منى ابوزيد

هناك فرق – أن تُمَثِّل فعلاً..!


“قيمة الإنسان شجرة وعي.. والديمقراطية أهم عناصر تمثيلها الضوئي”.. الكاتبة..!

(1)

السبب الرئيس في اتساع رقعة خيباتنا السياسية هو تلك الصورة النمطية التي يرسمها كل منا في ذهنه عن الآخر بناء على مخزون “ذاكرة شعبية جريحة”.. لذا يبقى الحل الجذري للصراعات السياسية والدينية والعرقية – في السودان – هو إعادة بناء إشكالية الأنا والآخر على ضوء المتغيرات الفكرية والسياسية المعاصرة – والخطيرة – ليس على المسرح المحلي فقط بل على المسرح الكوني بأسره .. فالعالم كله يرتبط ببعضه مصالح ومطامع وسياسات خارجية وإسقاطات داخلية .. إلخ .. وليس صحيحاً أن إشكالية الهوية في السودان ستنتهي بانتهاء الحروب الأهلية، كل ما هنالك أنها سوف تنتقل إلى دائرة المواجهات إلى مربع المعاملات.. ما يحدث في السودان من زعزعة وانقسامات هو أزمة وجودية بنيوية (أهم أعراضها اختراق خصوصية دولة بإدارة دفة شعب حيناً، وكسر إرادة شعب بإدارة دفة دولة أحياناً)..!

(2)

هناك فرق ـ بطبيعة الحال ـ بين (التَغيُّر) و(التَغيير)، فالأول ينبع من ذات الشيء، والثاني يأتي من خارجه، لذا فنجاح أي تحول ديمقراطي يعتمد أولاً على كون الديمقراطية مطلباً شعبياً وليست وسيلة جماهيرية، وبهذا المعنى يكون غياب الديمقراطية وحدها غير كافٍ لإحداث تحول، بدليل أن بعض أنظمة الحكم العربي تشهد استقراراً سياسياً لأن شعوبها تعيش في رفاهية .. ويبقى المعيار الحقيقي، بعيداً عن المسميات، هو نجاح السلطة ـ أي سلطة ـ في توفير الحقوق الإنسانية، والسياسية، والاقتصادية، في ظل تعايش ديني، وتعددية إثنية، وسلام اجتماعي.. وإلا فعلى “التغيير” السلام ..!

(3)

كان الممثل البريطاني المخضرم – وقتئذ – “لورانس أوليفيه” يراقب أداء زميله الممثل الأمريكي الشاب – حينئذ -“داستن هوفمان”، الذي يشاركه البطولة في فيلم العداء، عندما لاحظ معاناته في ممارسة بعض الطقوس قبل “الدخول في الشخصية”، فخاطبه قائلاً “يا بني .. بدلاً عن ادعاء التمثيل، هل جربت أن تمثل فعلاً”؟! .. أوليفيه ينتمي إلى مدرسة كلاسيكية في التمثيل تعتمد علي الالتزام بمقتضيات السيناريو، وهوفمان ينتمي إلى مدرسة أسلوبية تعتمد على شخصية الممثل التي تلقي بظلالها على تفاصيل السيناريو، وبين كل منهما مدارس مشتبهات، تنتهج التوفيق بين أسلوب الممثل واحتياجات السيناريو! .. الشاهد من ذلك أن العلاقات – ولا شيء سواها – هي التي تحكم اليوم طبيعة الأداء التمثيلي لبعض المسئولين، والحكاية “ماشية”، لولا أن بعض الممثلين يتسببون بإحراج السادة المخرجين بإصرارهم على طريقة المدرسة الأسلوبية في أدوار تتطلب الركون إلى الأداء الكلاسيكي .. وكان الله في عون الجماهير .. أحاديث مرسلة عن ضرورة تطبيق مبادئ العدالة والشفافية.. مظاهر ماثلة لأبلسة الآخر، وتعميق نعرات العداء السياسي.. ويبقى السؤال: كيف لشخصيات حاكمة ـ تقتات مشاريعها السياسية وتتغذى أجهزتها التنفيذية على مثل هذه المفاهيم ـ أن تنجح في تحقيق ما ثار شعبها لأجله..؟!

منى أبو زيد
الصيحة