منوعات

“ديل أهلي”.. مبادرة لجبر الضرر تبدأ عملها من مدينة شهدت اشتباكات قبلية دامية في دارفور


على وقع إيقاعات الغناء المحلي ورقصات “الباردَة ” و”الدُّردَير”، استقبلت مدينة الجنينة حاضرة ولاية غرب دارفور بمكوناتها الرسمية والشعبية، قافلة مبادرة “ديل أهلي”.

المبادرة التي تستهدف تعزيز السلام والاستقرار في مناطق الحروب والنزاعات، أطلقها تجمع أصحاب العمل السودانيين، الذي يضم رجال أعمال وصناعيين.

وتسعى المبادرة من خلال قوافلها المتنوعة إلى مساعدة المتأثرين بالحروب والنزاعات في السودان، سواءً في مناطق الحكومة أو تلك التي تسيطر عليها “حركات الكفاح المسلح” في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور.

ولما كان جسد مدينة الجنينة ما زال مثخنًا بالجراح، فقد اختار القائمون على أمر المبادرة أن تكون ضربة البداية من ولاية غرب دارفور، في محاولة لإزالة الغُبن وتطييب الخواطر بتجاوز المرارات وغرس قيم المحبة والتسامح.

وكانت مدينة الجنينة قد شهدت في ديسمبر/كانون الأول الماضي أحداثا دموية مؤسفة بدأت بمشاجرة بين أفراد في نادي مشاهدة، وانتهت إلى معارك قبلية أودت بحياة 54 شخصا وإصابة نحو 60 آخرين وتشريد أكثر من 40 ألفا، طبقا لتقرير مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا)”.

رسالة سامية
وبدا والي غرب دارفور اللواء الركن ربيع عبد الله آدم سعيدا وهو يستقبل قافلة مبادرة “ديل أهلي” التي حطت رحالها بمطار الشهيد صبيرة في مدينة الجنينة.

وقال الوالي إن وصول القافلة إلى ولايته يمثل رسالة إنسانية سامية ويعكس قيما ومعاني ظل يتسم بها المجتمع السوداني في التعاضد والتكافل وإغاثة الملهوف وجبر الضرر وبذل الغالي والنفيس لتجاوز المصائب والمحن.

وثمّن الوالي موقف تجمع أصحاب العمل، ودعا إلى خلق شراكة بين المواطن والتجمع والحكومة لتجاوز الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد، مشيرا إلى العلاقة المطردة بين الاقتصاد والتنمية وأمن واستقرار المواطن.

تدشين واختراق
ودشنت مبادرة “ديل أهلي” (هؤلاء أهلي) برنامجها في مدينة الجنينة بوضع حجر الأساس لمدرستين وتفقد النازحين في المعسكرات. بيد أن الاختراق الأكبر للمبادرة تمثل في دخولها جامعة الجنينة التي خيم عليها التوتر وتوقفت فيها الدراسة وكل الأنشطة الثقافية والمجتمعية منذ اندلاع أحداث ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وأقامت المبادرة داخل الجامعة حفلا غنائيا صدح فيه الفنان سيف الجامعة وتفاعل معه الحضور، ورددوا معه:

طبل العز ضرب حي عليك يا كفاح

والآذان نـده حي علـيك يا صبــاح

والظالم وقع يا السُّرَّة داوي جراح

والشـارع هجــد ما بسـوِّي التــاح

خلي الناس تنوم بعد الشقا وترتاح.

ملامسة حاجة الناس
ويُبدي الفنان سيف الجامعة سعادته بالمشاركة ضمن المبادرة التي وصفها بالناجحة ولامست حاجة الناس ورغبتهم في السلام والاستقرار، “الأمر الذي يؤكد صدقية المبادرة وتوجهاتها الأمينة نحو الوطن ومصالحه العليا”.

