تحقيقات وتقارير

النفايات الإلكترونية .. الموت يكمنُ في رقاقة ..!!

النفايات الإلكترونية.. الموت يكمنُ في رقاقة..!!

* حماية المستهلك:السودان من أكبر الدول استهلاكاً ويستورد ٢٠٠مليون جهاز سنوياً

* خبراء: معظم الحساسيات والأمراض المنتشرة بسبب النفايات الالكترونية

* (40%)من مكونات الموبايل مركبات سامة.. احذّروا الموبايلات المجمعة

* توقعات بارتفاع نسبة السرطان في العالم إلى (70%) بسبب النفايات الإلكترونية

قد لا يعلم الكثيرون أن بعض ما حولنا من أجهزه كهربائية (موبايلات وشاشات وثلاجات وأفران ) وغيرها، ماهي إلاَّ نفايات إلكترونية ونتعامل بها داخل بيوتنا ومكاتبنا، وفي كل مكان بحسبان أن ذلك مواكبة للتطور التقني وضرورة افترضتها تعاملات التكنولوجيا، بعد أن تحول العالم إلى قرية صغيرة (العولمة).. لكننا نغفل ونجهل خطورة هذه النفايات الحديثة.. فجهاز الموبايل وحده يحمل أكثر من (40%) مركباً ساماً من الرصاص والزئبق والقصدير.. أما بطاريات الموبايل تفرز آلاف السموم الملوثة التي تؤدي إلى الموت تدريجياً.. فضلاً عن أكثر من ألف معدن سام عبارة عن مركب الشاشات والحواسيب.. أطنان من نفايات العالم الإلكترونية تهدّّد السودان وغيره من دول العالم الثالث إذْ تعتبرها الدول بمثابة مكب نفايات لها رغم أن السودان حظر دخول الأجهزة المستعملة.. ولكن ما الذي يحدث؟.. التفاصيل في سياق التحقيق التالي:

مسبب للسرطان

توصف النفايات الإلكترونية بالخطورة على احتوائها عناصر ومركبات تؤثر تأثيراً واضحاً وخطراً على صحة الإنسان والبيئة، وتتوقف خطورة النفايات الإلكترونية على درجتها وتأثيرها البيولوجي، والآثار الصحية والظروف المحيطة بدفنها، وتشمل أجهزة الاتصالات والمعلومات والحواسيب والهواتف المحمولة والأجهزة المنزلية والترفيهية وأجهزة القياس والتحكم والأجهزة الطبية وغيرها، وقد أسهمت زيادة الإنتاج وارتفاع الطلب على الاجهزة، في زيادة معدل النفايات الإلكترونية، كما أن التطور التقني المتسارع لم يلازمه ايجاد حلول علمية وعملية وصحية لإفرازاته، وتكمن خطورة النفايات الإلكترونية في مكوناتها السامة وكيفية التخلص منها، أما تأثيرها على البيئة يتمثل في أنها تتسبب في كثير من الأمراض التي لم تكن معروفة من قبل، مثل السرطان الذي انتشر بين 24% من سكان العالم، وتوقع خبراء أن ترتفع نسبة هذه المعدلات ما لم يتم القضاء على النفايات الإلكترونية بنسبة 70% خلال الأعوام الخمسة المقبلة.

اشعاع

وللتفصيل أكثر حول خطورة النفايات الإلكترونية يقول الخبير البيولوجي (د. عبدالهادي عيسى) إن الموبايلات تعتبر أخطر جاسوس منظم تم اختراعه في العالم بسبب التكنولوجيا الموجودة فيه ويمكن رصدها، وتكمن الخطورة في الاشعاع الذي ينتج الترددات الكهربائية والكهرومغناطيسية ويحتوي في تركيبه على أكثر من مائة معدن سام خطر، من بينها (الرصاص والماغنيزيوم) وهذه الترددات تتطابق الى حد بعيد مع التي توجد في جسم الإنسان.

