زهير السراج

التجربة الكندية (2 ) !


* اعتذر عن الغياب في الثلاثة أيام الماضية بسبب ظروف السفر الى كندا للانضمام الى أسرتي في هذه الظروف العصيبة التي يشهدها العالم، وهي فرصة أتحدث فيها عن الاهتمام الكبير الذي توليه بعض الحكومات لمواطنها أينما كان، ومهما كانت الظروف قاسية بل ومستحيلة مثل الظرف الحالي الذي قد لا يصدق فيه احد ان مواطناً معزولاً في أقصى العالم قد يكون الهم الاول لدولته وحكومته الى أن تتيسر له العودة، أو على الأقل تقديم أقصى أنواع المساعدة له ليشعر بالسلام والأمان وهو بعيد، وان حكومته لن تتردد أبدا عن فعل أي شيء من أجله ولو كان المستحيل نفسه، وهو ما شاهدناه كثيراً في الأفلام السينمائية الغربية وكنا نستبعده أو نستغربه ونظنه نوعاً من الدعاية لدول الغرب، إلى أن عايشناه في الواقع وكنا في مركزه خلال هذه الأيام الصعبة!

* وهي فرصة أيضاً للحديث عن الدور الحقيقي التي يجب أن تقوم به السفارات في الخارج كخادمة وحامية لرعاياها، وليس كممثل حكوماتها فقط لدى الدول الأخرى، ومظهراً من مظاهر الجاه والعظمة كما يظن بعض الدبلوماسيين المتحذلقين !

* كما انها فرصة لإعادة الحديث عن المهمة الحقيقية التي يجب أن تقوم بها إدارة المغتربين في الخارج مثل (جهاز تنظيم شؤون السودانيين العاملين بالخارج)، الذي لا يفعل شيئا سوى تعذيب المغتربين وجمع الاتاوات التي تفرضها الحكومة عليهم ومعاقبتهم بالحجز والمنع من السفر إذا خالفوا قوانينها وأوامرها المجحفة!

* ذكرت لكم قبل بضعة أيام أنّ الحكومة الكندية لديها مكتب صغير بوزارة الخارجية الكندية يعمل به موظفان فقط، اسمه (مكتب خدمات الكنديين بالخارج) وهو عبارة عن موقع إلكتروني لتسجيل المواطنين الكنديين بالخارج باختيارهم (سواء المسافرين أو المقيمين)، لتقديم الارشادات والنصائح والمعلومات المناسبة لهم عبر كل وسائل الاتصال المتاحة بما في ذلك صفحاتهم الخاصة على الموقع والإجراءات التي يجب عليهم اتباعها في الاحوال العادية او الطارئة، والخدمات التي تقدمها لهم حكومتهم في الاحوال العادية والطارئة، وكل ما عليك فعله أن تخطر هذا المكتب عبر صفحتك بالموقع بسفرك الى الخارج والتفاصيل الأخرى مثل موعد السفر والعودة وفترة الغياب ومكان الاقامة وأرقام الهواتف واسماء وارقام الاشخاص الذين يمكن الاتصال بهم في حالات الطوارئ (الحوادث أو الوفاة مثلا)، وستجد المكتب في خدمتك منذ لحظة خروجك الى عودتك، وليس مطاردتك وجمع الأتاوات ومنح تأشيرات الخروج أو المنع من السفر، كما يفعل جهاز تعذيب السودانيين بالخارج!

* بعد الاعلان عن الوباء ظل المكتب في حالة اتصال شبه يومي بي وإخطاري بالنصائح والتوجيهات المناسبة، وكان هو أول من أخطرني عبر البريد الإلكتروني بإغلاق الاجواء السودانية، ونبهني لاحقاً بفتحها لمدة يومين لاستقبال العالقين السودانيين في المطارات الخارجية، وذلك إذا رغبت في استغلال الفرصة للعودة الى كندا، كما أخطرني بقرار الحكومة الكندية بمنح مساعدات مالية للكنديين بالخارج إذا رغبوا في ذلك، وكانت مفاجأة سارة عندما علمت منه بوجود فرصة للعودة الى (الوطن) بطائرة خاصة عبر مطار الخرطوم، ناصحاً لي بالعودة لتفادي أي اخطار أو عوائق لاحقة مثل اغلاق الأجواء الكندية أو استفحال الأوضاع الصحية، ووجهني للاتصال بالسفارة الكندية لإجراء اللازم، ومنها علمت ان السفر سيكون على حساب الشخص ولكن بقرض من الحكومة الكندية يسدد لاحقاً على اقساط، وبالفعل طلبت إدراج إسمي، وقامت السفارة بكافة الاجراءات الى ان غادرت الخرطوم يوم الاثنين الماضي على متن طائرة إستأجرتها الحكومتان الأمريكية والكندية لإجلاء رعاياهما من السودان، كما جاء في الخبر الذي نشرته صحيفتنا أول أمس!

* وكانت مفاجأة كبرى لي ولكل الموجودين وجود كل طاقم السفارة الكندية بالمطار من السفير الى أصغر الموظفين لاستقبال وخدمة وتوديع المسافرين وتذليل كل العقبات التي يمكن ان تواجههم، ولقد رأيت بنفسي السفير الكندي وهو يتحدث مع أحد المسؤولين بمطار الخرطوم ملتمسا منه الاهتمام الشخصي بأحد المسافرين الكنديين من أصل سوداني كبير السن الى حين وصوله الى الطائرة، كما تحدث مع المسافرين فردا فرداً متمنياً لهم رحلة طيبة وسلامة العودة!

* هكذا يجب ان تكون الحكومات والسفارات خُداماً لمواطنيها مهما صغر قدرهم، وليس سادةً عليهم .. وليتنا نتعلم الدرس !

زهير السراج
الجريدة