين من العمر رفض تجديد عقده مع قناة (سي إن إن) الأمريكية..
وأصر على رفضه هذا رغم تمسك القناة به..
ولو كان لاري هذا يعمل هنا ببلادنا لأُحيل إلى التقاعد وهو في عز شبابه الإعلامي..
ولقيل له (أم جركم لا تأكل خريفين)..
رغم إن الإعلامي- في العالم المتحضر كله – لا يعرف التقاعد… ولا المعاش..
فهو يزداد خبرة -وتعتقاً- مع مر السنين..
ولذلك لا نرى انقطاعاً لتواصل الأجيال في أجهزة الدول الإعلامية المتقدمة..
المهم إن لاري هذا أُجري معه حوار إثر تقاعده الاختياري..
وسُئل عن سر تميزه اللافت؛ فقال : الأسئلة القصيرة… السلسة… المباشرة..
ثم عدم تهيب الضيف وإن كان الرئيس نفسه..
بمعنى إنه يتعامل من منطلق ندية تغيب معها الألقاب… والأوصاف… و النعوت..
بل هو يعطي نفسه الحق بأن يكون مثل قاضٍ في محكمة..
وهذا هو النهج ذاته الذي كان يتبعه كاتب هذه السطور في حواراته السياسية..
سيما حواراته مع الترابي… وهو أذكى من حاوره..
وفي الوقت نفسه هو الأكثر رحابة صدر… وسعة أفق… وتقبلاً لساخن الأسئلة..
ولذا أعجبني أسلوب عثمان ميرغني في محاورة حمدوك..
فهذا هو النهج الذي تفتقده صحافتنا؛ مقروءة كانت… أم مسموعة… أم مرئية..
ومن ثم تجيء الحوارات باردة… هامدة… لا حياة فيها..
وفضلاً عن ذلك لا تشد المتلقي… ولا تعلق بذهنه… ولا يذكر منها أي شيء مفيد..
وبعكس تميز عثمان هذا جاءت محاورة إسراء لضيفين عربيين..
ثم – ولسوء حظها – كان الضيفان هذان متخصصين في الفلسفة؛ تونسي…
وأردنية..
والحوار كان عن فكر محمود محمد طه..
فطفقت إسراء زين العابدين-كما نقول في عاميتنا- تدخل بحمد وتخرج بخوجلي..
وتظن-حسب ثقافتنا الإعلامية- أن الثرثرة تكفي..
فهي تظهرها بمظهر العارف… الخبير… المثقف… الذي يبز الضيف علماً في مجاله..
فهذه هي الآفة التي تُقعد بحواراتنا التلفزيونية تحديداً..
فالمذيع – أو المذيعة – يظن أن ثرثرته إن لم تطغ على كلام الضيف فهو فاشل..
حتى وإن كان الكلام عن الغزالي… وابن رشد… وجون لوك..
ومن واقع لت وعجن إسراء أقطع ذراعي إن كانت سمعت بأيٍّ من الفلاسفة هؤلاء..
وليس هذا عيباً… وإنما العيب الثرثرة في غير محلها..
بل الثرثرة أصلاً؛ فليس مطلوباً من المحاوِر-بكسر الواو- أن يثرثر… بل يسأل..
وأسئلته تكون قصيرة… سلسة… مباشرة..
تماماً كما كان يفعل لاري كنج؛ فاشتهر كأعظم محاور تلفزيوني في العالم..
أو كما فعل عثمان!.
صحيفة الأنتباهة