أجهزة غير شرعية:

ومن جانبه أوضح مصدر مطلع بوزارة الاتصالات أن ملايين من بطاريات الموبايلات التي تفتقد للارقام السرية تتسرب سنوياً لبلدان العالم الثالث ومن بينها السودان، وأشار الى أن آخر الاحصاءات للعامين السابقين أوضحت أن عدد مشتركي الموبايل بلغ أكثر من (57) مليون شخص، فيما شهد العام2013 استيراد أكثر من (77) ألف جهاز موبايل بطريقة شرعية، هذا بخلاف أعداد مضاعفة لهذا العدد تدخل البلاد بصورة غير رسمية، علماً بأن جهاز الموبايل إذا انطبقت عليه المواصفة القياسية يحتوي على أكثر من (40) وحدة تحوي مواداً سامة مثل (الرصاص والزئبق)، واجمالي الأجهزة التي أُدخلت البلاد رسمياً في الفترة السابقة وصلت قيمتها الى أكثر من (3) ملايين جنيه على أن الخطورة العظمى لجهاز الموبايل تكمن في صناعته عن طريق التجميع، مشيراً الى أن الدول النامية هي الأكثر تضرراً في حال تصدير الأجهزة المستعملة والأقل سعراً ووجود مواصفات مثالية، مضيفاً أن قبول التبرعات لمثل هذه الأجهزة يؤثر سلباً على استدامة التنمية في الدول النامية، والى جانب الموبايل تشمل النفايات جميع الأجهزة الإلكترونية التي تستخدم التيار الكهربائي والمجالات الكهرومغناطيسية مثل الحواسيب والثلاجات واللمبات ومنتجات البلاستيك والمنتجات الورقية والافران والمايكرويف والراديو وبطاريات السيارات، وجميع هذه المخلفات تعتبر سامة عند طمرها أو حرقها أو تفكيكها بقدر ما تحتويه من مواد سامة.

هيئة المواصفات:

وفي وقت سابق أوضحت الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس في ندوة عن الأجهزة الإلكترونية المستعملة عن طرق اكتشاف النفايات الإلكترونية والإجراءات المتبعة بأن تقنية الصناعات الإلكترونية معقدة تحتوي على مواد سامة وعمرها الافتراضي قصير تخضع لتغيرات سريعة، مضيفة أن بعض الدراسات تشير الى انتاج مايزيد عن خمسين مليون طن سنوياً على نطاق العالم، والولايات المتحدة الامريكية وحدها تتخلص من حوالي (300) مليون حاسوب، فيما تتخلص الدول الأوروبية من حوالي (100) مليون جهاز هاتف نقال، وأشارت الى أن خطورة النفايات الإلكترونية تكمن في مكوناتها السامة مثل ( اليورانيوم والكادميوم وغاز الكلورين السام ومواد أخرى) مثل (الزجاج والبلاستيك والكربون الصلب)، وهي مواد يصعب التخلص منها وإعادة تصنيعها مما يجعلها مصدراً للتلوث، وصناعة الأجهزة الكهربائية تستحوذ على 24% من الاستهلاك العالمي للزئبق، كما أن النفايات الإلكترونية السامة مهددة للبيئة مما جعل عمليات التخلص منها أو إعادة تدويرها تمثل مشكلة في جميع أنحاء العالم، كما أن الحواسيب الإلكترونية المستعملة وأجهزة الاتصالات السلكية واللاسلكية والأجهزة الكهربائية تحتوي على الفسفور الذي يتم به دهن شاشات الحاسوب والباريوم المستخدم في اللوح الأمامي للشاشة لحمايتها من الإشعاع والرصاص الذي يقدر بحوالي (2 -3) كيلوجرام تبعاً لحجم الشاشة والرصاص المستخدم في الدوائر المطبوعة والكادميون المستخدم في الدوائر الإلكترونية المتكاملة والمقاومات والمكثفات الموجودة في الأجهزة الكهربائية.

الشفافية السودانية

وحذرت دراسة أجرتها منظمة الشفافية السودانية، من المكونات الصناعية لمتعلقات أجهزة الاتصالات والتي تحتوي على آثار ضارة إذا لم يتم التخلص الآمن منها، وتشير الدراسة الحديثة، الى إحصائيات تتحدث عن أن 90% من السودانيين يمتلكون هاتفاً سياراً، وتنوه الدراسة افتراضا بأن عمر الجهاز 4 سنوات فهذا يعني تقريباً، إضافة 11 مليون جهاز سنوياً الى النفايات الالكترونية بما فيها من الخواص السمية.

