يوم أن افتقدنا حمدوك
(1 )
كنت وما زلت أظن أن أكبر توفيق لازم ثورة ديسمبر المجيدة هو اختيار الدكتور عبد الله حمدوك رئيسا لوزراء حكومة الثورة وذلك لما يتمتع به من تأهيل وخبرة مقدرة في مجال التنمية والاقتصاد والعلاقات الدولية والأهم من ذلك أنه شخصية وفاقية يدرك أن الفترة الانتقالية يجب أن تكلل بأكبر قدر من اﻹجماع وأنها لا تحتمل شراسة المعارضة. والرجل منذ تأديته للقسم إلى يوم الناس هذا ظل ثابتا على وفاقيته ومتحليا بقدر عال من ضبط النفس وعفة اللسان رغم ثقل التركة وحالة البلد المتردية وكأنه تمثل قول المتنبئ (فليسعد النطق إن لم يسعد الحال ) وفي تقديري أن حمدوك هو صمام أمان الفترة الانتقالية (مسمار نصها ) وأنه لا قدر الله لو ظهرت أي محاولة أو كاني ماني لإزاحته سوف تعصف بالفترة الانتقالية وتفتح الباب لقادم لا يعلم ماذا سيفعل بهذه البلاد إلا الله.
(2 )
بالإضافة لكل ما ذكرناه أعلاه لفت نظري حمدوك بإدراكه ﻷهمية وخطورة الإعلام في زماننا هذا وقد أظهر هذا الإدراك منذ تصريحاته الأولى وهو قادم ﻷداء القسم وبعد أداء القسم حيث أظهر احتراما كبيرا للسادة الصحفيين وهو يجيب على أسئلتهم وفي أول مقابلة تلفزيونية له والتي كان قد أجراها الأستاذ فيصل محمد صالح قال حمدوك إن الإعلام سيكون له شريكا في أداء مهامه كرئيس للحكومة وأن حرية الكلمة شيء مقدس عنده وأن إتاحة الفرصة للرأي الآخر أمر مكمل للعملية الديمقراطية واتبع القول بالعمل عندما اعتذر وعلى رؤوس الأشهاد وبصريح العبارة للأساتذة الصحفيين الذين منعوا من دخول المؤتمر الصحفي الذي عقده بالمطار وهو قادم من رحلة خارجية مهمة.
(3 )
لكل الذي تقدم يكون من الطبيعي أن نفتقد الدكتور حمدوك وهو يلتزم الصمت عندما تم إيقاف صحيفتي السوداني والرأي العام عن الصدور وقناة الشروق عن البث لأسباب لا صلة لها بالمادة التحريرية كما صرح بذلك أعضاء لجنة تفكيك التمكين . نعم الدكتور حمدوك ليس عضوا في لجنة إزالة التمكين ولا صلة له مباشرة بما تم ولكنه رئيس الجهاز التنفيذي وهو المسؤول اﻷول عن حماية حرية الكلمة والشغلانة لم تتم بسلطة موازية له كالسلطة القضائية إنما نفذت بواسطة الجهاز التنفيذي الذي يترأسه وكان على اﻷقل يمكنه تلافي المسألة بعد حدوثها وإصلاح ما تم تخريبه بما له من قوة ونفوذ سياسي . لاسيما وان معظم مكونات الحرية والتغيير قد ادانت تلك الفعلة وتبرات منها .كنا لا نريد أن توجد صفحة في كتاب التاريخ مكتوب عليها أنه في أصيل يوم السابع من يناير 2020م هجمت ناقلات جنود مدججة بمدافع الدوشكا على دار صحيفة السوداني وأمرت الصحفيين الذين كانوا منهمكين في عملهم لإصدار نسخة الثامن من يناير بالخروج فغابت الصحيفة المحترمة عن أكشاك التوزيع وكان ذلك في عهد حكومة الدكتور حمدوك الانتقالية
(4 )
أي انقلاب عسكري يبدأ بحل المؤسسات الديمقراطية من احزاب و برلمان ومجلس وزراء ونقابات ويتزامن مع ذلك إيقاف الصحف ﻷن الانقلاب العسكري يريد أن يطوي صفحة الديمقراطية بالمبررات التي يراها . أثناء الحكومات الدكتاتورية يمكن أن تصادر الصحف وأن يسجن ويطرد الصحفيون وهذا شيء طبيعي لأنه ليس بعد الكفر بالديمقراطية ذنب . حتى في العهود الديمقراطية يمكن أن تتوقف الصحف وذلك بأمر قضائي لأن الدولة دولة قانون , ولكن في عهد ديمقراطي ثوري طوى صفحة نظام دكتاتوري تغلق صحيفة بالدوشكات فهذا أمر غريب وعجيب ومعيب وسابقة خطيرة … فهل يدرك الذين فعلوها تداعياتها ؟
صحيفة السوداني