وعن الحفل الذي تغنى فيه داخل جامعة الجنينة، يقول الفنان سيف للجزيرة نت إنه غنى بارتياح في ظل التفاعل الكبير للجماهير التي قال إنها متعطشة لمثل هذه الأجواء النقية والمفعمة بالمحبة، وهو دور الفن الذي يتعاطى إيجابيا مع أشواق المواطنين نحو التعايش السلمي، مما يعزز من دور شركاء السلام في الضغط على أطراف النزاع لتحقيق السلام ونبذ العنف والاقتتال.

ولم تغادر مبادرة “ديل أهلي” ساحة جامعة الجنينة إلا بعدما أعادت هذه القلعة العلمية إلى منظومة المجتمع المحلي، حيث استقبلت الجامعة حشدا من المواطنين حضروا الندوات الثقافية وزاروا المعارض التشكيلية والفنية التي أقيمت على شرف المبادرة.

مشروع المبادرة
ويكشف رئيس المبادرة محمد الأمين تبيدي -وهو مسؤول الإعلام بتجمع أصحاب العمل السوداني- النقاب عن المشروعات التي تستهدف المبادرة تنفيذها على الأرض في مناطق الحروب والنزاعات في السودان، ويقول للجزيرة نت إن المبادرة تركز على النهوض بقطاعي الصحة والتعليم من خلال تشييد مراكز صحية متكاملة، إضافة إلى بناء مدارس بمواصفات حديثة.

ويقول تبيدي إن المبادرة -وبجانب إقامة المعارض الثقافية والفنية والندوات والسمنارات والبرامج الرياضية- تهتم بمعاش الناس، وذلك بتقديم معونات غذائية وإقامة مراكز للبيع المخفض من المصانع والشركات إلى الجمهور مباشرة.

واستطرد في التعريف بمبادرة “ديل أهلي” التي قال إنها تقع في عشرة محاور تصب جميعها في صالح الإنسان بمناطق الحروب والنزاعات بكسر كل حواجز العزلة التي فرضتها عليه الحروب، وإزالة الآثار النفسية المرتبة عليها، وتهيئته لتجاوز الغبن والمرارات وتقبُّل التصالح مع الآخر، ومن ثم الانطلاق نحو تنميته والنهوض بواقعه وتعبيد الطريق لاستقبال السلام المرتقب.
زيارة معسكر كِرينْدِينْق
وكانت مبادرة “ديل أهلي” قد زارت معسكر “كِرينْدِينْق” الذي تعرّض لدمار كبير جراء أحداث الجنينة في ديسمبر/كانون الأول الماضي. كما اجتهدت في بناء بعض المخيمات وتقديم إعانات للمتأثرين بالأحداث.

ويعرب الشريف أحمد -وهو من نازحي المعسكر- عن سعادته بالحراك الذي أحدثته المبادرة وما قدمته من خدمات وصفها بالممتازة، وقال للجزيرة نت إن ما يميز المبادرة هي الجدية والمصداقية في التعامل مع واقع المنطقة.

ويقول رئيس تجمع أصحاب العمل بولاية غرب دارفور محمد الشريف تازورة إن مبادرة “ديل أهلي” قد حققت أهدافها كاملة بمدينة الجنينة، مشيرا في حديثه للجزيرة نت إلى التفاعل الشعبي الكبير مع المبادرة والرغبة الصادقة في السلام والاستقرار.
اعلان

واجب العزاء
وكانت قافلة المبادرة قدمت واجب العزاء لطرفي النزاع في أحداث الجنينة، وبحثت معهما السبل الكفيلة لتجاوز التداعيات المؤسفة للحادثة، وتلقت منهما التزاما بفتح صفحة جديدة تقوم على التسامح والتعايش السلمي.

واعتبر محمد الشريف الخطوة داعمة لخطط وبرامج المبادرة، متعهدًا بتسخيرها لصالح الاقتصاد بما يحقق العيش الكريم، مشيرا إلى أن عافية الاقتصاد لا تكتمل إلا في ظل استقرار أمني وسلام اجتماعي.

المصدر : الجزيرة نت