حيدر المكاشفي

شول منوت..رحمك الله

شق علي وأحزنني جداً النبأ الفاجع برحيل الفنان نجم نجوم برنامج نجوم الغد شول منوت، إذ أعلن أمس مستشفى أبوعنجة الذي كان يستشفي فيه الفقيد وفاة الفنان شول منوت، بعد معاناة طويلة مع المرض، واشتهر شول منوت بعد ظهوره في برنامج (نجوم الغد) الذي كان يبث على قناة النيل الأزرق وحقق نجومية طاغية بعد ترديده لأغنيات الكبار بإبداع وتميز كبيرين، وعانى الفنان الشباب من ويلات المرض طوال السنوات الماضية وتنقل بين المستشفيات في سنار والخرطوم طلباً للشفاء، وكانت قد ظهرت قبل مدة ليست قصيرة صور للفقيد داخل مستشفى أبو عنجة الذي فارق الحياة فيه، وهو في وضع مزري مما دفع بناشطين لتبني علاجه ولا ندري لماذا لم تنجز هذه المبادرة الانسانية النبيلة، كما لا ندري لماذا تجاهلته فى محنته الأوساط الفنية والثقافية بل وحتى أجهزة الدولة المعنية، فقد ظل قابعا بمستشفى أبو عنجة لزمن طويل يكابد آلامه وحيداً بلا نصير ولا معين إلى أن توفاه الله، ولا تسل عن حال المستشفى فأقل ما يمكن أن يقال عن سوئه وتردي بيئته أنه ليس مكانا للعلاج وانما بؤرة لنقل مختلف الأمراض..
لست هنا فى هذا المقام الحزين للحديث عن الإجادة والروعة التي أدى بها هذا الأبنوسي الوسيم، بعض أغاني التراث والحقيبة التي شدا بها عبر حلقتين من برنامج نجوم الغد، فأطرب وأمتع وأبدع، وإنما للتذكير بتلك الإشارة البليغة التي بعث بها وقتها للمتخاصمين على قطعة أرض لن تغني شيئاً عن ضرورات التواصل الإنساني والتلاقح الوجداني والتثاقف وتبادل المصالح لمنطقة حدودية مثل أبيي، ظلت طوال تاريخها مثالاً لكل هذه المعاني، كما قال الإذاعي المخضرم محمد سليمان الذي استغرقته اللفتة التي قدّمها شول فترك التقييم الفني جانباً وطفق يُحدّث كشاهد عيان عن عمق الصلات وقوة الوشائج التي كانت تجمع بين مكونات المنطقة الإثنية من دينكا ومسيرية، تمثلتها وجسدتها قيادة رشيدة ونبيلة وحكيمة اضطلع بها ناظرا القبيلتين، دينق مجوك وبابو نمر عليهما الرحمة، اللذان لم يكونا يفترقان ويؤثر أحدهما الآخر ولو كانت به خصاصة، ولم تترك لفتة شول حتى للمطرب المثقف أنور عبد الرحمن والموسيقي الأشهر محمد سيف فرصة للتقييم والتقويم الفني، فلم يجدا مناصاً من التعريج بالحديث إلى منحى مؤداه أن الثقافة والفن يمكن أن يصلحا ما أفسدته السياسة، وأنهما الأقدر على مخاطبة مثل هذه القضايا، ومن ثم تحرير الخلاف وصهره وصبه في وعاء واحد جامع ومانع، أبيض ونظيف مثل صحن الصيني، لا فيهو شق من المسيرية ولا طق من الدينكا.. ولهذا الأوفق برأينا على حكومتي السودان والجنوب أن يجدا ويجتهدا للبناء على النموذج اللفتة الذي جدده الشاب شول منوت وأرساه من قبله شيب وشيوخ الدينكا والمسيرية.. ولا يسعنا في يوم رحيلك يا شول إلا الدعاء لك بأن يرحمك الله رحمة واسعة. وأن يحسن العزاء لأسرتك الكريمة وذوي مودتك.. إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ.

حيدر المكاشفي
الجريدة