وبحسب الدراسة، فإن كل انواع البطاريات تحتوي على مواد سامة 45 مليون جهاز يعني 45 مليون بطارية قابلة لاعادة الشحن، ومن قبل كانت تُستخدم للبطارية مادة النيكل لثقلها استبدلت ببطاريات الليثيوم الشائعة اليوم ليتحول الهاتف الى قاتل صامت.

وعمر البطارية يختلف من هاتف لآخر حسب التقنية وطريقة الشحن تقديراً في المتوسط – ثلاث سنوات، لكن دراسات أثبتت أن المادة الموجودة في البطارية الواحدة الكادميوم تكفي لتلوث 3600 متر مكعب من المياه، وتلوث الجو إن أحرقت، وترشح المعادن الثقيلة في التربة في مواقع دفن النفايات.
وتقول الدراسة وفقاً للعملية الحسابية فإن هناك حوالي 45 مليون بطارية لكل ثلاث سنوات، يعني 15 مليون بطارية كنفايات في العام أي أنها يمكن أن تلوث 54 مليار متر من المياه، وهذا ما يسحبه السودان من مياه النيل – حوالي 12 مليار متر – من جملة حصته التي تساوي 18 مليار، أي يمكن لهذه البطاريات أن تلوث حصة السودان لثلاث سنوات وما يسحبه ل 4 سنوات ونصف.

خطر البطاقات

وتنبه الدراسة أيضاً، إلى خطر استخدام البطاقات على صحة الإنسان، وتقول إن “أكثر البطاقات استخداماً، قيمة 5 ج هنالك حوالي 16 مليون بطاقة (تقديراً كل 2 بطاقة) أو حوالي 10 مليون بطاقة، إذا افترضنا 3 أشخاص للبطاقة الواحدة) يتم ( كشطها ) يومياً ورميها، أو إستخدامها بواسطة الأطفال للعب، أو النساء في الحناء وصناعة (الكسرة )”. وهذا يعني ان نصف السودانيين تقريباً أو ثلثهم، معرضون لخطر هذه البطاقة عند إستخدامها خطأ، وأكثر من ذلك بعد رميها.
وتشير الدراسة، إلى أن تقارير طبية تحذر من إستخدام اليدين في كشط بطاقات شحن الهاتف السيار نظراً لما تحتويه من مادة الرصاص التي تسبب سرطان الجلد والرئة، فهي تسري بالدورة الدموية ويترسب جزء كبير منها المخ والكلى والعظام فتكون لها تأثيرات ضارة على جسم الانسان خاصة الحوامل، ثم إن مادة الرصاص تنفذ إلى الحامل من خلال المشيمة، ويسبب ذلك تأثيرات متعددة على الجنين، كما أن الأطفال الذين يتعرضون لهذه المادة عند وضع أيديهم على بطاقات الشحن ثم على أفواههم، معرضون لنقص مستوى الذكاء وصعوبة التعلم ونقص حاسة السمع، كما يمكن أن يؤدي التعرض لمادة الرصاص على المدى البعيد إلى أضرار على الجسم تتمثل في آلام البطن، ضرر في الكلى والجهاز العصبي بجانب ارتفاع ضغط الدم والإصابة بالانيميا في بعض الأحيان والمفاصل والغيبوبة، ثم أن الخدش أو الكشط بالآلة لا يعني عدم تواجد بقايا الرصاص.

حماية المستهلك تحذر

ومن جانبة قال ممثل جمعية حماية المستهلك، عاصم السني، أن السودان من أكثر البلدان التي تستورد أجهزة مستعملة سنوياً بمعدل ٢٠٠مليون جهاز سنوياً، بمختلف انواعها مستعملة وجديدة، وبقايا الاجهزة الاسكراب التي يتم التخلص منها كنفايات في الشوارع تسبب السرطانات والحساسيات المختلفة، وان السبب الرئيسي في انتشار الحساسيات ناتج من النفليات الالكترونية، مبيناً بأن هنالك خطورة كبيرة في وجود عدد كبير من الاجهزة داخل الاماكن المغلقة كالشقق حيث تنبعث الغازات مسببة اختناق لانسان وأثرها التراكمي يسبب السرطانات والفشل الكلوي، فضلاً عن تأثيرها المباشر على الاعصاب، بجانب حساسية الصدر للأطفال، وأضاف بأن غياب الشركات الأم للأجهزة الالكترونية فاقم من الأوضاع.

تحقيق: عرفة خواجة
صحيفة الجريدة