منوعات

المناعة والحرارة وعدم السفر إلى الصين… 3 احتمالات للمقاومة الأفريقية


«7 آلاف و987» إصابة بكورونا المستجد، هو الرقم الإجمالي لعدد المصابين بفيروس «كوفيد-19» في دول قارة أفريقيا، وفق آخر تحديث لإحصائيات «منظمة الصحة العالمية»، مساء أول من أمس. وهو رقم لا يزال بسيطاً مقارنة بعدد الإصابات في دولة واحدة فقط مثلاً وهي الولايات المتحدة الأمريكية، التي تشير إحصائيات جامعة جونز هوبكنز إلى أنها سجلت خلال يوم واحد فقط 31782 إصابة جديدة.

هذا التباين الواضح بين الدول الأفريقية ذات المناخ الحار، وغيرها من الدول في معدل الإصابات، يستخدمه بعض الخبراء المؤيدين لنظرية أن درجات الحرارة المرتفعة في القارة السمراء، ربما تحمل تفسيراً لأسباب قلة عدد الإصابات أفريقياً، مقارنة بباقي القارات.

في المقابل، لا تعتمد «منظمة الصحة العالمية» على هذا الاعتقاد الذي يتم ترويجه أيضاً في إطار حديث البعض عن أن فصل الصيف سيقضي على الفيروس، سواء بالنفي أو الإيجاب. وقال د.أحمد المنظري، مدير إقليم شرق المتوسط بالمنظمة في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»: «إننا نتعامل مع فيروس مستجد تم اكتشافه منذ أشهر قليلة، لذا من الصعب التكهن بمعرفة إذا كان سيتغير نشاطه مع ارتفاع درجات الحرارة أم لا، والبيانات أثبتت أن الفيروس يعيش في الأجواء الباردة والجافة، كما يعيش في الأجواء الحارة والرطبة، وقد انتشر في بلدان ذات أجواء حارة، كما انتشر في بلدان ذات أجواء باردة».

لكن إحصائيات الإصابات حتى مساء أول من أمس في القارة الأفريقية، رسمت علاقة بين درجة الحرارة وأعداد الإصابات، عند المقارنة بين الدول الثلاث الأولى في عدد الإصابات؛ وهي بالترتيب الجزائر وجنوب أفريقيا ومصر، وحتى أول من أمس (الجمعة)، كانت معدلات درجات الحرارة في الدول الثلاث الأولى في عدد الإصابات متقاربة، حيث سجلت الجزائر وجنوب أفريقيا ومصر درجات حرارة 20 و19 و23، وكانت معدلات الإصابة 1171 و1505، و985، بينما كانت درجات الحرارة في جنوب السودان (لم تسجل أي إصابات حتى مساء أول من أمس)، وسيراليون، ومالاوي، 36 و32 و31. ولم تسجل الأولى أي إصابة حتى الآن، بينما سجلت الثانية والثالثة، إصابتين و3 إصابات إجمالاً.

ومع اعتراف د.محمد مدحت، أستاذ مساعد الميكروبيولوجي بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا بمصر، بأن «إمكانات الكشف عن الإصابات، ربما هي المسؤولة عن هذا التباين أفريقياً بين الدول الأكثر إصابة والأقل إصابة، وبالتالي قد تكون مسؤولة عن التباين الكبير بين القارة الأفريقية بشكل عام وباقي القارات»، فإنه يعتقد مع ذلك أن «لدرجات الحرارة تأثيراً كبيراً».

ويقول في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «نفي منظمة الصحة العالمية وجود علاقة بين الحرارة وانتشار الفيروس، ربما المقصود به عدم تأثير درجات الحرارة في وجود الفيروس داخل الإنسان، لأن درجة حرارة الإنسان ثابتة لا تتغير صيفاً أو شتاء، ولكن درجة الحرارة قد تؤثر في البيئة التي يعيش فيها الفيروس، ومن ثم يقل انتشاره على الأسطح، وبالتالي لا يصيب العديد من الأشخاص حتى ينقلوه لآخرين». ويضيف أن «الفيروس يتكون من غشاء دهني، وهذا الغشاء لا يتحمل الأشعة فوق البنفسجية للشمس، وبالتالي يكون لدرجة الحرارة تأثير في عدم وجوده بالبيئة».

ويتفق زميله بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا في الجيزة د.تامر سالم، أستاذ العلوم الطبية الحيوية، مع هذه الرؤية، من حيث التجارب السابقة مع الفيروسات. ولكنه يشدد على أن «هذا الفيروس جديد، والمعلومات المتعلقة به تتغير من يوم لآخر، ومن ثم فإن ما نعتقد أنه اليوم صواب، قد يصبح غداً خطأ». ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «منطقياً قد تبدو درجة الحرارة هي المسؤولة حتى الآن عن التباين، ولكن هناك أسباباً أخرى يمكن أن تقدم تفسيراً، أولها تاريخ القارة الأفريقية مع الأوبئة».

وتعرضت القارة طوال تاريخها للعديد من الأوبئة التي ربما شكلت مناعة لسكانها، وهو ما يفسر نتائج دراسات أظهرت أن «لقاح السل أظهر فاعلية في الوقاية من الفيروس الجديد».

ويمنح الأطفال بالقارة الأفريقية هذا اللقاح على نطاق واسع، وكشفت دراسة بحثية نشرها مؤخراً باحثو كلية نيويورك للطب بأميركا، أنه ربما يكون السبب في انخفاض أعداد الإصابات في بعض الدول، حيث وجد الباحثون أن البلدان التي ليست لديها سياسات شاملة للتلقيح ضد السُل، مثل إيطاليا وهولندا والولايات المتحدة، قد تأثرت بشدة بالوباء، مقارنة بالدول التي لديها سياسات التلقيح بلقاح السل.

ومن الأسباب الأخرى التي يطرحها د.سالم، أن «هناك ضعفاً في النظم الإحصائية بالقارة الأفريقية وعدم استعداد لإجراء عدد كبير من الاختبارات يومياً لارتفاع تكلفة اختبار (البي سي آر) الخاص بالكشف عن المرض». ويضيف: «من المؤكد أنه لو كانت لدى دول القارة خبرة بالإحصائيات وقدرات على إجراء مزيد من الاختبارات، لكانت سجلت العديد من الإصابات».

ويشير إلى سبب آخر يتعلق بالتباين في حركة السفر بين الصين التي شهدت بداية الوباء والدول الأوروبية وأميركا، مقارنة بأفريقيا، ويقول: «من المؤكد أن هذا العامل كان مؤثراً أيضاً». وكانت دراسة جديدة نشرتها دورية «لانسيت» في 20 فبراير (شباط) الماضي، أكدت ما ذهب إليه سالم. ووضعت الدراسة خريطة محتملة لانتقال الفيروس من الصين إلى أفريقيا، ووجدت أن مصر والجزائر وجنوب أفريقيا، هي الأكثر تعرضاً لخطر الإصابة بالفيروس في أفريقيا، بسبب «حجم سفر مواطني هذه الدول إلى الصين، لا سيما إلى الإقليم الذي ظهر فيه الفيروس بقوة، وهو مقاطعة هوباي وعاصمته ووهان، وجاءت الإحصائيات الحالية لمؤشرات الإصابة داعمة لهذا التحليل».

الشرق الأوسط