المقعد الأفريقي .. الخرطوم وضياع الفُرص ..!!
الفَشَل يَتَجَدّد
في انتخاباتٍ مَاراثونية جَرَت أحداثها بمفوضية الاتّحاد الأفريقي بأديس أبابا على هامش قمة الاتحاد الأفريقي رقم (33) التي تُجرى فعالياتها حالياً، فشل السودان في إحراز كسبٍ دبلوماسي وسياسي بنيل عُضوية مجلس السلم والأمن الأفريقي، أحد أهم الأذرع في الاتحاد الأفريقي لصنع القرار.
الماراثون الانتخابي الذي يبدو أنّ الدول التي فازت بالمقاعد العشرة للعامين القادمين، قد حضّرت نفسها بشكلٍ جيِّدٍ لخوض المعركة، ووضعت خُططاً ليس من بينها الفشل، في وقتٍ كان السودان وما أحدثته ثورة ديسمبر المُلهة من تغييرات في مشهد علاقاته الخارجية والانفتاح والتعاطُف الدولي الذي حُظي به، هو الأقرب لنيل العُضوية، لو أنّ وزارة الخارجية عبر بعثتها الدائمة في أديس أبابا رفعت سُقُوفات الطُمُوح وبذلت جُهداً يتناسب وتحديات المرحلة.
آلية صُنع القرار
ومجلس السلم والأمن الأفريقي مَعروفٌ هو جهازٌ يتبع للاتحاد الأفريقي، وهي الآلية الأهم والمسؤول عن تنفيذ قرارات الاتّحاد، وهو مُشَابِهٌ إلى حَدٍّ كبيرٍ لمجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة وحسب المعلومات الخاصّة بالمجلس، فإنّ الانتخاب لعُضويته يَتم عَبر الأعضاء من قِبل الجمعية العامّة للاتحاد الأفريقي بحيث يَعكس التوازُن الإقليمي في أفريقيا، فَضْلاً عن مطلوبات أخرى من المَعايير، بما في ذلك القُدرة على المُساهمة عسكريّاً وماليّاً للاتّحاد، والإرادة السياسية للقيام بذلك، وتتطلّب العُضوية أيضاً وجوداً دبلوماسياً فعّالاً في أديس أبابا ويتكوّن المجلس من خمسة عشر بلداً، منها خمسة بلدان يتم انتخابها كل ثلاث سنوات، وعشر دول لمدة سنتين، كما أن القوة الأفريقية الجاهزة هو برنامج عسكري يرتبط به.
ووفق التقسيم المعمول به في مفوضية الاتحاد الأفريقي للفوز بمقعد في مجلس السلم والأمن الأفريقي، فإنّ القارة وزّعت لخمسة أقاليم: غرب وجنوب ووسط ثم شرق وغرب أفريقيا لاختيار عشرة أعضاء من جُملة الدُّول المُترشحة.
هَذا مَا حَدَثَ
ترشح السودان حسب مَوقعه الجُغرافي في القارة الأفريقية على مقعدي التنافُس الانتخابي لشرق أفريقيا، إلى جانب جيبوتي وإثيوبيا والصومال، حيث التكتيكات التي تحدث بين الدول, فإنّ الصومال سُحبت من الماراثون لصالح جيبوتي، الأمر الذي قاد الأخيرة لنيل المَقعد مُضافاً إلى الجُهُود الدبلوماسية التي بَذلتها، في ذات الوقت الذي مَارَسَت فيه أديس أبابا (مُستضيفة الاتّحاد وآلياته) كل خبرتها الدُّبلوماسية وتحرُّكاتها التكتيكية للظفر بالمَقعد الأهم في آليات الاتحاد الأفريقي.. جرى التنافُس في جوٍّ ديمقراطي بين الدول المرشحة الثلاث (السودان، إثيوبيا وجيبوتي)، خاض السودان ثلاث جولات تنافُسية وخرج بعد أن فشل في الحُصُول على ثلثي الأصوات، حيث نال في الجولة الأولى 18 صوتاً وفي الثانية 12 صوتاً وخرج بالضربة الثالثة التي أحرز فيها 10 أصوات فقط، وبالتالي نالت كل من جيبوتي وإثيوبيا شرف الجلوس على مقعدي شرق أفريقيا لعامين قادمين وفق النظام القائم لنيل عُضوية مجلس السلم والأمن الأفريقي.
ربكة دبلوماسية
نتيجة الفشل في نيل عُضوية مجلس السلم والأمن الأفريقي، عَزَاهُ سفير وخبير دبلوماسي تحدث لـ(الصيحة) للربكة الدبلوماسية والإجرائية التي تعيشها وزارة الخارجية حالياً منذ عدة أشهر، وأنّ السودان فَشَلَ أيضاً بسبب الضائقة الاقتصادية في تسديد اشتراكاته المالية، بجانب خلو أكثر من خمسين بعثة دبلوماسية من السفراء رؤساء البعثات والكوادر المُدرّبة، ولفت السفير لوجود ربكة حقيقية في العمل الخارجي وولايته المُوزّعة بين القيادات في مجلسي الوزراء والسيادي ورغم حُدُوث بعض المكاسب، إلا أنّ هنالك بعض الأضرار تَرتَّبت على إفراغ البعثات والتباطؤ في رفدها بالبديل، وأضَافَ أنّ خوض مثل هذه التجربة لتولي مقعدٍ إقليميٍ يتطلّب تحرُّكاً إقليمياً وثنائياً قبل فترة كبيرة وليس عمل (علوق الشدة) الذي تكون نتائجه دُونَ الطُموح، بجانب ذلك فإنّ وزيرة الخارجية ليست في وضع يُمكنها من النظر ووضع رؤية بشكل كامل للعمل الخارجي، ولم يستبعد السفير احتمال اتجاه الوزارة لتقليص بعثاتها بسبب الضائقة الاقتصادية.
فراغ البعثات
المعلومات التي تَحَصّلت عليها لـ(الصيحة)، أكّدت أنّ السودان دفع طلب رغبته للترشح لنيل عضوية مجلس السلم والأمن الأفريقي مُمثلاً لقيم شرق أفريقيا منذ أكثر من ثلاثة أشهر، وأن السفير أنس الطيب الذي كان يشغل منصب القائم بالأعمال هو من قَدّمَ الطلب، غير أنّ سحبه أُسوةً بما جرى في العديد من البعثات، فِضْلاً عن أن السفارة لم تقُم بالحملة اللازمة الترويجية اللازمة لخوض الانتخابات قادت لعدم فوز السودان بمقعد مجلس السلم والأمن الأفريقي، الذي تُشير المعلومات إلى أنّ آخر مرة تقلّده كان عام 2006.
السفير والدكتور علي يوسف أمّن على أنّ أحد الأسباب ربما يعود لعدم التحرُّك الدبلوماسي المهني المَطلوب من قِبل البعثة بسبب سحب السفير أنس الذي كان يقوم بعملٍ مُميّزٍ حسب وصفه ولم يَستبعد أيضاً أن تكون مُشكلات السلام وإنهماك الحكومة الانتقالية في تسويتها واحدة من الأسباب التي رجّحت أهمية أن يكمل السودان ملفات السلام فيه في هُدُوءٍ أولاً ومن ثَمّ اللحاق بالعمل في هياكل المُؤسّسات الإقليمية.
تقرير: مريم أبشر
صحيفة الصيحة